ما إن أطلق نائب الرئيس علي عثمان محمد طه، مصطلح الجمهورية الثانية من عقاله أول أمس في مؤتمره الصحفي بقاعة الصداقة، حتى تلقفه بعض المسؤولين والوزراء في الدولة وبدأوا يلوكونه ويمضغونه مضغاً بطريقة سيئة كأنهم بعد طول بحث وتنقيب وجدوا سلماً للسماء أو عرفوا سر الذرة وشاهدوا الضوء في آخر النفق السياسي ولامسوا أجنحة الملائكة... دون أن يقف الناس على استحقاق هذا المصطلح في مدلولاته الحقيقية وتجلياته المتوقعة والممكنة، ركبوا موجته كأنه موضة جديدة لابد لها من عاشقين، وما درى الناس أنه كمصطلح ومفهوم سياسي له تبعات ليست هينة وعميقة تضرب الأفكار الرئيسية التي يقوم عليها عصب الدولة، ولا تأتي الجمهورية الثانية كما حدث في فرنسا في عهد الملك لويس فليب أو الجمهوريات التي أعقبتها حتى الجمهورية الخامسة في عهد شارل ديغول في بداية ستينيات القرن العشرين، طاوية صفحة قديمة بكل ما فيها من أطر وأشكال وأسس نظام الحكم وهياكله وابتداع نهج جديد مغاير لما كان سائداً، وتكوين نقطة فارقة تجُب ما قبلها، وتخرج الدولة التي تعلن جمهورية ثانية أو عاشرة على أنقاض القديم مع المحافظة كما يقولون على المحتوى الرمزي لما قد مضى وسبق. من الناحية النظرية واللفظية يمكن ابتداع هذا المصطلح لوجود بيئة ملائمة تنمو فيها مثل هذه التحولات الكبيرة وتسميتها كيفما اتفق صُناع الفعل السياسي، لكن المطلوب منهم أن يعطوا شروحاً للمتن الذي يعلنون عنه، فالذي طرحه نائب الرئيس من فكرة وإشارة للجمهورية الثانية تحتاج لتفسيرات لمرتكزاتها ومرجعياتها وأفكارها الرئيسية مثلما تحتاج منه هذه القفزة النوعية لمرافعة طويلة جداً عن البلى والقدم والاهتراء الذي أصاب الجمهورية الأولى التي انتهت في فبراير 2011م، والحاجة لمرافعة مثل هذه من رجل دولة وقانون وسياسي مثل علي عثمان محمد طه ضرورية حتى تغرد كل الطيور مع أسرابها دون خروج من النص! الذي نلحظه أن بعض المسؤولين رددوا هذه الفكرة والمصطلح دون التمهل لقراءة ومعرفة مطلوب ومقصود ما تعنيه الجمهورية الثانية التي ستكشط حسب التعريف والتوصيف القديم دون أن تعطي الإحساس أن الكشط كان بواسطة الساطور وليس مبضع ومشرط الجراح... وتعني الفكرة من أساسها أن إصلاحات سياسية عميقة وجراحات دقيقة ستُجرى في هيكل الدولة ومؤسساتها ومفاهيمها وبرامجها وتوجهاتها، والغريب أن المفاهيم والقواعد السياسية والفكرية وليست المحتويات الدستورية والقانونية التي تتلازم مع إعلان الجمهورية الثانية في أي بلد، من مقتضياتها التغيير الكامل، ففي تركيا مثلاً عندما حدث تحول كبير ومفصلي بوصول عبد الله غل إلى قمة هرم السلطة في الدولة التركية بعد فوز حزب العدالة في الانتخابات في 2006م، انشغلت كل الأوساط السياسية والفكرية العلمانية في تركيا وغيرها بتفسير حدث رمزي صغير وهو حجاب السيدة الأولى «خير النساء» زوجة عبد الله غل وصلاتها وهي تسكن القصر الرئاسي، بأنه أول ملامح الجمهورية الثانية في تركيا، والقيم الإسلامية الجديدة تغلبت على القيم العلمانية التي كانت تحرم الحجاب حتى لتلميذات المدارس، وذلك يعني أن القيم تتغير مع إعلان أي جمهورية جديدة كما تتغير التوجهات والبرامج السياسية والشعارات التي تطلقها منصات الجمهورية الثانية الجديدة. ولربما لا يكون السيد نائب الرئيس علي عثمان قد قصد بالجمهورية الثانية، كل ما تقتضيه وتحتويه من خصائص وتعريفات لمفهومها العام كمصطلح وتوجه سياسي، لأن إطلاقه للمصطلح من عقاله، يعني أن تترافق تحولات اجتماعية وقيم مجتمعية مع التحولات السياسية الكبرى التي تجري الآن في السودان بانفصال الجنوب ونشوء بلدين في المساحة الجغرافية التي كانت تسمى بالسودان. وتذكر هذه التوليدات لمصطلحات وأفكار بمقالة جديرة بالقراءة كتبها الدكتور حسن عابدين في صحيفة الصحافة الغراء قبل ثلاثة أسابيع في ذات الاتجاه وتعطي فكرة شاملة عن الدعوة للجمهورية الثانية وماذا تعني، ونرجو أن لا يتعجل بعض المسؤولين في ترديد ما طرحه نائب الرئيس في مؤتمره الصحفي دون تحدد مرتكزات ومضامين هذه الجمهورية الجديدة. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 2/2/2011م