ما من شك أن الأحداث التي تمر بالبلاد تتكشف يوماً بعد يوم بأن هناك أيادي خفية تسعى لتأجيج الصراع بين الشمال والجنوب، والكل يعلم أن أجهزة المخابرات الاستعمارية قامت بعمليات قذرة كثيرة في دول العالم الثالث وأمريكا اللاتينية وأطاحت حكومات وصنعت اضطرابات وقامت باغتيالات وأشعلت مظاهرات وخططت لإنقلابات وزعزعة الاستقرار في كثير من الدول، كل ذلك لتكون المحصلة النهائية لأهدافها كل هذا العمل تقوم به بواسطة عملائها سواء كانوا من سكان نفس البلد أو عملائهم الأصليين. عملياتها تكون في منتهى السرية لكن أصابع الاتهام تلاحقها حتى ولو تم تدوين البلاغ ضد مجهول طالما أن هناك الغاية تبرر الوسيلة وطبعاً في موضوع السودان الغاية هي الإسلام والوسيلة هي الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. من السذاجة أن يقول البعض إن ما تقوم به أمريكا من تأييد لانفصال الجنوب هو مجرد تنفيذ للاتفاقية المبرمة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني لتقرير المصير وإنها أعطت الضوء الأخضر للانفصال بواسطة وزيرة خارجيتها قبل مدة كافية من الاستفتاء بأن الانفصال حتمي لتتحرك الحركة الشعبية بعد هذا التصريح ليعلن رئيسها بعد حضوره من أمريكا بأنه مع الانفصال. أثبت تسلسل الأحداث أن الامريكان أعطوا الحركة الدعم وتأييد الانفصال قبل وبعد اتفاقية السلام على أن تعمل الحركة الشعبية طيلة الفترة الانتقالية وتجهز الأرضية الخصبة لهذا الاتجاه، وأثبتت الحركة طيلة الفترة الانتقالية وبالممارسة أنها عملت لهذا الهدف لجعل الانفصال هو الجاذب، وقد أتقنت وتفننت الحركة الشعبية في الإخراج مما جعل الامريكان يقدمون المكافأة على لسان وزير الخارجية حتى قبل موعد الاستفتاء بشهور بأن الانفصال حتمي. ماذا تريد امريكا بالضبط؟ وجدت امريكا في السودان الأرضية الخصبة والخلفية المساعدة في برامجها لمحاربة الاسلام ولا يخفى على أحد بعد أحداث سبتمبر في امريكا جن جنون الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن «سيء الذكر» وقام بإرسال نائبه ديك تشني للشرق الأوسط لكسب التأييد من بعض الدول العربية لشن حرب على العراق، وظهرت وقتها مقولة الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة والعمليات القذرة إلخ، وقاموا بتأجيج نيران الفتنة بين العراق والكويت، وادعوا ان العراق يحتضن القاعدة والسلاح النووي والخ، لتكون ذريعة لهم لشن حربهم، وهو ما يحدث لإيران اليوم أيضاً، أما السودان فبدأت مشواره قبل وبعد اتفاقية السلام بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، وبدأت بتدريب جيش الحركة وتسليحه وعملت أجهزتها بكفاءة عالية طيلة الفترة الانتقالية في عمليات شراء الاسلحة وادخالها للجنوب مستخدمة مع أجهزة دول أخرى كما نشرت الصحف وليس هذا سرًا، ولعبت الأجهزة الاستخبارية أدواراً كثيرة في هذه الفترة. الأمور مرتبة ترتيبًا دقيقًا وبتنسيق، فمثلاً موضوع ترسيم الحدود واللجنة المكلفة بذلك من أعضاء الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، وكما ذكر رئيس اللجنة في مقابلة صحفية عندما تم سؤاله: لماذا هذا التأخير في عمل اللجنة؟ أجاب أنهم كلما قطعوا شوطاً يتوقف العمل بسبب غياب أعضاء اللجنة من الحركة الشعبية أو إخراج أحد أعضاء اللجنة ليأتوا بآخر وبخطط جديدة ليبدأوا من الصفر مرة أخرى وهكذا كل هذا بتخطيط ذكي، وكذلك موضوع أبيي السؤال الذي يطرح نفسه الآن وخاصة بعدما سمعنا في الايام القليلة الماضية زيارة أعضاء مجلس الأمن وموضوع قوات حفظ السلام ومناطق عازلة بين الشمال والجنوب: هل كل ذلك أعني موضوع المماطلة في ترسيم الحدود وموضوع أبيي والقضايا العالقة وزيارة أعضاء مجلس الأمن والتصريحات الأخيرة: هل كل ذلك ماتريده أمريكا ولماذا؟ طبعاً لا يختلف اثنان أن هذه التمهيدات تصب في خانة حرب أهلية وليس في خانة انفصال وما ادراك ما انفصال ليرجع السودان بشماله وجنوبه مائة عام للوراء كما قال أحد الساسة. نقلاً عن صحيفة الانتباهة 31/1/2011م