على الرغم من ان عبارة المشورة الشعبية الواردة ضمن بنود اتفاقية نيفاشا 2005 و المخصصة – على وجه الخصوص – لولايتي النيل الأزرق و جنوب كردفان لم تحظ بالتناول و التفسير القانوني و السياسي طوال السنوات الست الماضية، بحيث بدت كأمر مبهم بعض الشئ لدي العامة و المستنيرين فى السودان، إلاّ أن ذلك كله لا يمكن أن يقود الى التفسير الذي فسره البعض فى ولاية النيل الأزرق والذى وصل لدرجة المطالبة بحكم ذاتي . ولعل مما يؤسف له غاية الأسف فى هذا الصدد أن والي النيل الأزرق مالك عقار كان فى مقدمة من طالبوا بهذا الحكم الذاتي للنيل الأزرق فى إطار هذه المشورة الشعبية. و بالطيع لا أحد يعلم ما هي (مواصفات) هذا الحكم الذاتي المطلوب و لكن لم يكن من أحد يتوقع ان يصل فهم المشورة الشعبية الى هذه الدرجة البعيدة كل البعد عن حقائق الواقع. و المشورة الشعبية فى الواقع إن هى إلاّ آلية سياسية جري التوافق عليها فى نيفاشا ضمن بنود اتفاق السلام الشامل الغرض منها تسوية موقف ولايتيّ النيل الأزرق و جنوب كردفان باعتبارهما منطقتين عملتا ضمن إطار الفعل العسكري للحركة الشعبية ، ومن ثم ارتبطت بالحركة وليس الجنوب السوداني ، فالولايتين تقعان داخل حدود الشمال. و تتمثل مطلوبات هذه الآلية فى أن يتم التأكد من ان اتفاقية السلام الشامل – فيما يخص هاتين الولايتين – وعقب انقضاء الفترة الانتقالية – قد تم استيفاء كافة بنودها ، لهذا يجري التشاور مع سكان المنطقتين فيما إذا كان ما تم انجازه و إنفاذه كافٍ بالنسبة لهما أم أن هنالك مواطن قصور و نقص يستلزم التشاور حولها ؟ و تنص بنود المشورة الشعبية على انه فى حال وجود نقص او اختلال فى أي أمر يخص المنطقتين فان تفاوضاً يجري بشأن كيفية معالجة هذا النقص او الاختلال . بهذا يُفهم من سياق عام هذه المشورة ضرورة التركيز على قضايا واقعية حقيقية تخص أهل الولايتين تستلزم قيام المركز بمعالجتها لحل مشاكل الولايتين و بالطبع يجري كل ذلك فى إطار وسياق الشكل الهيكلي للسودان الشمالي و فى طار وحدة الشمال, و من ثم فان مجرد التفكير خارج هذا السياق يعتبر مخالفاً لمقتضي المشورة ، ومن البديهي أنه لو كان الحق فى هذه المشورة يصل الى حق تقرير المصير أو طلب مآل جديد ، لما كانت هنالك حاجة لإطلاق مسمي مشورة شعبية، إذ كان الأوفق تسميتها تقرير مصير لتكون واضحة تماماً . و على ذلك فان الذين سارعوا بالمطالبة بحكم ذاتي تجاوزوا دون أدني شك مقتضيات هذه المشورة بجانب ان ما يقولون بأنه حكم ذاتي منحهم إياه الحكم الفدرالي المطبق فى السودان منذ سنوات ، حيث أن والي النيل الأزرق و مجلسه التشريعي جاء عن طريق الانتخاب الشعبي و للولايات فى النظام السياسي السوداني الحالي سلطات خاصة ضمن إطار سلطات الدولة المركزية الموحدة ، بما يجعل من اى مطالبة جديدة مجرد محاولة للإلتفاف على هذه المشورة الشعبية !