لنفترض جدلاً أن السودان وافق على إنشاء قضاء هجين ومحاكم مختلطة للتحقيق في جرائم حرب دارفور ومحاكمة مقترفي الجرائم هناك، ما مصير التحقيقات والإجراءات ومن ثم مذكرة الإعتقال والتوقيف التي قامت بها محكمة الجنايات الدولية؟ واذا افترضنا جدلاً أيضاً أن القضاء الأفريقي الهجين سوف (ينسخ) تحقيقات الجنايات الدولية، ويجعلها كأن لم تكن، من أين سيبدأ القضاء الهجين عمله وتحقيقاته وعلى ماذا سوف يستند؟ ان هذه الاسئلة لا تقود الاّ إلى علل ومصاعب جمة وربما تعقيدات ما كان أغنى لجنة الحكماء عنها لو أنها اكتفت فقط بتجربة لجنة للحقيقة والمصالحة على غرار ما جرى في جنوب أفريقيا قبل سنوات، وما من شك أن الرئيس أمبيكي رئيس اللجنة والرئيس السابق بجنوب أفريقيا يعلم هذه الحقيقة. ذلك أن المأساة الحقيقية بشأن ما يشاع عن جرائم حرب دارفور أنها قامت على جملة من المبالغات والأكاذيب، التي استند بعضها على تقارير استخبارية والبعض الآخر على تقارير منظمات (أقرت صراحة بذلك) وبعضها تم تلقينه تلقيناً لشهود استيقظت ضمائرهم أخيراً وقالوا إنهم أجبروا على إيراد وقائع مفبركة ومبالغ فيها. وقائع بهذه الشوائب والمغالطات والمبالغات لا تصلح بأي حال للتداول القضائي، وقد وعدت مجموعة تصحيح أزمة دارفور التي تتشكل من عشرات شهود الجنائية الدولية بما أسمته (مفاجآت) بشأن الكيفية التي على أساسها بنيت قضية الاتهام في جرائم حرب دارفور ومن ثم فإن هذه الوقائع، وبعد مرور كل هذه السنوات وفي ظل غياب المصداقية وتداخل عناصر الزيف لم تعد محلاً للإطمئنان ولا تبعث على الطمأنينة، فكيف سيبدأ القضاء الهجين عمله اذا أجيز من قبل الأطراف المعنية؟ فإن قلنا أنه سوف يتسلّم ملف أوكامبو (بكامله) ومن ثم يبدأ عمله بهذا الملف، فإن هذا الملف لم يعد صالحاً كما أشرنا لما شابه من شبهات وشكوك أثارها الشهود أنفسهم في وسائل الإعلام في ظل المبدأ المتعارف عليه في القانون الجنائي في أي بلد أن (الشك يفسر لصالح المتهم)، وإن قلنا ان القضاء الهجين سوف يبدأ من الصفر، دون الركون الى التحقيقات التي جرت من قبل، فإن الأوضاع قد تغيرت تماماً في دارفور، وجرت مياه كثيرة تحت الجسر كما يقولون. وهكذا فإن تقرير لجنة الحكماء – للأسف الشديد – خلا تماماً من أي مؤشرات أو خارطة طريق معقولة ومناسبة للتعاطي مع الأمر، مما يقتضي أن تجيب اللجنة على هذه التساؤلات بالتفصيل خاصة وأن اللجنة أثارت استغراب المئات من خبراء القانون كونها طرحت (حلاً وسطاً) كهذا في شأن قضائي لا يحتمل الحلول الوسط، إذ لا يعقل أن يتم تقاسم السلطة القضائية السودانية – على هذا النحو – ما بين القضاء الوطني وقضاء أجنبي على كرس وقاعة واحدة لمحاكمة رعايا ومسؤولين سودانيين فالسلطة القضائية في كل الدنيا لا تصلح للقسمة، فهي اما أنها سلطة قضائية مستقلة ومختصة، واما أنها غير ذلك ومن المستحيل أن تقبل باقتسام صلاحياتها مع جهات أخرى فهي ان فعلت تكون قد أتت بسابقة قضائية غير مسبوقة على الإطلاق!!