"السودان ليس فى حاجة الى مكافأة من أحد، و لم يكن أصلاً ينتظر مكافأة من أحد حين قرر منح إقليمه الجنوبي حقه فى تقرير مصيره وحرص على إجراء الاستفتاء المقرر منذ العام 2005 فى موعده فى مطلع يناير الحالي". وردت هذه العبارة على لسان مصدر قيادي بالحز ب الوطني فى الخرطوم تعليقاً على تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون من أبو ظبي التى قالت فيها إن شمال السودان قام بعمل شجاع و يتعيَّن أن يُكافأ . والواقع ان الوزيرة الأمريكية درجت باستمرار على إساءة فهم السياسة السودانية و طبيعة أوضاع هذا البلد و طريقة تعاطيه مع الأزمات ؛ فقد سبق وأن صرحت كلينتون قبل أشهر بأن السودان مقبل على انفجار ، و وصفت استفتاء تقرير مصير الجنوب و تداعياته بأنها قنبلة موقوتة . كان ذلك الوصف أبعد ما يكون عن الواقع لأن الاستفتاء هو آخر بند من بنود اتفاقية السلام الشاملة الموقعة فى 2005 و التى جري استيفاء كافة بنودها ، حيث لم يكن بحوزة الوزيرة الأمريكية دليل واحد على أن هنالك بنود فى الاتفاقية لم تنفذ ، أو قام بخرقها الوطني ، كما أن الوزيرة بدت غير مدركة الى ان تقرير مصير الجنوب استحقاق سياسي مُعترف به من قبل كافة القوى السياسية السودانية، وأن الحزب الوطني يفتخر بأنه هو الذى أشرف علي تنفيذه كحل نهائي لأزمة سودانية ظلت تلازم البلاد لما يجاوز النصف قرن و لم تنجح معها كافة الحلول التى جربتها مختلف الأنظمة و الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال فى العام 1956. لقد كانت كلينتون تتحدث بلسان (غير دبلوماسي البتة) و كشفت حينها عن جهل بطبيعة الموقف و إستراتيجية الفراغ من اتفاقية السلام. وهاهي كلينتون فى فى ذات السياق الخاطئ ، وذات التعبير غير الدبلوماسي تطالب بمكافأة السودان ! إذ على الرغم من أن القضايا السياسية لا تتخذ طابعاً عاطفياً أو إنسانياً باعتبار ان السياسة حسابات و مصالح، إلاّ أن ما أنجزه السودان حيال الاستفتاء هو فى الواقع من صميم طبيعة السياسة ، حيث لا يعرف العنف و التنكر للعهود طريقه فى الممارسة السياسية السودانية، و قد نسيت كلينتون الاستحقاق الانتخابي الذى كانت العديد من الجهات الدولية تراهن على فشله و وقوع مواجهات فيه و لكنه مرَّ بسلام و سلاسة ولم يحدث شئ ، وليس من الغريب أن يتم استحقاق الاستفتاء على ذات الشاكلة . الأمر الغريب بشأن (مكافأة كلينتون) ان السودان لا يحتاج الى مكافأة حتي من واشنطن الظالمة له منذ عقود ، وهو فى حاجة الى إنصاف عادل لقضاياه العادلة برفع أسمه الموضوع ظلماً فى قائمة الدول الداعمة للإرهاب - رغم كل ما قدمه من دعم لمكافحة هذا الإرهاب - ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه بذات منهج الظلم الأمريكي و رفع (اليد الأمريكية) المخربة عنه ليسير فى مسيرته . إن الوزيرة الأمريكية مخطئة بنسبة مائة بالمائة إن هى اعتقدت ان السودانيين (بكل هذه السذاجة) التى تجعلهم يفرحون بمكافآت أمريكية هى فى الأصل حقوق طبيعية تغولت عليها واشنطن ، فالأمر هنا أشبه بمن يضع يده فى محفظتك ويسرقها ، ثم ما يلبث أن يعود فى يوم آخر ويقدمها لك كمكافأة !