ترسم القوى السودانية المعارضة هذه الأيام لوحة شائهة بشأن الممارسة الديمقراطية فى السودان ، بل يمكن القول إن القوى السودانية المعارضة فى الواقع – برهانها و ظروفها الحالية التى لم تتغير تماماً عما كانت عليه فى السابق – إنما تعيد تهديد استدامة الديمقراطية فى بلد بدأ ينهض للتو ، ومن المتعيَّن أن يحرص الجميع فى المحافظة على المناخ الديمقراطي السائد فيه . فقد أعلنت القوى السياسية المعارضة أنها سوف تسعي لإسقاط السلطة القائمة ممثلة فى الحزب الوطني الحائز على ثقة الناخبين فى الاستحقاق الانتخابي المعروف الذى جري فى ابريل 2010 . هنا فقط يتجلّي سوء التقدير و الخلط البائن ؛ ذلك أنه و مهما كانت مطاعن هذه القوى المعارضة على نزاهة الاستحقاق الانتخابي - و هو أمر لم يثبت رسمياً حتى الآن - فان احترام نتيجة الاستحقاق الانتخابي أمر ضروري لسلامة اللعبة السياسية بوجه عام و سلامة الملعب السياسي , والمحافظة على مستقبل الممارسة السياسية نفسها . و الغريب أن نتيجة الاستحقاق الانتخابي هذه مرت عليها حتى الآن حوالي تسعة أشهر ، لم تقدم خلالها هذه القوى المعارضة طعناً جاداً للجهات المعنية بالفصل فى الطعون ، و لم تجتهد لإثبات أى تزوير أو خروقات من خلال المؤسسات العدلية القائمة ، بل إن هذه القوى تعاملت مع هذه النتيجة باعتبارها صحيحة بدليل أنها - فى وقت سابق- طلبت من الحزب الوطني تكوين حكومة قومية ! فالطلب هنا و مهما كانت المغالطة بشأنه ، فيه إشارة ضمنية إلى أن الحزب الوطني صاحب شرعية ، ولكن عليه أن يتنازل طوعاً عن شرعيته هذه – نظراً لظروف الانفصال الوشيك – بتكوين حكومة قومية ، وهذا الأمر مستفاد ضمنياً من مطلب هذه القوى المعارضة ؛ و قد كان من الممكن أن يكون موقفها بكامله متسقاً لو أنها ومنذ ظهور نتيجة الاستحقاق الانتخابي نازعت فى النتيجة وأصرّت على رفضها و لم تعترف بها ، لتقدم طلب تشكيل حكومة قومية ، وأنما تبنَّت الإسقاط . ثالثة الأثافي فى هذا الصدد أن بعض هذه القوى المعارضة - فى اتصالات لها مع الحزب الوطني- وافقت مبدئياً على ما طرحه بشأن المشاركة من جانبها فى حكومة قاعدة عريضة ! و قد كشف الحزب الوطني أن أحزاب الاتحادي الديمقراطي المختلفة والأمة رضيت بالمشاركة فى هذه الحكومة العريضة ؛ إذن بصرف النظر عن اى اعتبار فان الحديث عن إسقاط الحكومة – عن طريق عمل معارض غير العملية الانتخابية – هو بالفعل و كما قال بذلك قادة الحزب الوطني بحق، عمل مناهض للقانون و الدستور ، ومن المؤكد انه يسبب اختلالاً أمنياً و يهدد استقرار المناخ الديمقراطي. و الواقع إن هذه بالضبط هى أزمة الممارسة الديمقراطية فى السودان حيث لا تُحسن القوى السياسية اللعب ولا تحافظ على المناخ الديمقراطي ، ولا تنظر إلى المستقبل و ضرورة أن يُفسح المجال للديمقراطية لتتطور و تكتسب قوتها من خلال التجارب ، حتى تصبح الديمقراطية مستدامة . شئ غريب حقاً أن تستجدي هذه القوى الشعب الذى منح الحزب الوطني ثقته قبل أشهر ليخرج الى الشارع و ينتزع السلطة من الوطني و يمنحها لها.. شئ غريب حقاً!