نفت الحكومة البريطانية رسمياً ما سبق أن أورده مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو بشأن وجود حساب بملايين الدولارات للرئيس السوداني المشير البشير فى أحد البنوك البريطانية و هو بنك ( بنك لويدز ) ، وقالت الحكومة البريطانية أنها سوف تشرع فى مقاضاة أوكامبو لما سببه للبنك و الحكومة البريطانية من بلبلة و إشانة سمعة . وإذا ما قاضت الحكومة البريطانية مدعي عام المحكمة – و هذا ما سوف يحدث بالفعل وفقاً لمتابعات (سفاري) من العاصمة البريطانية لندن – فان المدعي العام للمحكمة فى الواقع سوف يجد نفسه فى موقف حرج و غير مسبوق ، وذلك من عدة نواحٍ ، تأتي فى مقدمتها أن هذه ليست هى المرة الاولي التى يواجه فيها أوكامبو إتهاماً يتصل بالشرف و الأمانة و هو فى منصبه ، فقبل سنوات قلائل ، تمت مقاضاته بشأن تحرشه بفتاة تعمل فى مكتبه و نظراً لخطورة الموقف ،فقد تم احتواء الأمر و تم الحكم لأحد أطراف الواقعة (أحد الشهود) بتعويض مالي و تم فصله من العمل بمكتب المدعي العام ، وهى واقعة تم تجاوزها فى ذلك الحين بجهود جبارة بذلتها بعض الأطراف التى كانت وقتها تراهن على ما سوف ينجزه أوكامبو تحقيقاً لأجندتها الخاصة ، ومن شأن وجود اتهام آخر يتصل ايضاً بالشرف و الأمانة يعزز من الحالة التى أشرنا لها ان يفضي الى تكوين رؤية عامة موحدة بأن المدعي العام بات غير قادر على الاتصاف بصفات النزاهة و الاستقامة اللتين تقوم عليهما العناصر الأساسية لصفات من يتولي هذا المنصب العدلي الرفيع دولياً . من ناحية ثانية فان لندن تنظر فى المخاطر الجمة التى ترتب عليها موقف أوكامبو هذا باعتبار ان المعلومات المتعلقة بحسابات العملاء فى البنوك أمر يتصل بمصداقية هذه البنوك و سمعتها، فإذا تم المساس بهذه السمعة المالية فان هذه البنوك عملياً سوف يتهدد وجودها و تصبح موضعاً للشكوك و الهواجس ، ولعل هذه بالذات النقطة الحساسة التى جعلت الحكومة البريطانية تهتم بالواقعة و ترسل خطاباً رسمياً للسلطات السودانية تعتذر فيه عن الموضوع و تنفي نفياً قاطعاً ما أورده اوكامبو. فالقضية هنا مست صميم ما يمكن وصفه الأمن القومي البريطاني و بالتالي من المحتم ان تضع بريطانيا حداً قاطعاً لهذا الأمر أقله – كما أفادنا بذلك مصدر قانوني فى لندن – هو صدور قرار قضائي بعدم صحة ما قاله اوكامبو ، وذلك حتى يصبح هذا القرار القضائي أساساً لإقصاء اوكامبو بعد ما بات الرجل مهدداً للأمن القومي للدول بدلاً من أن يتصف بوقار المنصب و حِيدته. الأمر الأخير ان المدعي العام فقد مصداقيته – و هي فى الواقع أخطر نقطة فى الموضوع – بمعني أنه بات من الصعب -وفقاً للتقاليد الغربية المعروفة- الوثوق بما يقوله اوكامبو ، وهو ما ينزع عنه عملياً الصفة العدلية ، فالرجل و لمرتين ثبت أنه مطعون فى شرفه و مصداقيته و هى مسألة تنشأ معها صعوبة بالغة فى إمكانية قبوله و البقاء فى منصبه على هذه الشاكلة! وعلى أية حالة فان تفاعلات الأزمة و إن بدت غير مرئية الآن ، إلاّ أنها تتفاعل فى صمت ومن المحتم ان تظهر الى السطح فى القريب العاجل !