تحليل سياسي على الرغم من المخاوف التى يبديها العديد من المراقبين للتطورات المحتملة بأن كيفية معالجة ما بات يعرف بالقضايا العالقة بين الشمال والجنوب ( الحدود/ الجنسية /الديون و أبيي) و غيرها مما لم يتسن البت فيه قبل إجراء الاستفتاء ، إلا أن من المؤكد أن إرجاء مناقشة هذه القضايا الى ما بعد ظهور نتيجة الاستفتاء لا يبدو أمراً سيئاً . فمن جهة أولي فان التفاوض بين الطرفين فى ظل وضوح الرؤية بعد أن تثبت مآلات الأوضاع و يتم التأكد من مصير الجنوب ، يصبح أمراً سهلاً ليس فيه افتراضات ، او احتمالات لا تصلح للتعاطي السياسي . و لعل الحركة الشعبية التى كانت تستبطن فرضية الانفصال و تخيفها و تداري عليها ، كانت تتلكأ فى حسم القضايا العالقة لحاجتها الى مناقشة مبنية على فرضية واضحة من جهة ، ومحاولة مقايضة قضايا مهمة من وجهة نظرها من جهة أخري ، لهذا حرصت على مماطلة شريكها فى معاجلة هذه القضايا قبل الاستفتاء. من جهة ثانية فان ذهن الحركة الشعبية و هى مشدوهة نحو قيام الاستفتاء فى مواعيده لم يكن بحال من الأحوال صافياً ، فهي كانت منشغلة – إنشغالاً لا ضرورة و لا مبرر له – بمواعيد الاستفتاء و لم تكن حينها تسمع او تفهم أو تعي شيئاً مما يجري النقاش حوله . من جهة ثالثة ، فان الحركة الشعبية عقب معرفة النتيجة – التى باتت بالفعل راجحة و هي الانفصال- سوف تصبح (أكثر واقعية) فى مناقشة هذه القضايا خاصة بعد أن تدرك انها أصبحت واقعياً مسئولة عن دولة تواجه مصاعب و ربما مصائب جمة و تحديات لم تجربها فى تاريخها ، وعليها أن تتحلي بالواقعية و المرونة لمواجهتها ، فالمحك هنا فى تراجع عنصر المبالغة والإشتطاط لدي الحركة الذى ظل سمة مميزة لها فى الفترة السابقة كونها تتصور ان هنالك قوي عظمي تدعمها و ستسهم فى إنشاء دولتها المرتقبة. وسوف تتأكد الحركة – عقب انفضاض الابتهاج و الفرح – ان عليها الاعتماد على قدراتها المحدودة فى معالجة قضايا الدولة الوليدة ، وان خير معين لها إن كان لها من معين فهي الدولة السودانية الأم التى خرجت من رحمها للتوّ. و هكذا ؛ فان من حسن حظ الظروف أن يتم النقاش حول هذه القضايا فى مناخ واقعي تتحمل فيه الحركة الشعبية مسئولية دولة بكل ما تحمله هذه المسئولية من مهام جسام لا مجال لترك مهمة أو التقاعس عنها لأن المسرح كله يوجه أنظاره تلقاء أولئك الممثلين الجدد الذين يعتلونه للمرة الأولي ، وعليهم ان يكونوا فى مستوي ما هو ماثل أمامهم !