أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع د. وقيع الله عن الحركة الإسلامية السودانية
نشر في السودان الإسلامي يوم 09 - 08 - 2008

تركت هجرة الكثير من المثقفين السودانيين بلدهم عقب وصول الحركة الإسلامية السودانية لسدة الحكم تساؤلات كثيرة.. هل تستطيع هذه الدولة الناشئة إقامة مشروع حضاري كما في شعارها المرفوع؟ أم أنها محاولة للحكم ستؤول للفشل والانهيار كغيرها من التجارب التي مرت على القصر الجمهوري بالخرطوم؟
ولماذا يهاجر كبار مثقفي الحركة أمثال د.وقيع الله ، ود.التجاني عبد القادر ود.الطيب زين العابدين من البلاد بعد سنوات طويلة من العمل الإسلامي من أجل إقامة الدولة الحلم.. هل يعاني المثقف أزمة داخل الحركة؟، أم ضاقت الحركة بالمثقف وضاق ذرعاً المثقف بالحركة؟.. لم يتردد د وقيع الله في حوارنا معه أن يبث ذات نفسه، مقيِّماً التجربة؛ كاشفاً أوجه القصور وأسبابه، ومواطن النجاح فيها..
والدكتور محمد وقيع الله، الأكاديمي السوداني والأستاذ بالجامعات الأمريكية، رجل هادئ في طبعه، ولكنه جريء في طرح رؤيته بكل ما في الأكاديميين من علمية ومنطقية، ولكنه لا يتوانى في الدفاع عنها بعنفوان الانتماء.يجمع وقيع الله بين المعاصرة الطويلة لعملية الدعوة الإسلامية في السودان والغرب، ومراقبة تطورها بعين ناقدة، وقد أهلته دراساته في هذا المجال للفوز بجائزة الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، وكان عنوان دراسته: (الإسلام في المناهج الدراسية الغربية: عرض ونقد) وقد قرر فيها أن الإسلام يحقق تقدما مطردا يوما بعد يوم في الأقطار الغربية.
وفي مجالات الفكر الإسلامي أنتج وقيع الله عشرات البحوث والكتب ونشرت له المئات من المقالات في أكبر المجلات العربية والأجنبية، ولعله من أكثر السودانيين إنتاجا. نال الدكتور محمد وقيع الله درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة أم درمان الإسلامية، ثم نال درجة الماجستير في السياسة المقارنة من جامعة أوهايو، والدكتوراه من جامعة المسيسبي متخصصا في العلاقات الدولية، وكان تركيزه في دراساته العليا على الشئون الصينية. وقد دار هذا اللقاء في داره بضاحية (الصحافة) بالخرطوم.
براجماتية الحركة الإسلامية
* تضم الحركة الإسلامية السودانية اليوم الكثير من الأكاديميين والمهنيين أصحاب التخصصات الرفيعة، إلا أن المفكرين فيها ما زالوا قليلين، فما الباعث على توجهك الفكري؟ وإلى أي شيء يرجع اهتمامك بالفكر؟
أبدأ فأقول حقًا: إن الحركة الإسلامية عامة، والحركة الإسلامية السودانية بخاصة، لا تعتني بالفكر العناية اللازمة؛ والسبب في ذلك، ودعني أركز على الحركة الإسلامية السودانية خاصة أنها حركة عملية "براجماتية" أكثر منها نظرية، وكانت حققت بعض أهدافها الكبيرة اعتباطًا بدون عناية تذكر بالفكر والدراسة، ورأت بعد ذلك أنه لا داعي للفكر والدراسة، ثم تبين فيما بعد أن القيادة السياسية للحركة الإسلامية السودانية كانت تخشى من تشجيع حركة الفكر؛ لأنها كانت تحذر قيام تشققات واتجاهات متمردة ومتعارضة داخل الحركة؛ فغلبت الحركة هدف الوحدة السياسية على البعد الفكري والنظري.
بالنسبة لي ولأفراد من أصدقائي الخلص كانت البيئة التي عشنا فيها ذاخرة بالكتب، وكان الأخوة الكرام الذين هم أكبر منا سنًا يتعهدونا بالتوجيه والرعاية، وقد نشأنا زمرة من الشباب المسلم في المدرسة المتوسطة والثانوية، وكنا نتعهد بعضنا، ونتخير أطايب الكتب لبعضنا البعض، ونتناقش حول محتوياتها بحرية وأريحية بلا تزمت تنظيمي حزبي، كنا نعيش مع بعضنا البعض، بل كنا ندرس في فصل دراسي واحد، هذه الصحبة في تلك السن الغضة جعلت حياتنا تأملية الطابع، وجعلت لقاءاتنا أشبه بالمنتدى الفكري، ولعل هذا هو السبب الأساسي في اتجاهنا لحياة العلم والفكر.
* ألا ترى في ترجيح قادة الحركة الإسلامية السودانية للوحدة السياسية والتنظيمية على حساب البناء الفكري خطأ فكريًا جسيما؟
- صحيح هو خطأ، ولكن لعل المقصود كان أيضا هدفًا ساميًا، ودعنا نفترض حسن النية في أمر القائمين على الحركة الإسلامية السودانية، إن الشخص الذي كان قائما على قيادة الحركة كان سياسيًا كبيرًا ماهرًا، وكان عمله منصبًا حول قيام الدولة الإسلامية، ولم يكن مشغولًا حتى بما يتبع ذلك من أمر تسيير الدولة الإسلامية، إنما كان مشغولا بأمر إنشائها وحمايتها فقط، ولم يكن يريد لأتباعه وأنصاره أن ينشغلوا بالفكر أو بالمسائل العقدية كما في الحركات الأخرى التي لا تنشغل بالواقع ولا بالعمل البناء، بل بالتنظير الفكري والتنظير الفكري فقط، وهكذا فكأنما هناك إفراط عند أولئك في التنظير، وكان هنا إفراط في إهماله، واستغراق مطلق في العمل السياسي اليومي.
المشروع الإسلامي والسلطة
*هل أنت من الذين يقولون إن الحركة الإسلامية السودانية اختزلت المشروع الإسلامي من مشروع حضاري شامل إلى مجرد مشروع سياسي لحركة هدفها الوصول للسلطة والاستحواذ عليها؟
- لا، لست ممن يقول بذلك، كنت أتحدث فيما مضى عن توجهات الحركة الإسلامية حسب رؤية قائدها السابق، والآن أعتقد أن الحركة الإسلامية التي تقودها الدولة الإنقاذية في السودان هي حركة واسعة المدى، وحركة تحول اجتماعي بمعناه الواسع، وهي الآن تؤسس مجتمعا إسلاميًا من كافة النواحي ثقافةً وأدبًا وسلوكًا، وتبذل محاولات جادة تشمل تأسيس اقتصاد إسلامي وبنوك إسلامية، وتجري محاولات لا بأس بها لأسلمة المناهج التربوية والإعلامية. وعموما أعتقد أن المشروع الإنقاذي الإسلامي مشروع قوي وناجح وفاعل.
*في إجابتك نرى بعض التداخل والتضارب، فمن يقود الآخر: الحركة الإسلامية تقود الإنقاذ أم العكس؟!
- الذي يدرك دواخل الأمور يعرف لا محالة أن الدولة الإنقاذية تقود الحركة الإسلامية، فهي أقوى من الحركة الإسلامية، وهي تؤدي من وظائف الحركة الإسلامية حتى على المستوى التربوي أكثر مما تؤديه الحركة الإسلامية، ومن ناحية عامة يمكن أن أقول باطمئنان إن الحركة الإسلامية لا سلطان لها على الإنقاذ، ولا يوجد لديها خيار إلا أن تقوم بدعم الإنقاذ. هذا هو خيارها الوحيد، ولذا فإن على منظري الحركة الإسلامية الصغار أن يكفوا عن لغوهم ومزاعمهم أن الحكومة والمؤتمر الوطني قد سلباها القياد، وعليهم أن يدركوا أن الحركة الإسلامية الحقيقية هي الحكومة وجيشها وقوات أمنها لا هم.
تجربة الحكومة السودانية
* كثير من الإسلاميين المعاصرين يقولون إن الحركة الإسلامية نتيجة لضعفها في التأسيس النظري لم تنجح في توظيف القبول الجماهيري أول عهدها، ولم تتمكن من أن تدفع به في العمل من أجل مشروع إسلامي ناضج مؤسس على رؤى وأفكار متجددة وقادر على العطاء؟
- صحيح أن الهدف المثالي لم يتحقق ولن يتحقق بكامله كما نريد ويريد الناس، ومن المحقق أن أكثر أحلامنا لن تحقق كما نروم، ولكن ما تحقق منها كان كثير بفضل الله، من ناحيتي أحاول أن أكون واقعيا دائما، وأحاول أن أتفاءل وأنظر إلى الجانب الملآن من الكوب بأكثر مما أنظر إلى الجانب الفارغ منه؛ لأن هذا الجانب كان فارغا من قديم، وكان فارغا في الحقيقة منذ قرون، فهيهات أن يمتلئ بين غمضة عين وانتباهتها، هذا النظر الواقعي المتفائل الذي أقوِّم به أداء الإسلاميين في السودان أتعامل به مع أداء الحركات الإسلامية الأخرى في العالم، وأرى أن جميع الحركات الإسلامية العالمية ما عدا تلك المتطرفة والموتورة تحقق إنجازات جيدة في خدمة المسلمين، وتكفكف من نزعة تعاليها عليهم.
*ما هو تعريفك للحركة الإسلامية؟!
- أي عمل إسلامي إصلاحي سلمي منظم يرمي إلى تحديث العالم الإسلامي وإلحاقه بالعصر الحديث دون استسلام لمقولاته المنافية للإسلام.
* فيما يتعلق بما ذكرته آنفا من حديث عن الضعف الفكري في الحركة الإسلامية، هل تستطيع أن ترصد لنا تجليات هذا الضعف فيما أسست الحركة لاحقا من دولة ومشروع؟
- من جوانب النقد التي قد تكون مصيبة وعادلة عندما توجه إلى الحركة الإسلامية السودانية والمشروع الإنقاذي الذي تبلور عنها أنها لم تعط الجانب الثقافي حظه من الاهتمام والرعاية، وهي ما تزال كذلك في إهمالها لهذا الجانب، ومن خلال حواري مع بعض المسئولين الذين التقيتهم -وهم قلائل- تبين لي أنهم يكنون نوعا من الاحتقار للعمل الدراسي الفكري، ويعتقدون أنهم قادرون على تحقيق أهدافهم بغير تحصيل كبير في العلم، وبدون الاستعانة بمراكز أبحاث متخصصة، وقد حاولت أن أتكلم مع بعض هؤلاء حول ضرورة الاهتمام بإنتاج الكتاب وتوزيعه ومكافأة المؤلفين والعلماء، وإنشاء المكتبات العامة، وغير ذلك من الجوانب المهمة والضرورية للنهضة، ولكن عندما كنت أتكلم مع هؤلاء كانوا لا يكادون ينصتون لما أقول، وكأن هذه الأشياء هامشية وغير مهمة؛ وذلك برغم أن الدعوة الإسلامية قائمة كلها على الكلمة والفكرة والمحتوى القيمي والفكري، هذا جانب ضعف كبير في تجربة الإسلاميين في السودان، وسنظل نتكلم عنه مهما تضايقوا منا أو ضايقونا بالمكائد الحزبية الوضيعة التي برع فيها بعضهم بدون مبرر، وفي العموم إذا لم تنتج الساحة الفكرية السودانية أعمالا فكرية حقيقية ويتم نشر هذه الأعمال فستكون هنالك فجوة كبيرة في العمل الإسلامي في السودان.
* هل يمكن أن ترصد لنا تجليات هذا الضعف في مجال التربية والتعليم؟
نعم، وأظنها تجليات خطيرة لابد من تداركها عاجلًا، إن تربية النشء تربية إسلامية علمية نظامية ينبغي أن تكون إحدى الأولويات المقدمة في دولة الإنقاذ، ولكن من واقع النظر إلى البند المخصص من ميزانية الدولة للتعليم يتضح أن الدولة لا تضع التعليم العام ضمن أولوياتها الأولى، فما يصرف على التعليم لا يزيد على 3% من ميزانية الدولة، وهذه مسألة لا تشرف حكومة الإنقاذ؛ لأنها من أقل النسب في العالم إن لم تكن أقلها على الإطلاق!
حركة إسلامية أم حزب سياسي؟
* بعد هذا التوصيف، هل نستطيع أن نقول إن هذه الحركة كانت حركة إسلامية متكاملة، أم كانت مجرد حزب سياسي صرف مثله مثل الأحزاب الأخرى؟
لا أريد أن أبالغ في الحديث عن الجانب الفكري النظري، ولا عن الجوانب السلبية بما يغض بقدر الإنجازات الإيجابية الضخمة التي حققتها الحركة الإسلامية السودانية، لقد كانت هذه الحركة حركة إسلامية متكاملة إلى حد مقبول، وكانت تنشد بمجاهداتها إقامة دولة إسلامية صحيحة، وكان شبابها الورع الماجد يجاهد عن وعي وبصيرة وإخلاص، وأعتقد أن الله جلَّ شأنه قد بوأهم نصرًا عزيزًا كريمًا أكثر مما أسبغ على بقية الحركات الإسلامية الأخرى في العالم؛ وذلك لما اشتملوا عليه من دأب لا يفتر، ومن تحرر من لوثات الحزبية والطائفية وتقديس القيادات مهما كان وزنها، وهكذا فعلى قدر جهدهم وإخلاصهم وتحررهم من الطائفية أسبغ الله تعالى عليهم حمايته، ونجاهم من بطش القوى الخارجية وتآمر القوى الداخلية، ونسأل الله تعالى العافية للجميع.
* بالنسبة لك أنت شخصيًا ماذا أخذت من الحركة الإسلامية، وماذا تعطيها؟
- لقد أخذت من الحركة الإسلامية ما يكفيني ويزيد، أخذت منها الهداية، والتهذيب، والثقافة، وصحبة الأخيار من زبدة البشر الموجودين على سطح الأرض، ولا أريد أن آخذ منها شيئًا أكثر من هذه النعم الطيبات المسداة، وأرجو أن أكون من الآن وإلى حين الممات في طور العطاء لا أخذ المزيد.
موقف تنظيمي
* في حوار أجري معك من قبل قلت في إجابة عن سؤال يتعلق بموقفك التنظيمي من الطرفين اللذين انشقت عنهما الحركة الإسلامية إنك لست طرفا في الصراع الذي يدور بين هذين الشقين، وإنك لست منتميا أصلًا لأي منهما، فهل هذا الموقف قائم على رؤية محددة للواقع، أم هو موقف احتجاجي مما كان من الشطط والإسفاف؟
- لا هذا ولا ذاك، فأنا كنت بعيدا عن الوطن طوال عهد الإنقاذ، ولم تكن للحركة الإسلامية السودانية فروع أو منظمات في أمريكا، بالإضافة إلى أنني كنت أقيم في ولاية أمريكية قصية بعيدة عن العاصمة قبل انتقالي للعاصمة مؤخرا، ولأسباب عملية لم يكن لي دور في العمل السياسي التنظميى، وبُعدي عن العمل الإسلامي في السودان هو تقصير وليس تعاليًا على العمل الإسلامي، ولا ينطوي على موقف احتجاج أو إدانة للحركة الإسلامية كما يفعل بعض المقصرين الذين يحلو لهم أن يغطوا على تقصيرهم بذم الحركة وانتقاصها، ومن ناحية أخرى أحب أن يكون دوري دوما في الجانب الثقافي وحده بعيدا عن أي ارتباط تنظيمي، وقد ظللت على ذلك منذ أن كنت في الحادية عشرة من العمر.
*هل تعتقد الآن أن المشروع الإسلامي في السودان ما زال قائما؟ أو أنه وصل إلى طريق مسدود ويحتاج إلى إعادة نظر بأمل أن يعاد إنتاج هذا المشروع مرة أخرى؟
- أعتقد أن المشروع في السودان لم يصل إلى طريق مسدود، وإنما انفتح أمامه الطريق حتى نهاية بعيدة أرجو أن يصل إليها بسلام، وأعتقد أن ولاة الأمور في السودان واعون جدًا بأدوارهم، ويؤدون معظمها عن نضج وبصيرة، ويحققون نجاحات كبيرة لاسيما على الصعيد الاقتصادي وصعيد ضبط الشارع والسلوك العام بقيم الإسلام، وأعتقد أن الأخلاق مستواها ارتفع جدا في السودان، ولا أتفق مع الذين يقولون إن الأخلاق انهارت، أو إن التعليم انهار، وإن كل شيء ينهار، بالعكس أرى أن كل شيء يمضي نحو الأفضل، ومن ينظر إلى الشارع السوداني الآن لا يرى مناظر التسكع ومناظر السكارى ومناظر الذين يعاكسون البنات، وهي مناظر كانت سائدة في الماضي.
وقد ازداد إقبال الناس على الصلاة في المساجد، وأصبحت الصلاة سنية صحيحة خالية من البدع التي كانت تشوبها في الماضي، وأصبح القرآن يقرأ بالتجويد بأصوات شجية ما كنا نسمع مثلها بالأمس، وكثر عدد من يحفظون القرآن، وغدا خطباء الجمعة يقدمون دروسًا مفيدة للسامعين، والكثير منهم علماء شرعيون لا مجرد أئمة موظفين يقرءون من الورق التالف، إن الحكام قد أفلحوا دون أدنى شك في تمهيد جو إسلامي معافى في السودان، وحموا مجهودات الدعوة الإسلامية من أن يتطاول عليها العلمانيون المفسدون، والأمر يتطلب سنوات طويلة حتى يتحقق أكثر المأمول، خلاصة القول إن المشروع الإنقاذي في السودان لم يصل إلى طريق مسدود، ولكنه يطرق أبواب الخير والصلاح وهي تنفتح أمامه تباعًا بحمد الله.
الفجوة بين الفكر والتنظيم
* كيف نستطيع أن نردم الهوة بين الفكر الإسلامي الناضج المنتج خارج الحركة الإسلامية وبين التنظيم الفاعل الذي يقود المجتمع عمليًا؟ وكيف نستطيع أن نقيم جسرًا قويًا يصل بين الطرفين؟
- هذا شأن الأفراد الذين يوفقهم الله تعالى لكي يستلهموا مزاج الحركة الإسلامية، ويستوعبوا تراث الفكر المنتج خارجها، ولا أظن أن الحركة الإسلامية تشجع أنصارها على الاستمداد من فكر تولد خارجها؛ فقادة الحركات الإسلامية -إلا من رحم الله- يميلون إلى الطائفية حتى في الفكر وتربية الأتباع على أن يكونوا أطفالًا باستمرار، فنضج أفراد الحركات الإسلامية قد يكون عند هؤلاء القادة خطرًا يحدق بهم، ولذلك تراهم يحذرون أتباعهم من القراءة لمفكرين بعينهم لا يختلفون كثيرًا مع الحركات الإسلامية، ومشكلتهم فقط أنهم لا ينصاعون لأوامر قادة الحركات الإسلامية بصورة أوتوماتيكية.
* بعد تعاظم دور الحركات الإسلامية في الحياة، ووصول بعضها إلى السلطة واقتراب البعض الآخر، فإن هذه الحركات تواجه بأن الدولة الحديثة هي دولة قومية تقوم على أصول علمانية، كيف يستطيع الإسلاميون أن يتجاوزوا هذا المأزق؟ وكيف يمكن أن يقيموا دولة إسلامية في هذا الوعاء الذي صممه الخصوم؟
- هذا سؤال كبير يدل على وعي عميق لدى السائل بحقائق الأمور في العالم الإسلامي، صحيح أن الحركات الإسلامية مواجهة بمشروع الدولة القومية أو القُطرية الحديثة المصمم تصميمًا علمانيًا، ولكن من الخير للحركات الإسلامية ألا تقاوم هذا الواقع المفروض المستقر منذ زمن طويل؛ لأن مقاومته تنتج ضررًا أكبر منه، وهنا أعني بدقة موضوع الحدود السياسية لأقطار العالم الإسلامي، ولا أعني المحتوى الدستوري والقانوني والقيمي لمسائل الحكم، والمأمول ألا تنطلق الحركات الإسلامية من تفكير سخيف وتظن أنها قادرة على كل شيء وبقرار تصدره مجموعاتها الصغيرة أن توحد العالم الإسلامي كله بين عشية وضحاها، وتقيم دولة الخلافة الراشدة.
هذه أحلام بعيدة عن الواقع والتحقيق، ولابد للإسلاميين أن يتعاملوا مع الواقع كما هو، ولابد لهم أن يتعهدوا بأن يحترموا الحدود الجغرافية والسياسية؛ برغم أننا ورثناها من المستعمر، ذلك أننا إذا أردنا أن نمزق هذه الحدود فإننا سنفتتح سلسلة مريعة من الحروب التي تسفك الدماء المسلمة العزيزة، ونثير النعرات القومية بين المسلمين وهذا إفساد كبير في الأرض، ولكي نتجنبه علينا أن نتقبل هذا الواقع المفروض وعلينا أن نتعامل معه بحكمة وحصافة وجدية نحقق بها مقاصد الشريعة بعيدًا عن المزايدة بالشعارات.
إن مشاكل الإسلاميين مع السلطة والعمل السياسي هي أكبر من طاقتهم للأسف الشديد، فأكثر الإسلاميين السياسيين لا يفكرون تفكيرًا عميقًا متزنًا، ويربون أتباعهم ليكونوا عفويين وعاطفيين مثلهم، فأكثر الشباب المسلم لا يهتم بالفكر السياسي، ولا يدرس العلوم السياسية ولا الاقتصاد ولا الاجتماع ولا الفلسفة، وإنما يدرس هؤلاء العلوم المهنية الضيقة كالهندسة، والصيدلة، والطب، وإدارة الأعمال، وإهمال الإسلاميين لدراسة العلوم النظرية لا يساعدهم على تحقيق حلمهم بإنشاء دولة إسلامية عصرية؛ فمثل هذه الدولة لا تقام بالعواطف، ولا بالنوايا الحسنة، ولا بالحماسة، ولا بالمظاهرات، ولا بالاستشهاد، ولا حتى بمجرد الإخلاص، إنما تقام بهذا كله وبالعلم العميق الناضج، وهذا العصر هو عصر المؤسسات وليس عصر الزعامات الفردية، ولا عصر الاندفاع الأعمى، فلابد أن تدرس الحركات الإسلامية المؤسسات الحديثة وتعمل على أسلمتها، فإننا قد لا نستطيع إنشاء مؤسسات جديدة، فالمسلمون الأوائل أخذوا المؤسسات التي آلت إليهم -كمؤسسة الديوان التي أخذوها من الفرس وغيرهم- وطورها تطويرًا كبيرًا، وأعطوها الروح الإسلامية.
ونحن الآن نتعامل مع مؤسسات غربية معقدة كالبنوك، والمدارس، والجيوش، والمؤسسات الإعلامية، ومؤسسات البيروقراطية الحكومية، وهذه كلها مستعارة من مؤسسات الحضارة الغربية، ولا تصلح لنا ما لم نقم بأسلمتها.
ولذلك لا بد لنا ونحن نتعامل مع هذه المؤسسات أن نبحث عن صيغة تمحو الأثر التغريبي العلماني في فلسفتها وفي طرق تسييرها كي نقربها بالتدريج من النموذج الإسلامي المبتغى، هذا هم كبير من هموم دولة الإسلام المستقبلية، ولكن الدعاة المتسرعين لا يفكرون في هذا، ويظنون أنهم بإخلاصهم وحده قادرون على إنشاء دولة إسلامية متكاملة.
بعض الحركات الإسلامية السطحية كمجموعة طالبان اكتفت بإلغاء كثير من المؤسسات ذات الصيغة التغريبية، وإلغاء المؤسسات لا يحل الإشكال، وإنما لا بد أن نعيد صياغة هذه المؤسسات بما يتفق مع الإسلام.
المواطنة في الدولة الإسلامية
* الدولة الوطنية أو المعاصرة تستدعي مجموعة من المفاهيم منها مفهوم "المواطنة" وإعلائها وعاءً جامعًا باعتبار أن الجامع هو الوطن وليس الدين، وهنالك غير ذلك من المفاهيم المستدعاة، وهي مفاهيم كأنها معلقة في سلسلة إذا جذبت طرفًا منها جاءتك بقية الأطراف. كيف نتعامل مع هذا الواقع الجديد؟ وهل يكفينا أن نستدعي نحن أيضًا المفاهيم الإسلامية التي خلفها الأسلاف كالماوردي في منظومة السياسة الشرعية وما شابه ذلك؟ عمومًا كيف يمكن أن يحل هذا الإشكال؟
- الحل السهل يمكن أن يشار في المواثيق والواجبات الدستورية إلى أن المواطنة هي الأساس في الحقوق الواجبة للمسلمين وغيرهم في الوطن، وهذا له أصل إسلامي كما تشير إلى ذلك "وثيقة المدينة" التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم للموادعة مع قبائل المدينة المختلفة بما فيها قبائل يهود، والإسلام دعا للهجرة، وقال: إن من لم يهاجر إلى المدينة فلن ينال حق المواطنة كما ينبغي، إذن فكل من هو موجود في الدولة الإسلامية بشكل دائم غير طارئ فهو مواطن فيها، فالولاء للدولة المسلمة ولاء إقليمي، والمعادلة بهذا الشكل تكون سهلة ومقبولة لجميع الأطراف، ويكفي أن ينص في الدستور على أن المواطنة هي الأصل في الحقوق والواجبات.
أما المفاهيم والأفكار السياسية بما فيها هذا المفهوم نفسه حول المواطنة كما لاحظنا، فهي نابعة جميعًا من الإسلام، إن لسائر الناس الحق في أن يشكلوا تنظيماتهم ومؤسساتهم، ولهم الحرية في إبداء آرائهم حتى لو أرادوا أن ينتقدوا الإسلام، وما دام أن الأغلبية مسلمة وحريصة على الإسلام فلن يستطيع المواطنون غير المسلمين وهم مجرد أقلية أن ينالوا من الإسلام ولا من المسلمين.
ومن ناحية عامة ينبغي ألا نفترض أن هذه الأقليات الدينية معادية بالضرورة للإسلام والمسلمين؛ فهذا أمر غير حتمي، ومن واجب المسلمين أن يعاملوا هؤلاء بالقسط والبر والحسنى، ويكسبوا ولاءهم لصالح الإسلام والمسلمين، ومن الأفضل ألا ندع متطرفينا ينزلقون في كوارث الاستعداء الطائفي، ويزجوا البلاد في أتون الفتن الدينية، إننا إذا لم نحترم الأقليات الدينية ونعطيها هذا الحق فإن البديل في البلدان التي فيها أعداد معتبرة من هذه الأقليات هو الفتن الداخلية والشجار بين مكونات الوطن.
* يرى البعض أن تضمين "المواطنة" في دساتيرنا الوطنية كأساس للحقوق والواجبات مخالف لمبادئ الإسلام؛ باعتبار أنها تجعل لغير المسلم الحق، وتمنحه الفرصة لحكم المسلمين، تبعًا لقول الله تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء : 141] هذا من جهة، ومن ناحية أخرى فإن المراهنة على الشعوب لا تكون دائما صحيحة، فأحيانا لا يكون وعي الشعوب بالمستوى الذي يؤهلها لكي تكون فيصلًا في الأمور، كما قال "سيد قطب" رحمه الله، وقد صدقت نيجيريا ذات الأغلبية المسلمة حين انتخبت حاكمًا نصرانيًا هو "أباسنجو" في وجود مرشحين مسلمين.
- تضمين المواطنة في الدساتير الوطنية لا يخالف الإسلام؛ لأن المسلمين إذا كانوا مسلمين حقًا فلا يمكن أن ينتخبوا نصرانيًا، وتجربة نيجيريا لا تصلح دليلا؛ لأن الصراع في نيجيريا لم يكن بين الحركة الإسلامية والزعيم النصراني، وإنما بين رجلين علمانيين هما إبراهيم بابنجيدا وإليسون أباسانجو، وهذا الأخير لم تكن له أهداف دينية، ولم يكن يسعى لإقامة دولة نصرانية في نيجيريا ولا لمحاربة الإسلام هناك، ومؤخرًا انتخبت نيجيريًا حاكمًا مسلمًا علمانيًا هو خير من النصراني بلا ريب بحكم نطقه بالشهادتين، ولكن من حيث الأداء السياسي، ومن حيث فائدته للمسلمين فقد يكون الحاكم النصراني خيرًا منه!
* قد لا تكون عند أباسانجو وأضرابه هذه الأهداف التي ذكرتها، ولكنهم مرتمون في أحضان الغرب، ويعادون العمل الإسلامي!
- أحيانا يكون الحكام المسلمون أكثر ارتماء في أحضان الغرب، وأكثر معاداة للدين من الحكام من أمثال أباسانجو، ومن السياسيين النصارى في العالم الإسلامي! وقد شهدنا حكومات في دول إسلامية كبرى تحارب مظاهر إسلامية لا تهددها في شيء كظاهرة الحجاب. ولمواجهة أي مؤامرات من قبل الدول الغربية، فمن المهم أن تؤسس الحركات الإسلامية واقعًا متينًا في أوطانها تلتف حولها الجماهير وتحميه بحيث لا تستطيع أي قوة غربية معادية أن تزيله بالتآمر، أو حتى باستخدام القوة.
لذلك على الحركات الإسلامية أن تمد جسور الصداقة مع الأقليات الدينية، وقبل ذلك مع شعوبها، وألا تثير الفتن الطائفية مع غير المسلمين، ولا القضايا الخلافية مع المسلمين.
*وقبل أن نغادر دار الدكتور محمد وقيع الله سألناه عن الشورى في الحركات الإسلامية، فقال:
- فقه الشورى يعاني من مشكلة ضخمة جدًا في الحركات الإسلامية؛ فأكثرها لا يعترف بالشورى، والذي يعترف منها بالشورى لا يعترف بإلزاميتها، وعمومًا لا أرى ثمة مبررا لإقامة دولة إسلامية إذا كنا لا نؤمن بإلزامية الشورى؛ لأننا سنقيم لحظتها دولة الطغاة المتدينين الذين يذبحون الناس باسم الدين.
إن من الخير للحركات الإسلامية إذا كانت لا تؤمن بالشورى وإلزاميتها أن تنصرف عن العمل السياسي إلى العمل الخيري والدعوي غير المرتبط بأي بُعد سياسي.
المصدر: إسلام أون لاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.