لا يتصور أي مراقب منصف ان تأجل استفتاء جنوب السودان لمجرد رغبة سياسية لدي طرف من الأطراف ، أو لحاجة فى نفس الحزب الوطني، او بغرض المماطلة والتسويف . هذه أمور يستبعدها غالب المراقبين و ذلك ببساطة لأن الأمر قُدِمت فيه تعهدات قاطعة و أوكل الى مفوضية مستقلة هى موضع رضا الطرفين الوطني و الحركة، وهى مفوضية - بطبيعتها و تكوينها- يستحيل ان تتحرك تلبية لرغبة طرف فى مواجهة طرف آخر ، ولهذا فان السؤال الذى ينبغي طرحه دائماً هو ما إذا كان التأجيل المتحمل يرتكز على أسباب فنية وثيقة الصلة بعملية الاستفتاء نفسها مثل ترسيم الحدود بحيث تكون الدولة الوليدة المحتملة معروفة الحدود كما أكدت ذلك الخبيرة القانونية المعروفة الأستاذة بدرية سليمان مشيرة الى نصوص القانون الدولي التى تحد عناصر الدولة المكونة من أرض و شعب و حكومة ، أو القواعد القانونية المنصوص عليها فى قانون الاستفتاء 2009 و التى تضع جداولاً واجبة الاحترام من حيث مواقيت التسجيل و النشر ،و الطعون والكشف النهائي ، كما أشار بذلك المحامي و البرلماني المعروف محمد الحسن الأمين و الذى أشار ايضاً الى ان مفوضية استفتاء جنوب السودان قد خرقت فى هذا الصدد عدداً من نصوص قانون الاستفتاء بتجاوزها لهذه الجداول الواجبة الإتباع. وهكذا ،فان التأجيل – كأمر طبيعي – عادة ما يتركز على هذه الأسباب و هى دون شك أسباب تتصل بدرجة كبيرة بشفافية و نزاهة الاستفتاء ، حتى تكون النتيجة المترتبة عليه مقبولة و ليست موضع نزاع أو طعن. وعلى ذلك يمكن القول ان كل من يطلق تصريحات سواء من جانب الحركة الشعبية او الولايات لمتحدة بألا تأجيل للاستفتاء إلا لأسباب فنية، إنما يفعل ذلك من باب المزايدة السياسية فقط لا غير لأنهم علي يقين ان هذه هى الأسباب الوحيدة الطبيعية التى يمكن تأجيل الاستفتاء بسببها، و نود ان نشير هنا الى ان المأزق الذى دخلت فيه واشنطن و فى معيتها الحركة الشعبية هما أنهما ظلا يهددان – دون مقتضي – بقيام الاستفتاء فى موعده وهما على علم تام ان هناك أسباب فنية واضحة من شأنها تأجيل هذا الاستفتاء ، بمعني آخر فان انسياق الحركة و واشنطن وراء الإصرار على موعد الاستفتاء كان مصحوباً بشعور خفي داخلي لديهما أن إصرارهما هذا غير واقعي و من الممكن ان يصطدم الأمر بصخرة الأسباب الفنية فى اى لحظة و على ذلك يمكن القول ان تأجيل الاستفتاء – سواء جري حسم القضايا العالقة او التراضي حولها أم لا – يظل فرضية طبيعية مفترضة شأنها شأن أى أمر آخر معرَّض للتأجيل لأسباب قاهرة، ففي الشأن السياسي ليست هناك مواعيد مقدسة طالما أن الأمور تخضع للظروف و الطوارئ و الملابسات !