تحليل رئيسي يبدو ان المخاوف الشديدة التى بثَّها وزير الشئون الإنسانية بحكومة الجنوب جيمس كوك حول إستحالة تمكن حكومته من استقبال أكثر من 1.5 مليون نازح قادمين من الشمال حال انفصال الجنوب فعلت مفعول السحر فى نفوس قادة الحركة ،و كعادة هؤلاء القادة فى التعامل الساذج مع الوقائع الخطيرة والصعبة ، فان أقصي ما فعلوه هو أنهم أطلقوا دعوة ما لبثت ان تحولت الى برنامج لإعادة (1.5مليون نازح) من الشمال الآن لكي يقوموا بعلمية التصويت فى الجنوب ! ولا شك ان الخطوة تعتبر بكل المقاييس مخالفة سواء لقانون الاستفتاء – الذى أعطي الحق لأي مواطن جنوبي للتصويت فى مكان إقامته – أو الدستور الانتقالي 2005 الذى كفل لكافة المواطنين حق التنقل و الإقامة فى أى مكان يريدونه . حكومة الجنوب بإطلاقها برنامج إعادة هؤلاء المواطنين – الآن و فى هذا التوقيت الحرج- انما تثير عدة أموراً سالبة : أولها طبعاً بخلاف مخالفتها لقانون الاستفتاء و الدستور فهي تتعامل (بنية مبيتة) لإرغام هؤلاء المواطنين على التصويت لصالح النتيجة التى تريدها و هى الانفصال ، لأن المنطق يقول لماذا لم تطلق حكومة الجنوب – منذ خمس سنوات – هذا البرنامج لإعادة اعمار الجنوب و توطين ابناء الجنوب هناك فى إقليمهم ؟ لماذا حرصت على إعادتهم الى هناك - بتكلفة مالية عالية جداً- الآن فقط ؟من المؤكد انها لا تثق فى تمكنها من إجبارهم على التصويت لصالح الانفصال الا إذا كانوا على أرضها هناك فى الجنوب ،و هذا بدوره يكشف عن ان الحركة الشعبية هى أساساً غير واثقة من توجهات المواطنين الجنوبيين و ما إذا كانوا سوف يستجيبون لمطلبها الانفصالي ، لأنها لو كانت واثقة لما احتاجت الى إعادتهم الى هناك فهم بإمكانهم التصويت لصالح الانفصال فى اى موقع يوجد به تصويت دون ان يتأثروا بمناخ الموقع المعين ، أو أن يتأثروا بشئ مغاير . أما ثاني الأمور التى يثيرها هذا المسلك فهو الاستخدام غير الإنساني للحركة الشعبية لهؤلاء المواطنين ، فهي تمنحهم أموال وتقدم لهم اغراءات بغية شراء ذمتهم الوطنية و تستغل حاجة البعض،و تراهن على حاجة بعض آخر و لو لملاليم لأن 1.5مليون ناخب جنوبي هؤلاء يصعب استيعابهم الآن فى الجنوب فقط للتصويت للانفصال ،ومن ثم عليهم ان يتدبروا أمرهم فالحركة و بعد ان يصوتوا لها لا شأن لها بهم ،و لن تحرص على ان يكونوا حينها فى الجنوب أو فى دول الجوار او فى الشمال . ان ما تمارسه الحركة الشعبية الآن يقع ضمن الأساليب الفاسدة فى العمليات الانتخابية ، فالإغراء والترهيب و الترغيب كلها أساليب فساد انتخابي ، الأمر الذى يتطلب من مواطني الجنوب الاحتراز ،فالحركة بمسلكها هذا تدرك أن إمكانية حصولها على الانفصال ليست مسألة سهلة ،و لهذا تريد ان تستخدم شتي الأساليب و الوسائل لكي تحقق هذا الانفصال ،وعلى المواطنين الجنوبيين المقيمين فى الشمال ألا يعينوها على هذه الجريمة .