ما من شك أن ثمة ما يربط ما بين الإصرار الدولي على قيام استفتاء الجنوب فى موعده (التاسع من يناير 2011) ، وبغض النظر عن أية موجبات للتأجيل أو ضرورات لتجويد العملية، وما بين التحركات الخفية التى تقوم بها محكمة الجنايات الدولية فى العمق الإفريقي لتحريض دول القارة على قفل بابها أمام السودان، وما بين توافد قادة حركات التمرد الدارفوريين الى الجنوب السوداني توطئة لشن هجمات من هناك . هذه المسارات الثلاث مرتبطة ببعضها بما يشبه السلسلة او الحلقة الواحدة ، بحيث يستحيل ألا يلاحظها أحد . هذه السلسلة دون أدني شك هدفها فى خاتمة المطاف إضعاف السلطة المركزية فى السودان إن لم يكن اسقاطها ليس بهدف التغيير فحسب و لكن بهدف إعادة هيكلة الدولة السودانية و السعي لتشطيرها لأجزاء. ولهذا لم تكن محض مصادفة ان يتزامن الحديث عن قيام استفتاء الجنوب فى موعده فى ظل ضغط سبق و أن مورس على القاهرة بشأن عدم مشاركة الرئيس البشير فى القمة الفرانكفونية قبل أشهر لدرجة إصرار الرئيس الفرنسي ساركوزي على نقل القمة الى باريس ، ثم تواصلت الضغوط على كينيا حين استقبلت الرئيس البشير قبل أشهر فى مناسبة انجازها لدستورها الجديد لدرجة التفكير فى معاقبتها ، وقبلها أوعزت المحكمة ليوغندا بمنع مشاركة السودان فى فعاليات القمة الأفريقية التى كان مقرراً عقدها فيها ، ثم جاء الدور على الجماهيرية الليبية التى استجابت للضغوط و اعتذرت للرئيس البشير و ذات الشئ فعلته إفريقيا الوسطي . هذا المسار جري فى ذات الوقت الذى كانت العربات والأسلحة الخاصة بمتمردي دارفور تنقل الى جوبا وأنحاء الجنوب ، و فى الوقت نفسه ما فتئت الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا تقول فى تكرار مثير للملل انه لابد من (تمرير) الاستفتاء فى موعده ، وقد تلاحظ هنا ان القضية ما عادت مجرد إجراء الاستفتاء فى موعده و لكنها تجاوزت ذلك لتصبح ضرورة القبول عن طريق (التمرير) وغض الطرف عن الاستفتاء حتى لو خالف القانون ، كما أشارت بذلك مندوبة واشنطن فى مجلس الأمن السيدة سوزان رايس فى لقاء لها بالسيد رئيس مفوضية الاستفتاء . إذن هذا هو المشهد الماثل بحيث لا يمكن الفصل بين أى مسار من هذه المسارات الثلاثة و لكن بالمقابل فان الذين ينفذون هذه الخطط يتجاهلون ان من شأن هذا الضغط الشديد ان يفجِّر نواة الدولة السودانية، إذ أنَّّ من الصعب أن يتم تكثيف ضغوط كهذه دون ان يرتد قدر هائل من الشظايا على الجميع، وعلى المنطقة بأسرها؛ إذ أن الأمر لا يستدعي كل ذلك، وكان من الممكن ان يتم حل المشاكل المرتبطة بهذه القضايا - وفقاً لنصوص الاتفاقيات- و بمراعاة القانون الدولي وبعيداً عن الضغوط و الخطط الفطيرة التى ضررها على الجميع أكبر من نفعها لواضعيها !