لزعيم حزب الأمة وإمام طائفة الأنصار ما يطلق عليه أجندة وطنية لتحقيق إجماع وطني قومي تشارك فيه أحزاب وقوى المعارضة مع حزب (المؤتمر الوطني) الحاكم للتعامل مع الظروف الاستثنائية التي تواجه السودان الشمالي لمرحلة ما بعد استفتاء الجنوب وقيام دولة جنوبية مستقلة. ومن أبرز بنود هذه الأجندة مطالبته بالتجاوب مع قرار المحكمة الدولية بتوقيف رئيس الجمهورية السودانية عمر البشير وطلب تسليمه ليمثل أمام المحكمة بشأن قضية دارفور كي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وإبادة. للوفاق الوطني جانبان متداخلان: داخلي وخارجي.. مما يتطلب من كافة القوى السياسية على صعيدي السياسية الخارجية للبلاد في المرحلة المقبلة تنبع من حقائق الأوضاع الداخلية وفي مقدمتها الوضع في دارفور. ومن الحقائق التي لا شك فيها أن السيد الصادق يدركها جيداً الدور الأميركي في إشعال الفتنة القتالية في تلك المنطقة وأن هذا الدور تتولى تنفيذه منظمات اليمين المسيحي المتطرف في الولاياتالمتحدة باسم (الائتلاف من أجل دارفور) ولذا فإن من عناصر هذا الدور الأميركي إقحام المحكمة الجنائية الدولية في المشهد المتحرك انطلاقا من دوافع سياسية تستهدف منها واشنطن تقديم دعم إضافي للحركات الدارفورية المسلحة في إطار إستراتيجية عظمى هي نفس الإستراتيجية التي ظلت الولاياتالمتحدة تتبناها في سياق التحيز الأميركي للجنوب ضد الشمال. رئيس حزب الأمة وإمام الأنصار ليس سياسياً مبتدئاً ساذجاً وبالتالي فإنه من غير المعقول أن نفترض أنه يجهل الطبيعة السياسية للمحكمة الجنائية الدولية. وعليه فإن احتواء أجندته الوطنية على مطالبة تدعو ضمنياً إلى تسليم رئيس السودان إلى المحكمة لا يمكن تفسيره إلا على أساس اعتبارات الكيد الحزبي. وهذا موقف يضعف من دعوته إلى الوفاق القومي. إن المرحلة المقبلة لا تنبئ إلا بتصعيد التوجه العدواني الأمريكي ضد الدولة السودانية الشمالية من خلال تحالف بين الولاياتالمتحدة والدولة الجنوبية المرتقبة.. الأمر الذي يتطلب تشكيل جبهة شمالية تضم كافة الأحزاب في الشمال. إدارة أوباما ستبدأ تصعيدها العدواني خلال الفترة الانتقالية التي ستعقب الإعلان الرسمي لنتيجة الاستفتاء وتستمر حتى التاسع من يوليو. خلال هذه الفترة سوف يعكف الجانبان الشمالي والجنوبي في جلسات متصلة على عمليات تفاوضية مطولة حول ترتيبات معقدة. ومن المؤكد أن الجانب الشمالي سوف يتعرض لضغوط أميركية لصالح الجانب الجنوبي. ستدعم الولاياتالمتحدة حكومة الحركة الشعبية في إصرارها على ضم منطقة أبيي إلى الجنوب وعلى ترسيم الخط الحدودي بين الشمال والجنوب بما يؤدي إلى ضم مساحات شمالية إلى أرض الجنوب وذلك بالإضافة إلى قضايا أخرى من أبرزها كيفية التعامل مع ديون السودان الخارجية. وبكلمة واحدة سوف يتعسف الجانبان ويتغول على حقوق الشمال وأهل الشمال بتأييد أميركي صارم. وإذا كانت العملية التفاوضية ستبدو في ظاهرها كعملية بين نظام الإنقاذ وسلطة الحكم الذاتي الجنوبي فإنها ستكون في حقيقية الأمر تجاذباً بين الشمال والجنوب الأمر الذي سيتطلب من القوى السياسية في الشمال على اختلاف رؤاها وتوجهاتها الحزبية تحقيق حد أدنى من الوفاق الوطني ألإجماعي.. مما يتطلب بدوره نبد الكيد الحزبي. وبالطبع فإن تجسيد هذا الوفاق يتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية وهنا علينا أن نتنبه إلى أن تكوين مثل هذه الحكومة لا ينبغي أن يكون مجرد اقتسام للمقاعد الوزارية وإنما يجب أن يكون مرتكزاً إلى برنامج وطني يتفق على بنوده من خلال مناقشات موضوعية وجادة ترتقي إلى مستوى التحديات الماثلة والقادمة. في مفاوضات نيفاشا التي أدت إلى إبرام اتفاق السلام بين الشمال والجنوب أخطأ الحزب الحاكم في إقصاء قيادات الأحزاب الشمالية الأخرى عن العملية التفاوضية بقدر ما أخطأت تلك القيادات في تفويض زعيم الحركة الجنوبية بأنه يمثل (التجمع الوطني) بينما كان هذا الزعيم لا يمثل في حقيقة الأمر سوى أهل الجنوب ومصالحهم. لقد آن الأوان لتصحيح هذين الخطأين. نقلا عن صحيفة الرائد بتاريخ 8/2/2011م