دعا ممثلو المجتمع المدني بدارفور في ختام اجتماعهم التشاوري بالعاصمة القطرية الدوحة الحكومة والحركات معا إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في دارفور، وحثوا كل الحركات المسلحة على توحيد رؤاهم التفاوضية والاتجاه لطاولة المفاوضات لوضع حد لمعاناة أهل دارفور، مشددين على أن "الدوحة هي المنبر الوحيد للتفاوض". يأتي هذا في الوقت الذي أعلنت فيه الوساطة القطرية والأممية اعتزامها بدء محادثات مباشرة بين الحكومة والحركات المسلحة بعد عيد الأضحى، يعقبها اجتماع يشارك فيه ممثلو المجتمع المدني الدارفوري مع الحركات المسلحة. وتم إطلاق محادثات السلام الشاملة حول دارفور بالدوحة الأربعاء 18-11-2009 بمفاوضات بين منظمات المجتمع المدني الدارفوري، وينتظر أن تنضم لها خلال الأسبوعين القادمين معظم الحركات المسلحة بدارفور، فيما لا يزال عبد الواحد نور زعيم حركة تحرير السودان يرفض المشاركة في المفاوضات. بيان وإعلان وبعد 4 أيام من النقاشات والمباحثات اختتمت مساء الجمعة 20-11-2009 جلسات الاجتماع التشاوري مع ممثلي المجتمع المدني في دارفور بإصدار البيان الختامي و"إعلان الدوحة". وناشد المجتمعون في بيانهم الذي تلاه رئيس لجنة الخبراء "صديق أمبدة" كلا من "الحكومة والحركات معا الوقف الفوري لإطلاق النار، والعمل بجدية للوصول للسلام"، ودعوا الحركات لفتح ممرات آمنة تسمح للمواطنين في المناطق التي تقع تحت سيطرتها بالتمتع بالخدمات الأساسية الضرورية. كما دعا المجتمعون المجتمع الدولي إلى تنسيق جهوده وتوحيدها للبحث عن حل لأزمة دارفور وتقديم الدعم للمجتمع المدني الدارفوري ليكون شريكا أصيلا وفاعلا في صنع السلام. وبالإضافة للبيان الختامي جاء إعلان الدوحة كوثيقة تحوي "رؤى ومقررات المجتمع المدني (بدارفور) بشأن القضايا المهمة ذات الأولوية التي يجب تضمينها في بنود التفاوض لتحقيق وبناء السلام العادل والمستدام في دارفور، ودور المجتمع المدني في كل مراحل عملية السلام". وفي هذا الصدد تضمن "إعلان الدوحة" مبادئ أساسية بيّنت أن دارفور جزء من السودان الواحد الموحد، وأن قضية دارفور قضية سياسية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية لا يمكن حلها إلا بالحوار الجاد بين أبناء الوطن. ومن بين القضايا التي تعرض لها البيان وقدم رؤيته حيالها قضية الترتيبات الأمنية ونزع السلاح، وبين ممثلو المجتمع المدني أنه قبل توقيع اتفاقية السلام (المرتقب توقيعها بين الحكومة والحركات المسلحة) يجب أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار يلتزم به الطرفان التزاما كاملا. وتتضمن الترتيبات الأمنية بعد توقيع اتفاقية السلام -حسبما جاء في الإعلان- الجمع المتزامن للسلاح من كل الأطراف وتفعيل دور القيادات والإدارات الأهلية على كل المستويات. حصة من البترول وبشأن تقاسم الثروة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية أكد الإعلان ضرورة تنفيذ مشروعات إستراتيجية تنموية كبيرة ذات طابع قومي مع مراعاة التمييز الإيجابي، ودعا لتخصيص حصة عادلة من المواد البترولية لدارفور. وفيما يتعلق بترتيبات تقاسم السلطة أكد الإعلان ضرورة اعتماد تدابير تضمن المشاركة العادلة لأبناء وبنات دارفور في السلطة على المستويات المحلية والإقليمية والقومية، وأكد ضرورة اعتماد معايير تضمن المشاركة العادلة لأبناء دارفور في السلطة على جميع مستوياتها، ومشاركة المرأة في السلطة بما لا يقل عن نسبة 25%. وشدد المجتمع المدني الدارفوري في إعلان الدوحة على عدم إفلات مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والجرائم الخطيرة من العقاب. وبشأن قضية الأرض والمسارات الرعوية لفت إعلان الدوحة إلى ضرورة تحديد حدود دارفور وفق خارطة 1956، واتخاذ ترتيبات تضمن للرحل الراغبين في الاستقرار وعدم فرض إدارة أهلية جديدة بدون موافقة الإدارة القديمة، وتضمين الاتفاقيات حول الأرض والموارد اإستراتيجيات وبرامج لحماية الموارد الطبيعية وتطويرها. وأكد الإعلان دور المجتمع المدني خلال كل مراحل عملية السلام، فقبل المفاوضات يكون بالتهئية للحوار والتفاوض بكل الوسائل السلمية، وخلال المفاوضات يكون بتقريب وجهات النظر والضغط على أطراف النزاع عبر المشاركة كشريك أصيل، وبعد المفاوضات يكون بأن يمثل تمثيلا مناسبا في كل الآليات واللجان التي تشرف على تنفيذ بنود اتفاقية السلام، وشدد على أن منبر الدوحة هو المنبر الوحيد للتفاوض. تسليم الوثيقة ورفع المجتمع المدني رؤيته للسلام الشامل والنهائي في دارفور للوساطتين القطرية والأممية، وذلك في الوثيقة التي حملت عنوان "إعلان الدوحة"، وسلمها ممثلون عن ولايات دارفور إلى كل من وزير الدولة للشئون الخارجية في دولة قطر "أحمد بن عبد الله آل محمود"، والوسيط الأممي المشترك "جبريل باسولي"، وأعقب مراسم التسليم تصفيق وتهليل من الحضور. بدوره أكد آل محمود في كلمة له خلال الاجتماع أنه "سيتم أخذ ما تضمنته هذه الوثيقة بعين الاعتبار والتقدير، وستكون خير عون لنا ومنطلقا نحو تحقيق السلام". وأعرب عن شكر قطر وتقديرها لاختيارهم الدوحة منبرا وحيدا للتفاوض. بعد الأضحى كما ألقى جبريل باسولي، الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، كلمة أعلن خلالها أنه سيتم توجيه الدعوة لممثلي المجتمع المدني للاشتراك في ندوة تعقد بالدوحة قبل نهاية ديسمبر القادم مع الحركات المسلحة. وتابع: "وذلك حتى تتاح لهم الفرصة ليلتقوا سويا في قاعة واحدة وفي تناسق وتناغم لتبادل وجهات النظر بشأن السلام في دارفور". وأعلنت الوساطة (الأممية والقطرية) أنه عقب المشاورات مع الحركات ومع المجتمع المدني في الدوحة سيتم إطلاق المحادثات المباشرة بين الحكومة والحركات عقب عطلة عيد الأضحى المبارك، وذلك بالتنسيق مع أطراف النزاع. غير ملزمة ولكن... وفي رده على سؤال لمراسل "إسلام أون لاين.نت" -خلال تصريحات آل محمود للصحفيين عقب المؤتمر- حول إذا ما كانت تلك الوثيقة ملزمة لكل من الحكومة والحركات المسلحة، قال وزير الدولة للشئون الخارجية أحمد بن عبد الله آل محمود إن هذه الوثيقة "غير ملزمة، ولكنها تعبر عن رأي أهل دارفور"، وأعرب عن أمله أن تأخذ كل من الحركات والحكومة وثيقة المجتمع المدني بالاعتبار. وحول إذا ما كان المجتمع المدني سيشارك في مفاوضات ديسمبر بصفة مراقب أم بصفة شريك سلام قال إن: "المجتمع المدني عنصر مهم وأساسي في دفع عملية السلام؛ لأن أي سلام بين الحركات والحكومة لن يكون له قيمة إذا لم يرضه أهل دارفور". ونفى آل محمود في تصريحات صحفية عقب ختام الاجتماع أن يؤدي طلب المنظمات المدنية المشاركة في مفاوضات السلام الشامل ك"طرف أساسي" إلى إعاقة العملية التفاوضية في ظل رفض حركة العدل والمساواة ذلك الأمر، مجددا تأكيده أن التشاور مع المجتمع المدني ليس بديلا عن المفاوضات التي ستحدث بين الحركات المسلحة والحكومة، "إنما مكمل وداعم لها". وبين وزير الدولة للشئون الخارجية أن الحركات لا تعارض إشراك المجتمع المدني في عملية السلام، ولكن هم يرون أن يكون دور المجتمع المدني داعما للمفاوضات التي تجري بين الحركات والحكومة، وبين أن "القضية تحتاج تحركا من قبل الوساطة للتوفيق بين المنظورين". وبين أن مفاوضات السلام الشامل ستبدأ بعد أن تشرف بعض الحركات المسلحة على الانتهاء من عملية توحيد موقفها الذي تطمح إلى تحقيقه في غضون أسبوعين، متمنيا أن يتحقق السلام في الإقليم الغربي للسودان قبل النصف الأول من العام المقبل. ووقعت الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة -بوساطة قطرية- اتفاق حسن نوايا وبناء ثقة لتسوية مشكلة دارفور في 17-2-2009، وقاطع الاتفاق آنذاك عدد من الفصائل المسلحة، من بينها حركة تحرير السودان جناح محجوب حسين، وجناح عبد الواحد محمد نور.