لو أن لجنة الحكماء الأفارقة تانّت قليلاً قبل أن تدفع بتقريرها الأخير إلى مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي والخاص بتوصياتها ورؤاها بشأن جرائم حرب دارفور لما كانت النتيجة هي النتيجة التي خلصت اليها الآن والتي تمثلت في طلب إنشاء (قضاء مختلط) أو قضاء هجين على غرار القوات المختلطة أو الهجين المتمثلة كذلك في قوات اليوناميد العاملة في مهمة حفظ السلام في دارفور منذ حوالي عامين. فاللجنة وقبل صدور قراراتها كانت قد بدأت تلوح في الأفق وتفوح فضائح شهود المحكمة الجنائية الدولية عبر مجموعة تصحيح مسار أزمة دارفور التي عقدت أول مؤتمر صحفي لها في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا قبل أسابيع وقبل صدور قرار لجنة الحكماء. وكان المنطق وحسن النظر للأمور يقتضي أن تستوثق اللجنة من ما قاله أعضاء المجموعة وما اذا كانت لديهم وثائق وأدلة دامغة بشأن الأساليب التي مارسها المدعي الجنائي الدولي لتكوين قضية جنائية (من فراغ) في مواجهة مسؤولين سودانيين كبار من بينهم الرئيس السوداني المشير البشير. وقد تأكد صحة ما أوردته المجموعة حين عقدت لقاء ثان لها قالت فيه انها سوف تقدم ما اسمته ((مفاجآت) في قضية دارفور وكيفية جلب الشهود واصطناع الأدلة!! ويكفي حتى الآن أن يكون الشهود الذين جرت الاستعانة بهم يقولون انهم (طُلب منهم) إيراد أرقام مضاعفة وإحصاءات غير صحيحة ووقائع لم تحدث ترهيباً وترغيباً، يكفي ذلك ليثبت أن العدالة الدولية كانت منحرفة منذ بدايتها وكانت النية مبيتة أصلاً لإختلاف قضية بأي كيفية وبأي ثمن لملاحقة المسؤولين السودانيين لصالح (أجندات سياسية) ولعل أكثر ما يدعم هذه الفرضية فتور حماس واشنطن كلية عن القضية وخروج تسريبات خرجت مؤخراً عقب إقرار واشنطن لسياساتها الخارجية تجاه السودان تقول أن من بين حوافز واشنطن للخرطوم عدم دعمها للجنائية!، فالذي يطلق عليه حافز هنا ليس سوى إدراك واشنطن في ظل إدارة أوباما أن قضايا جرائم دارفور ليست بريئة ويتداخل فيها الكثير مما هو غير معقول وغير منطقي وهناك شوائب عديدة شابتها يصعب الركون اليها. كل هذه المعطيات المهمة كان من المحتم أن تفيد لجنة الحكماء الأفارقة في تقريرها وتوصياتها، وسوف تجد دعماً في تقريرها من واقع قرار قادة الاتحاد الأفريقي ودول القارة قاطبة بعدم التعاون مع الجنائية الدولية بأي حال من الأحوال لأن التعاون معها يهدد الأمن القومي للقارة، وبالطبع كان بوسع لجنة الحكماء أن ترسخ مفهوم القضاء الوطني، فالأمر ليس مرتبطاً بالسودان وحده وأزمة دارفور وحدها لأن أي أمر أفريقي أو أزمة في دولة أفريقية ستقود إلى هذه النتيجة وتكون اللجنة بقرارها هذا قد أسست لسابقة قضائية تبيح للأجنبي الدخول من (الشباك القضائي) والمساس بالسيادة الوطنية للدول ولا ندري كيف يريد الحكماء إقرار قضاء مختلط مع إقرارهم بأن القضاء السوداني ونظامه القانوني سليم، كما لا ندري كيف ستتم معالجة قضايا دارفور وقد اتضح أنها (مفبركة) وأكدت مجموعة تصحيح الأزمة ذلك؟! فمن أين سيبدأ القضاء الهجين وفيم سيحقق وقد أفسدت الجنائية كل شئ؟!