الأنباء التي جاءت من النيل الأزرق عن رفض الجيش الشعبي إجراء المشورة الشعبية في الكرمك كيف يفسر هذا؟ منذ وقت طويل ومن خلال الدراسات والمنتديات كان الجميع متخوف من الدور السلبي المتوقع من الجيش الشعبي في المشورة الشعبية وتهديده المستمر لمخرجاتها.. ولكن ذلك أمرٌ متوقع نظراً للتركيبة (والتكوين الهش) والتعبئة الخاطئة للجيش الشعبي في المشورة، وماذا يريد منها بالضبط وإذا كان الأمر أن المشورة هي مدخل لاختطاف القضية برمتها، وإشعال الحرائق وعدم الرضا بنتائجها.. فهو أمر سخيف فأين هنا دور الحركة الشعبية هل الجيش الشعبي بدون قيادة وهل يتصرف من تلقاء نفسه أم أنه يتبع لقيادة محددة وهل تم هذا الأمر بإيعاز من مالك عقار الوالي نفسه أم عبر توزيع أدوار وإخراج أخذنا تماماً فيه الدرس من التوزيع المحكم للأدوار في الجنوب.. والتعامل الموضوعي ينبغي أن يكون بعقلانية وتروي مع الأوضاع بعيداً عن الحسابات الخاطئة.. والظاهرية فقط طالما أنهم يضمرون شيئاً خطيراً، والمشورة كلها كما نعلم لا تخرج عن دائرة تفاصيل المشورة برغم عيوبه والتفسيرات الخاطئة. والتعبئة السالبة بتحشيد واستنهاض أبناء تلك المناطق بصورة مريبة، ومتجاوزة للمشورة.. في النيل الأزرق سمعت المشورة لنهاياتها كما بدأت منذ تشكيل المجلس التشريعي جهة الاختصاص الأولى بهذه العملية الذي يدير أمرها.. ولقد تابعت مراحل تكوين المفوضية والآليات الكثيرة السياسية التي تتناغم مع عمل المفوضية من رؤى سياسية واتفاقات وبناء توحد واصطفاف سياسي عريض لن القوى السياسية بالولاية بما فيها المؤتمر الشعبي والشيوعي والأمة القومي وكل القوى السياسية بالولاية. إن التغيير لسلوك الجيش الشعبي ذلك يعني التجاوز والتصادم وهو معبأ لدور كهذا وبادر به في وقت مبكر ما يؤكد النية المبكرة لتطوير العملية لحركة احتجاج وربما توليد (عنف جديد). وما تصريحات مالك عقار.. وأنه قد يتجاوز الحركة الشعبية إلا جزء من سيناريو معد أصلاً لبناء اعتقادات جديدة وذهنية ماكرة تحاول الخداع بوقوع تباين أو مفاصلة بين مالك عقار والحركة الشعبية في دولة الجنوب لتحذير الناس من أي سلوك سيء قادم بدأت تفاصيله بالاعتراض على إجراء المشورة الشعبية. من يملك القرار بإجراء المشورة علماً بأن أي اعتراض للحركة الشعبية ينبغي أن يأتي عبر الآليات المتفق عليها بين الطرفين وقد أجرينا حواراً قبل فترة مع رئيس المؤتمر الوطني بالنيل الأزرق الأستاذ عبد الرحمن أبو مدين كشف فيه عن جملة من التعاون المشترك بين الطرفين سواءً في لجان مشتركة أو آليات أخرى من شأنها أن تمتص أي توتر وإزالة أي احتقان. إن المشورة الشعبية التي بدأت منذ تكوين مفوضية الولاية برئاسة قيادي من المؤتمر الوطني وشكلت آلياتها عبر الحوار في الولاية، بدأت في مرحلة عملية متقدمة لتجاوز الإشكالات كافة عبر روح من التكامل عالية نوعاً ما، لم ولن ينقص عليها إلا وجود الجيش الشعبي المتوتر جداً، والمفزوع من انفصال الجنوب، والذي يمكن أن يمارس أي أشكال من العنف. إن بعض التفسيرات التي وردت إلينا من النيل الأزرق حول حادثة منع الجيش الشعبي في الكرمك أنها تمت في مركزين فقط وإن هذا الأمر ألقى بظلال سيئة ولكن لا يؤثر على العملية بكاملها. إن الإنجاز تم في الأماكن الأخرى بصورة تامة دون تدخل من قبل الجيش الشعبي، وإن الذين اعترضوا الفريق المفوض لأخذ آراء مواطني المركزين من الجيش الشعبي أبدوا درجة عالية من (التفلت) لدرجة أن أحد الذين اعترضوا على اللجان التي تأخذ الرأي كتب لهم أنه لا يسمح للحكومة ولا الحركة الشعبية بإجراء المشورة. التفاسير كثيرة للأمر ولكن السياسي الذي يأخذ بالظاهر تبدو له الصورة غير مكتملة عملية الاعتراض بالسلاح لم يكن متوقعاً أن تحدث الآن في هذا التوقيت ربما كان الأمر يتوقع أن يحدث في مرحلة لاحقة اعتراضاً على نتائج الاستفتاء أما الاعتراض على الإجراء للاستفتاء لعله كان اختياراً لرد فعل المؤتمر الوطني، للجدال حول مسائل محددة ربما لتحسين الموقف السياسي والتفاوضي ولتمرير ما يريدونه عبر المفوضية التي عينها المجلس التشريعي للولاية الذي يمتلك فيه المؤتمر الوطني الأغلبية ب29 مقعداً مقابل 19 مقعداً للحركة الشعبية. إن السيناريوهات التي ترسمها الحركة الشعبية للمشورة الشعبية ومحاولة استغلال الأمر في التعبئة السالبة أمر رصد من قبل في أكثر من موقع حيث تبدي الحركة درجة من التعاطف غير العقلاني مع الأمر لخلق تدافع سالب يشكل نواة للتوتر المنتظر. إن المشورة الشعبية عملية بسيطة يراد منها التطوير وإزالة أي رأي عام غالب حول قبول الناس بما نالوه من مكتسبات لمنع وإزالة أسباب التمرد الذي كان البعض جزءاً. غالبية المؤتمر الوطني أدارها في المجلس التشريعي من خلال سياسية مرنة وروح توافقية لاستخلاص نتائج تشكل رصيداً إيجابياً لمصلحة الجميع بإزالة أسباب النزاع والتوتر. وإن ظل الجيش الشعبي بتواجد وانتشاره الخاطئ في تلك المناطق يشكل أداة سالبة تتطلب حسماً سريعاً كما أن التأخير الذي أدى إلى إجراء المشورة بعد الاستفتاء ألقى بظلاله، وينبغي أن تدار العملية بكثير من التروي والحكمة وتجاوز المطبات وتوفيق الأوضاع والمهددات الأمنية وفقاً لأن الأمر يحكمه قانون ودستور وأي تجاوز سواءً بالاعتراض ومنع المشورة ينبغي أن يحكم بالقانون والدستور والمفوضية لأن النار دائماً من مستصغر الشرر، تنفيذ القانون هو ما يمنع إنتاج قانون الغاب، وبناء روح متمردة جديدة القانون ينبغي أن يكون فوق الجميع وأي اعتراض ينبغي أن يحسم بالقانون والذي أجيز بموافقة الحركة إن لم يكن بتخطيطها ومبادرتها فيه كما نعلم. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 23/1/2011م