إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار حول الوضع الراهن في السودان مع الشيخ عبد الحي يوسف
نشر في السودان الإسلامي يوم 10 - 03 - 2010

يمر السودان بأكبر اختبار في تاريخه، وقد تفرز انتخابات أبريل 2010م، أوضاعاً قاسية على هذا البلد المسلم الذي يعيش منذ خمس سنوات حالة من السلام الهش، بموجب اتفاق السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية المتمردة في يناير 2005م.
ويقضي هذا الاتفاق بإقامة انتخابات عامة في على المستوى الرئاسي والبرلماني في السودان عامة وفي جنوب السودان في ذات الوقت، وينص الاتفاق أيضا على استفتاء الجنوبيين السودانيين على اختيار الوحدة أو الانفصال في يناير من العام المقبل 2011م، ويجمع المحللون على أن الانتخابات المقبلة تؤثر بصورة مباشرة على اختيار الوحدة أو الانفصال.
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم وأحد أبرز علماء السودان ومن فقهائه المعدودين، وقد نال درجة الماجستير في موضوع "الدولة في الإسلام" وتناولت أطروحته للدكتوراة قضية " الاستبداد السياسي في القرآن الكريم". ولا اشتغاله فكراً ودراسة بموضوع الفقه السياسي واطلاعه الدقيق لمجريات الواقع في السودان؛ قدم الشيخ عبد الحي إجابات صريحة ودقيقة حول الموقف من الانتخابات القادمة وحيثيات الواقع ومآلات الأوضاع والموقف الشرعي الواجب على المسلمين في هذا البلد والدور المنوط بالعلماء في هذه المرحلة.
تمر البلاد بفترة حرجة من تاريخها ولكن السودانيين منقسمون فإلى أي شيء تردون انقسامهم؟
السودانيون فيهم المسلم والكافر والبر والفاجر، وهم على اختلاف أديانهم وأعرافهم وثقافاتهم مختلفون فيما بينهم؛ لا على أساس الدين في الغالب بل على لاختلاف الأهواء والأغراض؛ ولذا قل أن تجد حزباً أو جماعة أو طائفة إلا وقد انشطرت على قسمين أو أكثر؛ وهذا الانقسام ليس بالأمر الجديد عليهم؛ فهذا هو العهد بهم منذ الاستقلال بل ما قبله؛ ومردُّ ذلك إلى اختلاف الأهواء؛ فالسودانيون من زمان بعيد لا تجمعهم مرجعية واحدة، بل هم شيع وأحزاب وطوائف، والعجب أن بعضهم ما زال ينتمي إلى أفكار وأحزاب صارت من تاريخ الغابرين الشيوعيون والناصريون كمثال وما زال حزب البعث له أنصاره ومروجو خرافاته في الجامعات وغيرها، ولذلك تجدهم مختلفين فيما بينهم ومع غيرهم حول قضايا مصيرية.
والإسلاميون في الأعم الأغلب ليسوا بأحسن حالاً؛ فلا توحدهم وجهة ولا تجمعهم أهداف مشتركة، بل يكيد بعضهم لبعض ويبدون العداوة والخصامَ، إلا من رحم الله، والذي يمكن عمله بالنسبة للإسلاميين أن يتفقوا على مرجعية شرعية مستقلة يصدرون عنها في تقرير مواقفهم؛ لا أقول في الأمور التفصيلية بل في القضايا العامة التي ما ينبغي أن يختلف عليها الناس.
الانتخابات القادمة تعد فاصلة في تحديد مصير السودان، فكيف يراها العلماء وأين يقفون منها؟
بالنسبة لي ولا أتحدث نيابة عن غيري ليس لديَّ تحفظ شرعي على الانتخابات كوسيلة مناسبة وفق المتاح ليختار الناس من يحكمهم، بدلاً من الاحتكام للبندقية التي انتشرت ثقافتها والتي أفضت إلى المآسي المتمثلة فيما يحدث في دارفور وجنوب السودان، وهي بديل مناسب عن الحكم الاستبدادي الديكتاتوري الذي لا ينال الناس من ورائه خيراً، وغايته إذلال العباد ونهب ثروات البلاد؛ هذا مع علمي بأن الانتخابات تشوهها ندوب وتعتريها جملة محاذير، لكنني أقول: هذا هو المتاح الآن وليس أمام الناس إلا أن يشاركوا، كما أن للانتخابات في السودان فائدة مهمة في هذه المرحلة، وهي أنها ستبين الأوزان الحقيقية لسائر الكتل والأحزاب السياسية التي يدعي كل منها أنها الممثل لأهل السودان أو لجهة منه، وهذا لا يتحقق إلا إذا كانت هذه الانتخابات نزيهة حرة، وصار لدي الناس وعي بحيث يكون التصويت لمبادئ وبرامج لا لأشخاص وأحزاب. وحبذا لو اجتمعت كلمة العلماء على موجهات عامة ومنها:
1. وجوب مشاركة المسلمين في هذه الانتخابات، وعدم جواز التقاعس واللامبالاة؛ لئلا يفضي ذلك إلى أن يثب على الحكم من لا يرجو لله وقارا
2. أن يصدر تصور شرعي عام فيما ينبغي عمله في هذه النازلة من حيث حرمة شراء الأصوات وبيعها، وأنه لا يجوز تزكية ولا انتخاب من أحاطت به أسباب الفسق وخوارم المروءة، ووجوب وحدة أهل الإسلام ودعمهم لمن كان لله أقرب وهو على شعائر الدين أحرص
3. حبذا لو كانت هناك قائمة للمرشحين مزكاة من قبل أهل العلم والفضل حتى يريحوا كثيراً من الناس ممن يصدرون في مواقفهم عن رؤية شرعية، وليس هذا من باب الوصاية على اختيار الناس، بل من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب تعديل من يجهل كثير من الناس قدره
كثير من الإسلاميين يرون أن اتفاق نيفاشا – الذي أوقف حرب الجنوب- كان جائراً بحق الشمال وحق المسلمين، وهو السبب في أكثر الأزمات السياسية التي يمر بها السودان .. ما هو الموقف الشرعي من اتفاق نيفاشا الذي يقترح أن يكون مثلاً لحل مشكلات التنوع الديني والعرقي في العالم الإسلامي وإفريقيا على وجه الخصوص؟
المعلوم أن مفاوضات نيفاشا وقبلها ميشاكوس وقبلها أبوجا جرت في ظل غياب إسلامي عربي تام، وكانت تتم تحت إشراف الأمم المتحدة ومعها النرويج وإيطاليا وبريطانيا وأمريكا وما يسمى بدول الإيقاد، وهي كما ترى مجموعات صليبية يهودية، ليس فيها جهة إسلامية معتبرة، وكان العرب والمسلمون وخاصة الدول المجاورة وكأن أمر السودان لا يعنيهم، ولم يتكرم أمين الجامعة العربية إلا بحضور التوقيع النهائي، بعدما قضي الأمر؛ فكان شاهداً على أمر لا يدرك أوائله ولا مآلاته، وهذه الاتفاقية لا تخلو من حسنات من ذلك أنها أوقفت الحرب ولو إلى حين، وأقرت حكم الشمال بشريعة الإسلام، وأتاحت نظرياً التبشير بدين الإسلام في الجنوب؛ لكنها مع ذلك اشتملت على جملة من الطوام التي تكلم عنها الناس في حينه في مناصحات سرية وعلنية، ومن ذلك:
أولاً: أخطر ما في نيفاشا أنها ألزمت الحكومة بسحب معظم الجيش السوداني القومي من الجنوب؛ وبالتالي صار الجنوب عملياً تحت رحمة عصابات وميليشيات الحركة الشعبية، التي لا تبالي بقتل وسحق وإيذاء كل من يخالفها في قليل أو كثير، وقد أثر ذلك على المسلمين وغيرهم في الجنوب
ثانياً: اتفاقية الترتيبات الأمنية ألزمت الحكومة في حال اختيار الجنوبيين للوحدة أن يكون الجيش السوداني نصفه من الحركة الشعبية التي تعادي الإسلام وتتبنى العلمانية، مع أن هذه النسبة جائرة وظالمة جداً؛ إذ ليست الحركة الشعبية هي نصف السودان من أجل أن تعطى نصف الجيش؛ فإذا تصورنا أن الحركات المسلحة في دارفور ستطالب حال الاتفاق معها بشيء مثل هذا أو قريب منه، وهي حركات في أغلبها قائمة على أسس علمانية؛ فانظر كيف سيكون حال الجيش؟ معنى ذلك أن الجيش السوداني ستكون أغلبيته معادية للإسلام وشريعته وللعروبة.
ثالثاً: الاتفاقية أفضت إلى إنشاء مفوضية لغير المسلمين في الشمال؛ مما أضعف الحكم الإسلامي غاية الضعف؛ لأن هذه المفوضية التي يرأسها جنوبي غير مسلم ظلت تمارس الضغط على حكومة الشمال، بدعوى عدم تضييع حقوق غير المسلمين؛ مما أفضى إلى التفلت الذي يظهر بادياً للعيان في الشوارع، وقل مثل ذلك في التعامل مع الخمور وغيرها من القضايا التي ما كانت تظهر قبل عشر سنوات مثلاً؛ إذ كانت الحشمة والوقار والتزام آداب الشريعة ظاهراً للناس، وقد أدى ذلك أيضاً إلى أن يطل المنافقون برؤوسهم ثانية تحت دعاوى الحرية والتحول الديمقراطي فظهر الجمهوريون أتباع الهالك محمود محمد طه، وتمدد الشيوعيون والعلمانيون في فضاء الجامعات والمدارس، وإلى الله المشتكى
رابعاً: هذه المفوضية التي أقرت لغير المسلمين في الشمال، ليس هناك مثلها في الجنوب بمعنى أن المسلمين في الجنوب لا بواكي لهم مما أفضى إلى إلغاء كثير من مظاهر الإسلام التي كانت قائمة في الجنوب؛ فأغلق فرع جامعة القرآن وديوان الزكاة والبنوك الإسلامية، بل عطلت بعض المساجد ومنع الأذان، ومنع المسلمات من الحجاب، وصار التعليم في المدارس قائماً على المنهج الكيني وهكذا
خامساً: أعطت الاتفاقية للحركة الشعبية حكم الجنوب كله؛ ولك أن تتصور أن حكومة الجنوب فيها اثنان وعشرون وزيراً ليس من بينهم مسلم واحد، ومعظمهم نصارى مع أن أغلب الجنوبيين وثنيون وليسوا نصارى، وفي الوقت نفسه تشارك الحركة الشعبية في حكم الشمال، والآن بلغ بهم الاستخفاف والأماني أن يرشحوا شيوعياً شمالياً هو نائب الأمين العام للحركة لمنصب رئيس الجمهورية
خامساً: التناقض والتشاكس الحاصل في الحكومة المركزية من جراء مشاركة الحركة الشعبية العنصرية؛ حتى إنه ليبدو للناظر أن في الشمال حكومتين لا حكومة واحدة، ففي بعض القضايا المصيرية كقضية المحكمة الجنائية الدولية ترى للحكومة رأيين وكلمتين؛ فبينما رئيس الجمهورية ونائبه ومعظم أعضاء مجلس الوزراء والمجلس الوطني يرفضون قرار الجنائية الدولية تسمع من وزراء الحركة الشعبية وعلى رأسهم سلفاكير ووزير الخارجية ما يخالف ذلك إن تصريحاً أو تمليحاً، وهو وضع لا تكاد تجد له مثيلاً في الدنيا.
هل ترى أن وحدة السودان ضرورية للبلاد ومستقبل الإسلام ولماذا؟
المسلم لا يرفض الوحدة بل يسعى إليها ويحرص عليها؛ لكن في ظل المعطيات الحاصلة الآن يحتاج الأمر إلى نظرة فقهية قائمة على نظرية المصالح والمفاسد؛ والواقع الآن أننا أعني المسلمين في الشمال والجنوب معاً ضعفاء، وكفار الحركة الشعبية ومن يسارعون فيهم من منافقي الشمال يحاولون من خلال الوحدة المدَّعاة أن يفرضوا العلمانية على السودان، فيقولون: لا بد من محفِّزات حتى تكون الوحدة جاذبة، وأولى هذه المحفِّزات عندهم أن تتاح حرية الكفر والفسوق والعصيان، وأن تُعطَّل القوانين الشرعية، وهم في ذلك مدعومون من قوى إقليمية ودولية تحت عناوين شتى، ولذلك يرى بعض الناس أنه في ظل التشرذم الإسلامي والضعف والتخاذل من قبل الدول العربية فإن الأفضل أن يضحى الناس بالوحدة في مقابل الحفاظ على أصل الدين في الشمال.
بعض العلمانيين يرون أن من محفزات الجنوبيين على الانفصال هو مواقف الحركات الإسلامية من تأييد تطبيق الشريعة الإسلامية ومناصرة الهوية العربية الإسلامية للسودان، باعتبار أن تطبيق الشريعة يبعد غير المسلمين من رئاسة الجمهورية من حيث المبدأ ويجعلهم بالتالي مواطنين من الدرجة الثانية فهل هذا صحيح؟
إنني أسأل هؤلاء: هل من الديمقراطية التي تبشرون وتتبجحون بها أن تحكم الأقليةُ الأغلبيةَ؟ أين نجد ذلك؟ هل في البلاد التي هي مثلكم الأعلى كأمريكا وبريطانيا يتاح للمسلم أن يحكم؟ ألم يتعرض أوباما حين تقدم للترشيح للرئاسة الأمريكية لحملات عاتية لمجرد أن أباه كان مسلماً بالانتماء؟ مما اضطر معه أن يؤكد مراراً نصرانيته المتأصلة، وأنه حريص على الصلاة في الكنيسة كل أحد، وهل من الديمقراطية أن تفرض الأقلية رؤاها على الأغلبية؟ ثم إنهم يلجئون إلى المغالطة كثيراً حين يزعمون أن الناس معهم؛ فلماذا لا يحتكمون إلى صناديق الاقتراع ليروا إن كان الشعب المسلم يريد للشريعة أن تحكم أم لا؟ وأنا أقول ذلك تنزلاً لا إقراراً مني بأن الحكم بالشريعة متوقف على رضا الناس. وهذه الفرية يروج لها المنافقون الداعون إلى العلمانية في سائر البلاد لا في السودان وحده؛ ليجعلوا من وجود غير المسلمين تكأة لرفض حكم الله جل جلاله (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر)
من كنسية بجوبا دعا سلفاكير الجنوبيين إلى التصويت لصالح الانفصال في 2011م حتى لا يظلوا مواطنين من الدرجة الثانية، من واقع معايشتكم للأوضاع في السودان بحكم انتسابكم إليه هل هناك تمييز بين المواطنين لهذه الدرجة التي عبر عنها رئيس حكومة الجنوب؟
لو طرحنا جملة أسئلة لأمكن من خلال الجواب عنها معرفة قيمة هذه الفرية؛ هل الجنوبيون محرومون من فرصهم في التعليم في المدارس والجامعات؟ هل هم محرومون من سكنى أحياء بعينها مثلاً؟ هل يُمنعون من ركوب المواصلات العامة؟ هل هم محرومون من تولي المناصب العامة؟ ألم يكن نائب الرئيس جنوبياً منذ عهود بعيدة؟ ألم يكن في مجلس السيادة عقيب الاستقلال عضو من الجنوب؟ هل تعرض مواطن شمالي لأي جنوبي في الشمال بالعدوان في أي يوم من الأيام حتى في أيام الحرب؛ لما سقطت الطائرة التي كان يستقلها الشهيد بإذن الله الفريق الزبير محمد صالح نائب رئيس الجمهورية وزعمت الحركة الشعبية من خلال إذاعتها كاذبة أنهم من فعل ذلك، هل عدا المواطنون من أهل الشمال على الجنوبيين فأحرقوهم أو قتلوهم أو آذوهم؟ اللهم لا، لكن بالمقابل ما الذي حصل يوم الاثنين الذي هلك فيه قرنق؟
ما هو واجب العلماء والدعاة في هذه المرحلة؟
أعظم واجب عليهم هو الدعوة إلى الوحدة الإسلامية القائمة على أخوة الدين لا الحزب ولا الجماعة وتغليب مفهوم الولاء والبراء على مفاهيم القبلية المنتنة والعنصرية المقيتة والعصبية الجاهلية، ومن الواجبات كذلك تذكير الناس بأن العاقل لا من يعرف الخير من الشر، بل العاقل هو من يعرف خير الخيرين وشر الشرين، مع تذكيرهم بنعمة الله علينا في فتح أبواب الدعوة وإتاحة الحريات للناس بقدر مناسب
إذا اختار الجنوبيون الانفصال؛ كيف ترون مستقبل المسلمين في جنوب السودان والواجب تجاههم؟
المسلمون الجنوبيون هم الطرف الخاسر حال الوحدة أو الانفصال؛ لأن الاتفاقية ابتداء لم تتعرض لهم بشيء مذكور؛ ولا شك أن مستقبلهم حال الانفصال أكثر ظلاماً؛ لأن الحركة الشعبية تحركها عنصرية بغيضة تجاه غيرها من الأعراق الأخرى، بالإضافة إلى عداوة شديدة تجاه المسلم أياً كان عرقه، أي حتى لو كان من بني جلدتهم، وهم لضيق أفقهم ينظرون إلى المسلم الجنوبي وكأنه طابور خامس أو جاسوس لأهل الشمال؛ هذا في الوقت الذي يتباكون فيه على الحريات ويطالبون غيرهم بها! وليس أمام المسلمين الجنوبيين حال الانفصال إلا أن ينافحوا عن دينهم ويدافعوا عن وجودهم، ويصبروا على ما يصيبهم في سبيل ذلك حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً؛ والواجب على إخوانهم في الشمال أن يدعموهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وإذا تعذر ذلك فليهاجروا كما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ عملاً بقول ربنا سبحانه (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا).
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف ونفع الله بكم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.