هذا ما قاله رئيس جواتيمالا الفارو كولم كاباليروس )sorellabaC moloC oravlA( بغضبٍ واندهاشٍ شديدين عندما اتصلت به السيدة هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي تَزُف إليه خبر استخدام الولاياتالمتحدةالأمريكية أكثر من 700 من مواطني جواتيمالا كفئران تجارب المختبرات في الفترة من 1946 إلى 1948 في أحد السجون الأمريكية الواقعة في جواتيمالا. وبعد ساعاتٍ من اتصال وزيرة خارجية أمريكا، تلقى رئيس جواتيمالا اتصالاً هاتفياً آخر من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليعتذر عن العمل المشين واللاأخلاقي الذي قامت به الأجهزة الصحية الأمريكية الاتحادية في سجون جواتيمالا، وليُعبر عن أسفه الشديد لشعب جواتيمالا والمتضررين كافة من التجارب المفزعة والقاتلة التي أجريت عليهم. وهذا الاعتذار للعمل الإجرامي الذي تقشعر منه الجلود لم يأت اعتباطاً، وإنما فُرض بقوة على الإدارة الأمريكية وأجبرت على هذه التصريحات التي لا تغني عن شيء، فقد وقعت هذه الفضيحة الأخلاقية في يد باحثة أمريكية عندما كانت تقوم بدراسة علمية عن تاريخ الطب الأمريكي، حيث اكتشفت في صفحات الأرشيف المدفون في المكتبات عن وثيقةٍ سرية تُبين قيام بعض الأطباء الأمريكيين وتحت الإشراف المباشر للأجهزة الاتحادية الرسمية بتجارب على السجناء في جواتيمالا. وبعد الدخول في تفاصيل هذه الوثيقة أصابها الذهول والدهشة مما قرأت. فقد كان الأطباء الأمريكيون وفي سرية تامة في مطلع الأربعينيات من القرن المنصرم، يَحقنون السجناء، والجنود، والمرضى المتخلفين عقلياً، بحقنٍ ملوثةٍ بجراثيم تُصيب الإنسان بالأمراض التناسلية، وبالتحديد مرض السفليس )silihpys( أو الزهري، كما استخدموا في ذلك أبشع الوسائل والسبل لتحقيق أهدافهم، مثل استخدام العاهرات المصابات بالمرض، أو الحقن الجبري في النخاع الشوكي، أو رش الجراثيم على وجوه وأعضاء هؤلاء الأفراد بشكلٍ مباشر لإصابتهم بالمرض، ثم دراسة الأعراض المرضية التي تنكشف عليهم، وبعد ذلك حقنهم بالبنسلين )nillicinep( لمعرفة مدى فاعليته في علاج ومنع هذا المرض الجنسي. وبعد أن أَلَمَّتْ الباحثة الأمريكية بتفاصيل هذه الجريمة المروعة وكشفت كل الجوانب المتعلقة بها، قامت في يناير 2010 بإلقاء بحثها في مؤتمر علمي، ثم عندما أرادت في يونيو من العام الجاري نشر اكتشافاتها في العدد الذي سيصدر في يناير 2011 من مجلة "التاريخ السياسي"، تدخلت الجهات الحكومية الرسمية وقامت بإجراء تحقيق في هذه الحقائق، واضطرت بعد أن فاحت الرائحة النتنة لهذه الفضيحة في وسائل الإعلام من الاعتذار الرسمي لضحايا تجارب أمريكا على البشر. وفي الحقيقة لم استغرب شخصياً من هذه الممارسات، فالغاية في السياسة الأمريكية تبرر الوسيلة، حتى ولو كانت على الشعب الأمريكي نفسه. فهذه التجارب أُجريت من قبل، ولكن بأسلوبٍ آخر على أكثر من 400 مواطنٍ أمريكي من أصلٍ افريقي في فضيحة اكتشفت في السبعينيات على دراسة طبية أُطلق عليها دراسة تسكيجي)ydutS eegeksuT( في عام 1932، نسبة إلى جامعة تسكيجي في ولاية ألباما الجنوبية، حيث الأغلبية السوداء. فهذا العمل العنصري وغير الأخلاقي أشعل النار في المجتمع الأمريكي عامة وفي أروقة الكونجرس خاصة، وأجبر الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون على الاعتذار العلني لضحايا هذه التجارب في كلمةٍ ألقاها عام 1997 في البيت الأبيض وأبدى أسفه عما جرى في تلك الحقبة الزمنية السوداء من تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، ووصَفَ هذه التجارب بأنها مخجلة وعنصرية. هذه الوقائع التاريخية التي تمت في جنح الظلام، وتحت ستارٍ رهيب وتغطيةٍ شاملة سرية من حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية، تم اكتشافها وفضحها بعد أكثر من ستين عاماً على وقوعها، ولم تقم الجهات الرسمية في أمريكا سوى بالاعتذار والتعبير عن الأسف، وكأنه أمر عادي وبسيط. فكل هذه الجرائم ارتكبت ضد دولة فقيرة لا حول لها ولا قوة، وضد مواطنين أمريكيين سود، مستضعفين وفقراء ليس لهم من يدافع عنهم ويرجع إليهم حقوقهم المسلوبة، ويحاكم كل فردٍ اشترك في هذه الأعمال البشعة. وهذه الحوادث المؤلمة التي انكشفت الآن وبالمصادفة، وبعد عقود من الزمن، تؤكد لي أن هناك جرائم أخرى ستُكتشف بعد سنوات، ارتكبت في سجن جوانتينامو الأمريكي، أو سجون العراق السرية، أو سجون أفغانستان. المصدر: الخليج5/10/2010