كذبوا حين قالوا إن الاستعمار حزم حقائبه ورحل، وكذبوا أيضاً عندما أوهمونا بأن الدول الضعيفة المستعمرة قد خرجت من تحت عباءة الاستعمار ونالت استقلالها. لا هذا ولا ذاك تحقق، وكل ما في الأمر أن طريقة اللعب تغيرت واحتفظ اللاعبون الأساسيون بمواقعهم التي تمكنهم من اخضاع الفريسة ونهش لحمها وامتصاص دمائها. المشكلة التي تعاني منها ساحل العاج الآن ليست مرتبطة بالانتخابات ومنصب الرئاسة وتدخلات الجيش وانما هي مشكلة أعمق وأكثر خطورة من هذا البعد الهامشي الذي لا يمكن تصنيفه الا على أنه مجرد جزء صغير من أجزاء المشكلة الكبيرة. فساحل العاج التي برزت إلى الواجهة فجأة واحتلت عناوين نشرات الأخبار عانت مثلها مثل بقية الدول الإفريقية من ظلم المستعمر الذي حل بأرضها ونهب خيراتها وساهم بشكل مباشر في تأخرها وجهلها ومن ثم رمى بكل ثقله لضمان بقائها أسيرة لمخططاته وبرامجه الرامية إلى حماية مصالحه وانعاش اقتصاده المستند في الأساس على ثروات القارة الغنية. رفض الرئيس السابق لوران قباقبو التخلي عن السلطة وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات هو جزء من المشكلة، وعدم تمكن الرئيس الجديد الحسن وتارا من تقلد منصبه الشرعي هو جزء آخر من المشكلة يمكن أن يضاف لأجزاء كثيرة من مثل انقسام البلاد إلى شمال وجنوب وأيضاً إلى أعراق مختلفة وقبائل متصارعة وعجز الدولة الغنية منذ الاستقلال حتى الآن عن فصل اقتصادها عن الاقتصاد الفرنسي بجانب التشبع بالثقافة الفرنسية وعدم التحول إلى دولة صناعية منتجة بالرغم من كل الثروات التي تختزنها أرضها. كل هذه الأجزاء وغيرها إذا ما نجحنا في تركيبها على بعضها البعض فاننا سنجد طريق الحل لمشكلة ساحل العاج وبقية الدول الإفريقية التي تعج بالصراعات والحروب والانقلابات والتناحر القبلي المبني على العصبية وعلى التخلف الذي ورثوه من الدول الاستعمارية. فرنسا التي صبغت معظم القارة بلونها وفرضت عليهم لغتها ولسانها لم تكن لترحل من الجنة الإفريقية وتتركها لمن تعتبرهم عبيداً وخدماً لها. فالسياسة الاستعمارية واحدة ولا اختلاف بين أهدافها وان اختلفت جنسية المستعمر. فقباقبو المتمسك بالسلطة هناك هو أحد رجال فرنسا الذي يوجد مثله الكثير في أنحاء القارة الذين من مهامهم صنع المشاكل واشعال الحروب العبثية المسكوت عنها والتي تجد في كثير من الأحيان دعماً رسمياً من قبل المستعمر حيث كان لقصة وصول قباقبو للسلطة في عام 2000م آثار جانبية لم يتحدث عنها أحد ولم يأت على ذكرها بالرغم من خطورتها وأهميتها بالنسبة للحالة الإفريقية العامة التي لاتزال تعاني من البصمة الأوروبية السوداء التي ترفض أن تزول بعد أن تحولت إلى بصمة وراثية تسري في جينات القارة السمراء. لا قيمة عند المستعمر للانسان هناك ولا لمستقبله أو أهمية لحاجاته للعيش بأمان وسلام يمكنانه من قيادة التنمية في تلك الدول المتأخرة التي ستظل نامية ما بقيت فرنسا وأخواتها جاثمة على قلب تلك الدول الموسومة بالفقر بالرغم من ثرائها الفاحش بالخيرات. لا تتعبوا أنفسكم في الحديث عن المطاط والعاج والكاكاو والثروات المعدنية التي تمتلكها القارة لأن في الحديث عن تلك المواضيع أو التفكير فيها اضاعة للوقت واهدارا للجهد. فالقارة الإفريقية محتاجة لعلاج يخلصها من موروثها الاستعماري وكل العراقيل التي تركها الاستعمار داخلها وعلى حدودها وبين أفراد الأسرة الواحدة حيث تعد كل تلك المعوقات قنابل موقوتة معرضة للانفجار في أي لحظة وفي أي مكان من أجل حماية استراتيجية المستعمر الذي نظن انه رحل وترك البلاد لأهلها، ولكن كل تلك الظنون لا تعدو أن تكون مجرد أوهام أو أحلام غير قابلة للتحقيق. المصدر: الوطن القطرية 18/12/2010