من المعلوم أن أمر ثبوت الهلال من الناحية العلمية النظرية قد تباينت فيه الآراء واختلفت . وهناك مندوحة لكل أحد أن يري علميا ما يطمئن إليه وأن ينصره بالأدلة أنم نصر. و مع هذا الخلاف العلمي فإن الذي يؤول إليه الأمر من الناحية العملية أن الصوم والفطر يكون مع ما تواضع عليه جمهرة الناس على حسب اجتهادهم وإن كان ذلك يخالف معرفة آحادهم أو قلة منهم العلمية أو الحسيةويشرح ابن تيمية القاعدة التي أشرنا إليها فيقول: " وحينئذ فشرط كونه هلالا وشهرا شهرته بين الناس ، واستهلال الناس به ، حتى لو رآه عشرة ولم يشتهر ذلك عند عامة أهل البلد ، لكون شهادتهم مردودة ، أو لكونهم لم يشهدوا به ، كان حكمهم حكم سائر المسلمين . فكما لا يقفون ولا ينحرون ولا يصلون العيد إلا مع المسلمين ، فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين . وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون " . لهذا قال أحمد بن حنبل في روايته: "يصوم مع الإمام وجماعة المسلمين في الصحو والغيم . قال أحمد: يد الله على الجماعة . والسؤال الهام إذن بم يحصل الاجتماع الذي يجب على الكل إتباعه؟ القاعدة العامة هنا أن كل قوم على ما أمكنهم الاجتماع عليه . وقد يحدث هذا بأمور: الحاكم: فالناس تبع للحاكم في صومه وفطره ، وإن كان مقصرا في ذات نفسه وحكمه ، وإن تعدد الحكام فلكل قوم حاكمهم . العلماء: إن خلا البلد من الحاكم المسلم فالولاية للعلماء وإن تعددوا . ويسعى لجمع الكلمة حسب الإمكان وقد يكون ذلك بالأخذ برأي جمهرة الناس في البلد الواحد أو الأخذ بما عليه جمهور المسلمين قاطبة . ومن المهم أن يتذكر الناس أن مسألة الهلال مسالة اجتهادية ولم يحصل حولها إجماع ، والمسائل الاجتهادية المختلف حولها للناس فيها سعة ، كل يأخذ فيها برأيه من الناحية العلمية ، وليس من الممكن رفع الخلاف . أما من الناحية العملية فلا يسع المرء إلا إتباع الجماعة في الصوم والإفطار ، ولو أخطأت الجماعة في الصوم والفطر فإن صومها صحيح مجزئ ولا تؤاخذ فيما أخطأت فيه ما دام قد عملت بما أداه إليه اجتهادها . قال الإمام الخطابي في تعليقه على حديث "صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون " : معنى الحديث أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قومًا اجتهدوا، فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعًا وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض، فلا شيء عليهم من وزر أو عنت، وكذلك هذا في الحج إذا أخطأوا يوم عرفة، فإنه ليس عليهم إعادته ويجزيهم أضحاهم كذلك، وإنما هذا تخفيف من الله سبحانه ورفق بعباده .