خلّفت زوبعة صبيحة الاثنين الماضي التي جرت أمام ساحة البرلمان السوداني آثاراً سالبة إن دلّت انما تدل على بؤس المستقبل الذي يتطلع إليه السودانيون من خلال لهثهم وانتظارهم الذي طال للممارسة الديمقراطية الحقة، فالسودانيون الذين عُرفوا بعشقهم اللا محدود للحريات والديمقراطية سبق وأن صدموا لمرات عديدة متتالية جراء الممارسة الخاطئة لهذه الحريات والتي كانت تفضي وأفضت باستمرار الى ضياعها تماماً، وأولى هذه الآثار السالبة لحادثة الإثنين البرلمانية، فجيعة كل المراقبين والقطاع المستنير من السودانيين في قواهم السياسية والحزبية، اذ أن من ألف باء السياسة وأبجدياتها الالتزام بقواعد اللعبة وترسيخ معاني احترام القانون، اذ أن هذه القوى السياسية المعارضة – اتفقنا أو اختلفنا معها – تعلم علم اليقين استحالة ممارسة عملية ديمقراطية والتمتع بحريات بدون الاحتكام والاستناد الى قانون، لا أحد منهم لا يعلم بهذه الحقيقة وارتضوها جميعاً، ومع ذلك لم يجدوا حرجاً في إثارة زوبعة لم يكن من داع لها، فليست تلك بطولة، أن يتباهى أحد بأنه يستطيع تحريك الشارع ضد سلطة هو جزء منها، متخطياً القوانين والقواعد لمجرد إظهار رجولته وانه قادر على فعل المستحيل فإن كان الأمر أمر اختبار وامتحان لمدى ايمان السلطة الحاكمة بالديمقراطية، فلحسن حظ السلطة الحاكمة، فإن الذين نظموا التظاهرة منحوها صكاً على بياض بعدم التزامهم بالقانون وسهلوا لها الامتحان، وان كان الامر أمر استثارة للجماهير، وتحريكها للاستفادة من ذلك في الاستحقاق الانتخابي فإن الجماهير دون شك لها وعي وحس سياسي ولم تكن في حاجة لمن يثير لها الفوضى بحجة ممارسة الحرية وللأسف الشديد فإن الجميع أدرك أنه لو أن الممارسة الديمقراطية المرتقبة ستسير على ذات هذا النهج الفوضوي، المتعري من ملابس القانون والمتبرّج من أي احتشام وطني، فإن هذه ديمقراطية الأفضل منها أي واقع آخر. ومن جهة ثانية، فإن المشهد – ولسوء حظ منظمي التظاهرة – إنقلب ضد المتظاهرين الذين تحدثوا بهواتفهم – وبراحة تامة وصوت يدل على راحة ومعنويات عالية الى الفضائيات الخارجية مما أعطى انطباعاً راسخاً أن الاعتقال في السودان (راحة تامة)، ونزول في فندق سياسي خمسة نجوم، يجوز فيه للمعتقل الحديث للفضائيات ضد من يعتقلونه! وقد خان ذكاء المتظاهرين أنهم بهذا الأسلوب أعطوا السلطات السودانية حقاً إضافياً كان مسلوباً منها لعقود وهو أنها تحترم فعلاً لا قولاً حقوق المقبوض عليه وتعامله معاملة جيدة وفي ذات الوقت تطبق القانون حتى على من يتمتعون بالحصانات البرلمانية وغير البرلمانية مما يهدم ما كان يعوّل عليه قادة التظاهرة تماماً. ومن جهة ثالثة، فإن قادة التظاهرة فشلوا في إبانة التزامهم بالقانون، والمواطن السوداني كان في انتظار سماع أي واحد منهم يقنعه – ولو كذباً – أنه سلك الطريقة القانونية الصحيحة للتظاهر ولكنه لم يجد. وهكذا فإن قادة موكب الاثنين البائس وضعوا نقاطاً في خانة السلطة الحاكمة لم تكن تنتظرها، وسلبوا نفسهم في ذات الوقت الهدف من التظاهرة وافتقدوا التعاطف الدولي الذي كانوا يعولون عليه وتلك هي الخيبة في أجل وأسمى معانيها!