استقبلي ببشاشة في مكتبه بمعهد الدارسات الاجتماعية في لاهاي,. فقد عاد الي صومعته الاكاديمية في المعهد بعد أن طرد من السودان كشخص غير مرغوب فيه في اكتوبر 2010, وقد زادت حميمية الحوار وصراحته معرفته بانني خريج نفس المعهد في تسعينيات القرن الماضي انه البروفيسور يان برونك الممثل الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة لدي السودان, فالي محضر الحوار الذي يحكي فيه عن اهم المحطات في فترة وجوده بالسودان وكيف ينظر لمستقبل البلد بعد الاستفتاء. *مامدي معرفتك بالسودان وظروفه قبل تعيينكم مبعوثا خاصا للامين العام للأمم المتحدة لدي السودان ؟ معرفتي بالسودان قديمة فقد اتخذت في عام 1974م ، عندما كنت وزير التنمية والتعاون الدولي قرار اعتماد السودان دولة تستحق الدعم التنموي الهولندي ،وقد كانت هولندا حتى ذلك الوقت لا تمنح دعما تنمويا لأي دولة إسلامية ،وقد هدفي من ذلك القرار دعم اتفاقية أديس أبابا للسلام ،كما مولت هولندا تشييد جسر جوبا في عام 1976م وقد زرت شخصيا الخرطوموجوبا عدة مرات ،وقد تعرفت علي الرئيس السوداني الأسبق النمير ي وابيل الير .وعندما أصبحت وزيرا مرة أخري في التسعينيات التقيت بالرئيس البشير وجون قرنق عدة مرات في ذلك الوقت ضمن مساعي اصدقاءالايقاد في إيجاد حل سلمي لحرب الجنوب . مقاطعا:كيف كان انطباعك عن الرئيس البشير من خلال تلك المقابلات ؟.هو عسكري متميز وهو مفكر مدرك لعواقب الأمور وغير متشدد وهو جيد الاستماع ومتفهم وكانت له مداخلات جيدة وقادر علي اتخاذ القرارات الصعبة . *كيف كان شعورك في أكتوبر 2006م وأنت تعد حقائبك لمغادرة السودان بعد إعلانك شخصا غير مرغوب فيه ؟ لقد كنت حزين جدا لانني لم اترك فقط مهمة لم تنجز بل اناس في دارفور والجنوب كانوا في أمس الحاجة لخدماتي ،هذا إضافة لاحساسى بانني اترك بلدا ورائي أحسست فيه بأنني في وطني هذا بالرغم من كل الصعوبات التي واجهتني فيه ،فبالرغم من قناعتي بعدم عدل قرار طردي الاانني أتفهم دوافعه السياسية . *ذكرت انك كنت تشعر وكأنك في وطنك ،هل كنت تشعر بالخوف علي حياتك وأنت في السودان ؟ لامطلقا فقد كنت أتنقل بحرية وبدون حراسة في بعض الأحيان ويكفي فخرا إنني لم افقد جنديا واحدا من القوات الدولية في تلك الفترة ،وقد خفت قليلا عندما أهدر بعضهم دمي ووضع مكافئة علي راسي بقيمة 100الف دولار ،ولكنني تجاوزت ذلك الشعور لإدراكي بان المخاطر جزء من مهمتي ،كما انني كنت ادرك ايضا ان الحكومة والمخابرات السودانية لايرغبان في إن يحدث لي أي مكروه . * ماالذي فاجآك في السودان ؟وما الذي أعجبك .؟وما الذي لم يعجبك فيه ؟ (رد بعد تنهده عميقة وصمت طويل ) فاجأني المزج الغريب بين الكرم والوحشية في الشخصية السودانية ،فالسودانيون طيبون وكرماء ولاكتهم قادرون بكل سهولة علي ارتكاب أفعال وحشية .وهو أمر يصعب فهمة ،ولكن ربما السبب يرجع لكون السودان دولة لم تصل بعد لمرحلة قيام امة سودانية واحدة في دولة منسجمة ،فبالرغم من ا ن السودان له حضارة ضاربة في القدم تسبق الحضارة الأوربية والمصرية إلا إن السودانيين لم ينجحوا بعد في تجاوز أنهم مجموعه أمم مختلفة تسكن في قطعة ارض تسمي السودان ،وتأسيس دولة امة يحتاج لمقدرات هائلة ومجموعة نظم وقوانين ورفع روح الانتماء للسودان ككل كسودانيين وليس كقبائل ،وهذه المرحلة سبق ومرت بها أوربا في القرن السابع عشر . *قضيتم فترة طويلة في السودان واحتككتم بمختلف شرائح المجتمع السوداني من سياسيين إلي مواطنين بسطاء ،ما هي انطباعاتكم عن الشخصية السودانية إضافة لما ذكرتم أنفا من المزج الغريب بين الكرم والوحشية ؟ للسودانيين عزة وثقة كبيرة في النفس ولهم وعي بتاريخهم وثقافتهم ،وهذا الأمر يصعب من مهمة الأخريين ويهمزهم عندما يحاولون تقديم يد المساعدة للسودانيين،فالسودانيون يعتقدون بحكم انتصاراتهم السابقة بأنهم قادرون علي تجاوز الصعوبات التي تواجههم دون مساعدة الغير ،وهذا الأمر له نواح ايجابية وسلبية في نفس الوقت .فالسودانيون حققوا نجاحات كبيرة في الدول الخليجية وأسهموا في في تنمية تلك الدول وهو أمر يدعو للإعجاب إما داخل السودان فالأمر مختلف ،فما فما لم يعجبني في السودان إهمال الفقراء والمعوزين ، فالدولة تنفق كثيراً من الأموال فى سبيل تحديث البنيان والطرق دون الالتفات لبناء الانسان الفقير ، وهو ما يمكن تسميته بالوحشية الاقتصادية . كيف كنت تستطيع التمييز بين السودانيين هذا من الشمال وهذا من الغرب وهذا من الجنوب ؟.. هل عبر لون البشرة أم اللغة أم ماذا؟ من خلال تجربتى كنت أستطيع أن أميز بين الاشخاص من طبيعة المواضيع التى يطرحونها وكيفية حديثهم عن الآخرين ، فالسودان فيه كثير من عدم الثقة بين مجموعاته ، وهذا الأمر ينطبق حتى على الصفوة فى الخرطوم ، فالجنوبى لا يرغب فى التعاون مع الشمالى والعكس كذلك . هل لديك أى شعور بالأسف أو الندم على اى قرار اتخذته أو تصريح صرحت به فى تلك الفترة ؟. وهل تظن أن الأمور كان من الممكن أن تسير بصورة أفضل عما انتهت إليه ؟ أى سياسى بارع ينبغى ألا يعطى عذراً لاتخاذ موقف ضده ، وفى نفس الوقت الواقع يقول إن الحكومة السودانية وقعت اتفاق سلام فى دارفور واستمرت فى القتال ، وكان من المفروض على لكونى أمثل المجتمع الدولى أن انتقد ذلك الوضع ، فقد أبلغت موقفى هذا لمجلس الأمن الدولى وللوزراء السودانيين وراء الأبواب المغلقه وأعلنت ذلك لدى مخاطبتى لوسائل الاعلام ، وما نشرته على موقعى الخاص على الإنترنت لا يختلف كثيراً عما ذكرته من قبل ، فقد كنت اتحدث بلسان واحد ولكن بعبارات مختلفة . والحقيقة أننى اجتمعت بعدد من القادة العسكريين للحركات المتمردة ونجحت فى إقناعهم بعدم مهاجمة مواقع القوات الحكومية ، وأخبرتهم بقناعتى بأنهم يمكنهم كسب معركة ولكنهم لن يكسبوا الحرب فى نهاية المطاف .وقد فوجئت بعد عودتى للخرطوم بقيام القوات السودانية بقصف موقع الاجتماع فكان لزاماً على إنتقاد ذلك الواقع مع علمى بعدم رضا الحكومة عن تصريحاتى . تعاملتم أثناء قيامكم بدور المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مع العديد من السياسيين السودانيين ،أيهم كنتم تفضلون التعامل معه ،ولماذا؟،وايهم كنت تفضل تفاديه ؟ ولماذا؟ أنا أعجبت بالرئيس البشير بغض النظر عما يقوله البعض عنه، وأعجبت أيضاً بأبيل ألير فهو حكيم ولديه خبرة فى الحياة ، ولكننى كنت أفضل التعامل مع مصطفى عثمان اسماعيل فهو شخص متفهم وجدير بالثقة . وأحب أن أوكد لك أننى لم أكن أتفادى الاجتماع بأى سياسى سودانى. هل يمكنك وصف الشخصيات التالية فى كلمات: - حسن الترابى : شخص يمكنك الاستمتاع بمحاورته وهو مفكر مرن ولا أراه شخصاً متطرفاً يشكل تهديداً على المجتمع الغربى كما يراه الأمريكان . - لام أكول وزير الخارجية آنذاك : أعفينى من الإجابة . - على كرتي : (رد بعد صمت طويل) لم يكن شخصاً مرناً ولكننى أحترمه لأنه شخص يقوم بعمله. - عبدالواحد محمد نور : أنه شخص غريب الأطوار ،ولكنه شخص قوى بفضل ثقة أهله فيه ،وأنصح الحكومة بالتحدث معه لضمان الوصول لسلام مستدام فى إقليم دارفور ،ففى مفاوضات أبوجا لم يكن المجتمع الدولى، متمثلاً فى أمريكا وبريطانيا ، يرغب فى انضمامه لاتفاقية السلام، وقد استفزه هذا الموقف وأصبح يلوذ منذ ذلك الوقت بالبعد عن المفاوضات ، وأعتقد أننى لو كنت ما أزال ممسكاً بالملف لأقنعته بالجلوس على طاولة المفاوضات. - خليل إبراهيم : (رد بضحك) إنه أسطورة كتمثال أبى الهول يستحيل فهمه، وقد تحدثت معه عدة مرات ولكنه قليل الكلام مما يصعب معه فهم مواقفه، وهو يختلف عن عبدالواحد الذى يكثر من الكلام، فلكل واحد منهما تكتيكه الخاص به وأنا أحترم ذلك. - منى أركو مناوى : كان هدفه نبيلاً ولكنه وقع خطأ بتوقيعه على اتفاقية أبوجا دون التنسيق مع عبدالواحد محمد نور، فقد كان قصير النظر وتم استغلاله من قبل الحكومة فدخل فى حرب مع عبدالواحد فخسرا معاً، وهو معذور فالحكومة السودانية قوية استطاعت شق صف المجتمع الدولى بدبلوماسيتها ويقينى أن أى حرب فى السودان لا يمكن كسبها عسكرياً من قبل الحكومة أو المتمردين، والطريقة الوحيدة لكسبها عن طريق المفاوضات السياسية . نقلا عن صحيفة السوداني السودانية 17/10/2010م