حاوره أبوسفيان الشيخ – إدارة إعلام منتدى النهضة هذا حوار مع الدكتور بسطامي محمد سعيد بمناسبة أول رمضان له في السودان بعد غيبة منه قرابة ربع قرن، يتحدث فيه عن رمضان في بريطانيا ويقارن بينه وبين رمضان في السودان، ويبدي رأيه في الإعلام في رمضان وكيفية تعامل المسلمين مع رمضان، ثم يختتم بوصفة للاستفادة من الوقت. فإلى الحوار: * ما أهم الملامح لرمضان في بريطانيا؟ عندما انتقل المسلمون للبلاد الغربية ومنها بريطانيا نقلوا معهم عاداتهم وتقاليدهم، وفي رمضان خاصة تجد نفس المظاهر التى تجدها في البلاد الإسلامية، فالمساجدعلى كثرتها تضيق بالمصلين والقائمين والمتهجدين والمعتكفين. ومعظم المساجد تقدم إفطارا يتبرع به المصلون بالمسجد والمحسنون. وكثير من العوائل المسلمة رجالا ونساء وأطفالا يذهبون للمسجد مع الغروب ويظلون فيه إلى ما بعد صلاة التراويح، وفي العشر الأواخر ربما إلي الفجر. ومما يميز رمضان أن كثيرا من الدعاة والمقرئين يأتون لإمامة الناس ولتقديم الدروس. فرمضان من أكثر الشهور نشاطا في الدعوة وفيه من الروحانيات ما لا يتصوره كثير من الناس رغم معيشة المسلمين في بلد غير مسلم. ولعل ما يساعد على خصوصية شهر رمضان في الغرب عموما تعدد الدور الذي تقوم به المساجد. فالمساجد بالنسبة للجاليات المسلمة في الغرب ليست مكانا للعبادة فحسب بل هي مركز متكامل يقوم بخدمات وأنشطة عديدة. من ذلك عقود الزواج وحفلات الزواح وسائر مناسبات الأفراح من عقيقة واستقبال وافد أو وداع مسافر. هذا في الجانب الاجتماعي وفي الجانب الثقافي هو منبر للمحاضرات والندوات ومدرسة لتعليم القرآن واللغة العربية بجانب اهتمامة بالشباب الذين يجدون فيه محضنا لرعايتهم وتربيتهم عن طريق الترفيه والرحلات والمخيمات. فالمسجد هو النواة التي تدور حولها حياة المسلم في الغرب وخلية نشطة لا يفتر نشاطها صباح مساء. * كيف وجدت رمضان في السودان بعد عقدين من الزمان؟ لا شك أن السودان قد تغير كثيرا خلال عشرين سنة. مثلا أصبحت هناك مساجد كثيرة تقرأ جزءا كاملا في كل ليلة في صلاة التراويح، ولم يكن الأمر كذلك من قبل. وأيضا فإن كثرة المقرئين والعلماء والدعاة – خاصة من بين الشباب مثل الشيخ الزين والشيخ صالح وغيرهم - مظهر آخر ملفت للنظر. ثم هناك إذاعات وقنوات تلفزيونية كلها تصبغ هذا الشهر الكريم ببرامج هادفة ومؤثرة. ولكن مع هذه الظواهر الحسنة فمن المدهش أن يلاحظ المرء ظواهر شاذه في رمضان من ملابس فاضحة في الشوارع وفي الأسواق ومن مظاهر فجور أخرى. وهذا يعنى انه ينبغي أن يكون الكثير من الجهد لتزكية المجتمع. * الإعلام الإسلامي في رمضان برأيك هل هو قادر على القيام بالدور المطلوب؟ الإعلام الإسلامي عموما والسوداني خصوصا يبذل جهدا مقدرا، لكن الآمال أكبر من القدرات المادية والبشرية. والإعلام الإسلامي لا يزال في بداية الطريق. ولعل أهم ما ينقصه المادة النافعة وفي نفس الوقت الممتعة. وتغلب عليه أنماط من البرامج مكرورة وقليلة التكلفة مثل المقابلات والمحاورات والدروس. وهذا طابع غالب عليه. ولعل المطلوب انتاج برامج أكثر عمقا وتنوعا وذات جاذبية بما فيها من متعة الجديد والمثير. وهذا أمر يتطلب قدرات فنية وبشرية ومادية كبيرة قد لا تكون متوفرة، لكن لا يمكن بدونها أن يخطو الإعلام الإسلامي إلى الإمام. * الشباب يتجهون إلى الملاهي في رمضان ويقبلون عليها بنهم، فما تعليقكم على هذا؟ لا أدري إن كنت تقصد الشباب الملتزم الصائم، لأن غير الملتزمين وغير الصائمين ليس لديهم حرمة لرمضان. ومن المظاهر المتناقضة أن كثيرا من الملاهي تقدم على أنها خاصة برمضان، وهذه فيها جرأة على حرمة هذا الشهر العظيم الذي ينبغي أن ينصرف الناس فيه إلى قراءة القرآن والصلاة والذكر وإصلاح نفوسهم، ما يكون لهم زادا طول السنة. * ما تقييمكم لفكر المسلمين في التعامل مع رمضان؟ تفيد إحصاءات كثيرة على أن نسبة الإقبال على الصوم أكثر من الإقبال على كثير من الطاعات الأخرى، وهذه ظاهرة احتار علماء النفس وعلماء الاجتماع في تفسيرها، ولكنها دليل على أن الإيمان متأصل في النفوس. ولا شك أن رمضان يحتاج لفقه خاص للتعامل معه، واغتنام فرصته. وأحسن مقياس لذلك أن تحس في قلبك بأبواب الجنة تنفتح عليك، وذلك بازدياد شعورك بلذة العبادة وبمتعة التقرب إلى الله تعالي. وكما قيل إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. فما دامت أبواب الجنة تفتح في رمضان فاسأل نفسك ما الذي نالك من نسائم الجنة في رمضان. هذا في نظري مقياس لصدق التعامل مع رمضان كما ينبغي. * وصفة ناجحة للاستفادة من الوقت في رمضان؟ مسألة تنظيم الوقت والاستفادة منه مسألة تحتاج إلى تعلم وتدريب، ولعل الخطوة الأولى في ذلك أن تتعلم أن تقول كلمة بسيطة جدا وهي كلمة لا. فمن لم يتعلم أن يقول لا لبعض ما يطلبه منه الناس من أهل وأصحاب وغيرهم ويضع لنفسه أولويات يقوم بها فسيتشتت جهده ويضيع وقته في صغائر وسفاسف ولا يتمكن من القيام بالعظائم. وليست هذه دعوة لعدم خدمة الناس أو عونهم في حوائجهم ولكنها دعوة للتوازن وترك المجاملات في الأشياء غير الضرورية. * ارتبط رمضان بأحداث كبيرة في تاريخ الإسلام، ما السر في ذلك؟ الناس عادة لا يختارون وقوع الأحداث في شهر بعينه، بل إن الله عز وجل هو الذي اختار رمضان لوقوع هذه الأحداث ومن أهم ذلك بدء نزول القرآن الذي يمكن تعليله بخصوصية هذا الشهر. ومع أنه ثابت تاريخيا أن بعض الأحداث المهمة قد وقعت في رمضان فهل كانت هناك احصائية بما وقع في الشهور الأخري من أحداث حتى نستنتج ان لرمضان سر خاص به لوقوع الأحداث الكبيرة فيه. علي أية حال الأمر يتعلق بالغيب ولا نستطيع أن نقول لم اختار الله وقوع هذه الأحداث في هذا الشهر، إلا إذا كان لدينا دليل واضح على ذلك.