فى حوار أجرته صحيفة الشرق الأوسط - الخميس الماضي- قال الموفد الأمريكي الخاص الى السودان الجنرال المتقاعد سكوت غرايشون : ان الالتزام الأمريكي حيال السودان (بعيد الأمد) مرجحاً اختيار الجنوبيين للاستقلال – بنص تعبيره – و لم يقل الانفصال ! و أضاف غرايشن : انه يعتبر الحل المفتاحي للقضايا العالقة هو حل أزمة أبيي، نافياً أى دور لإدارته فى أن يختار الجنوب الاستقلال! و ما من شك أن غرايشون ربما كان يتعامل بطريقة دبلوماسية ، ويحاول مداراة أمور لم ينجح فى مداراتها ، فحديثه عن ما أسماه الاستقلال وأن إدارته لا تقف وراء هذا الخيار على ما فيه من تبني لأطروحات الحركة الشعبية التى يفضل قادتها الحديث عن استقلال الجنوب بدلاً عن انفصاله عن الشمال، فهو ايضاً يتناقض مع مقولته ( الالتزام الأمريكي حيال السودان بعيد الأمد) فالواقع ان هذه العبارة تناقض نفي أي دور لواشنطن فى العمل على فصل الجنوب فالالتزام الطويل الأمد تجاه السودان دون شك ينبني على مصلحة أمريكية لأن واشنطن ليست (منظمة إنسانية خيرية) تغدق الصدقات والهبات على دول العالم. و بوسعنا ان نستشف من خلال مؤشرات عديدة أهم مصالح واشنطن من وراء فصل الجنوب أول هذه المصالح محاربة واشنطن للدين الإسلامي – تحت مزاعم مكافحة الإرهاب – و هو هدف سبق و أن عبر عنه الرئيس الأمريكي السابق (بوش الابن) فى حديثه عن (الحرب الصليبية) و التى قيل وقتها أنها مجرد زلة لسان , فى قوله فى خطاب موثق و منشور بالحرف ( إن الولاياتالمتحدة سوف تسعي لحفظ كرامة الإنسان و ضمان الحريات الدينية فى كل أنحاء العالم من كوبا الى الصين الى جنوب السودان)! إذ من المحتم ان يثور التساؤل هنا حول ماهية الحرب الدينية المطلوب حمايتها فى هذا الخط الطويل من كوبا الى الصين الى جنوب السودان فى ظل ما هو مقطوع به من أنَّ الحرب بين الشمال و الجنوب لم تكن حرباً دينية فى يوم من الأيام. وقد أشار فى هذا الصدد القس (فرانكلين جراهام) وهو من غلاة المتطرفين المسيحيين و له عداء معروف تجاه الدين الإسلامي في مقالة له بضرورة إعادة إنشاء مئات الكنائس التى دمرت فى الحرب الشمالية الجنوبية فى السودان. ثاني المصالح الأمريكية من وراء فصل الجنوب – وهذه معروفة على نطاق واسع للقاصي و الداني- هو الرغبة الأمريكية المحمومة فى وضع يدها بإحكام على النفط الإفريقي . ويقول خبير استراتيجي أمريكي فى هذا المنحي ان واشنطن وكما استطاعت وضع يدها على نفط الشرق الأوسط و أضحت لها قواعد ثابتة فى المنطقة ، فهي تسعي للسيطرة على النفط الإفريقي عبر التواجد العلني الثابت ، ولهذا فهي بدأت فى إنفاذ المشروع العسكري المعروف ( أفركيوم) والذي ستهدف بناء قاعدة عسكرية هدفها إحكام السيطرة على نفط الجنوب ، والمعادن النفيسة الموجودة هناك و فى الوقت نفسه الحد من تغلغل النفوذ الصيني فى افريقيا ، وهو ما عملت ادارة بوش الابن على الإعداد له و التخطيط الجيد لتنفيذه منذ العام 2003 ،لهذا نلاحظ ان 34% تقريباً من الوجود الأجنبي فى السودان - وعلى وجه الخصوص – جنوب السودان يمثله الأمريكيين سواء عبر منظمات طوعية (حوالي 35 منظمة) أو بعض المؤسسات و الصناديق الدولية الاخري . و هكذا يمكن ان نجزم ان الولاياتالمتحدة وبعكس ما تقول وبعكس ما يشير غرايشون إنما تسعي بالفعل لفصل جنوب السودان ، و ان لديها من المصالح الحيوية ما يدفعها الى ذلك ، ولئن كانت الأمور فى إدارة أوباما – قبل أشهر – ليست واضحة فعلي أية حال استطاع العديد من معاوني اوباما ترجيح مصالح واشنطن هذه الموروثة من إدارات سابقة ، أبرزها و أهما إدارة بوش الابن.