لعل مسألة التعامل مع الآخر المخالف مشكلة لا يحسن كثير من الناس فقهها ويضطرب بالتالي موقفهم منها وسلوكهم اتجاهها. ويزداد الأمر تعقيدا وحيرة إذا كان المقصود التاثير على المخالف والسعي لتغييره بل وكسبه لتنقلب مخالفته إلى موافقة وعداوتة إلى موالاة وصداقة. ومما لا شك فيه للإسلام منهجا متميزا للتعامل مع الآخر أيّا كان ذلك الآخر، مسلما أو غير مسلم ومسالما أو معاديا محاربا. وليس الكلام هنا عن كل ذلك إنما هي وقفة قصيرة مع طرف من ذلك المنهج الشامل الواسع، وقفة مع حديث معروف في كتب صحاح الأحاديث باسم حديث المزادتين، والمزادة هي القربة الكبيرة وهي وعاء من جلد يوضع فيه الماء وغيره. وقصة المزادتين طويلة ومروية بطولها في صحيح البخاري ومسلم وغيره من كتب السنن. وملخصها الذي له علاقة بموضوعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر ومعه جماعة من أصحابه، فأصابهم عطش شديد لمّا لم يبق شئ مما معهم من ماء، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم اثنين من أصحابه يلتمسون الماء ويبحثون عنه في تلك الصحراء التى لم تكن لهم معرفة بآبارها وعيون الماء فيها. فقابلا إمراة تركب على بعير لها مدلية رجليها بين مزادتين - قربتين - ممتلئتين ماءا. فسألاها من أين أتت بالماء فقالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، تعنى ان موضع الماء بعيد. فطلبا منها أن تذهب معهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وهناك أفرغ من ماء المزادتين في إناء ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس لأن يأخذوا منه ويملأوا أوعيتهم، ففعلوا وكثّر الله الماء حتى اكتفي منه كل من كان معه وكانوا نحو أربعين رجلا، وظلّت المزادتين كما هما مملوءتين وكأنهما لم يمسا ولم يؤخذ منهما شئ. وعادت المرأة إلى أهلها وقصت ما رأت وهي لا تصدق وظنت أن الرسول ساحر. وحفظ المسلمون لها ذلك الجميل الذي صنعته بهم، فكان الصحابة رضوان عليهم بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الحى الذي تسكن فيه. فقالت يوما لقومها: ما أرى أن المسلمون إلا ويدعونكم عمدا لا يغيرون عليكم، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام جميعا. هذه القصة شاهد على أن السلوك الراقي والتعامل الحسن مع الآخر المخالف طرق من طرق التواصل معه والتأثير عليه وتليين مواقفه بل وتغييرها وكسبه من مخالفته وعداوته إلى صفك والتوافق معك. فهلا كان الناس مع مخالفيهم كما كان الصحابة رضوان عليهم مع هذه المرأة ذات المزادتين وقومها!