عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    الخطوة التالية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وحدة لصد الحرب الغربية على الإسلام (1-2)

فإن القضية التي كلفت بالكتابة فيها هي: "المسؤولية في تحقيق الوحدة بين المسلمين: مسؤولية الحكومات، مسؤولية العلماء، مسؤولية المنظمات الإسلامية الرسمية، مسؤولية المنظمات الإسلامية الشعبية، مسؤولية وسائل الإعلام، مسؤولية الشعوب." لكنني رأيت أن أقصر الحديث في هذه الورقة القصيرة على مسؤولية هذه الفئات عن وحدة يمكن تحقيقها لأنها وسيلة إلى تحقيق هدف يهم هذه الفئات كلها. فأقول مستعينا بالله تعالى:
فالوحدة الكاملة المثالية للمسلمين هي أن يكونوا جميعا كما كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أمة واحدة ذات عقيدة لا يخالطها شرك، وعبادة خالية من كل بدعة، وخلق حسن، وعمل صالح إلا ما كان لازما للبشر من نقص في العلم، وتقصير في العمل يرجى من الله تعالى التجاوز عنه.
لكننا نعلم أنه لا سبيل اليوم إلى تحقيق هذه الوحدة المثالية لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن أمته ستختلف، وبين لنا علماؤنا أن اختلافها سيكون في مسائل من أصول الإيمان. ونحن نرى اليوم مصداق ما أخبر به الرسول وبينه العلماء. فقلوب المسلمين ليست مجتمعة الآن كلها على كل حق جاء به الدين الحق.
لكن عزاءنا أن هذه الوحدة المثالية ليست بلازمة لتحقيق الهدف الذي نرجوه، بل إن تحقيقه للمكن بوحدة أقل منها، وحدة ناقصة، بمعنى أنها لا تتطلب من الجماعات الإسلامية المختلفة أن تتنازل عن شيء من معتقداتها وآرائها، بل ولا تتطلب أن تكون شاملة لتلك الفئات في كل البلاد، بل إنها ستكون مفيدة ومجدية حتى لو اقتصرت على الفئات الموجودة في بعض بلدان العالم الإسلامي دون بعض. الذي يجعلها ممكنة هو كون الهدف المرجو أن تحققه هو هدف إذا تأملته تلك الفئات كل من وجهة نظرها وجدت أن تحقيقه من مصلحتها.
الهدف الأكبر الذي نسعى لتحقيقه هو درء الخطر الذي يتآمر الغرب بقيادة الولايات المتحدة على إلحاقه لا بهذه الفئة أو تلك من فئات المسلمين، بل بالدين الإسلامي نفسه الذي يجتمع على عموماته كل المسلمين. وهم يسمون حربهم هذه بالحرب الفكرية. فصدنا لها يجب أن يعتمد أولا على سلاحنا الفكري، وهو بحمد الله تعالى سلاح ماض. فسعينا ينبغي أن يكون في المقام الاول إقناعا لتلك الفئات بحمل هذا السلاح دفاعا عن نفسها، وهزيمة لأعدائها ونصرة لدينها.
ونحن لا نتكلم عن هذا الخطر استناداً إلى شيء اسمه بروتوكولات حكماء صهيون التي لا يدرى من مؤلفها، ولا نتكلم تمشيا مع ما يسمى بنظرية المؤامرة التي ترى وراء كل حدث تآمراً، وإنما نتكلم عنه استناداً إلى وثائق جديدة ورسمية. آخر هذه الوثائق مشروع اسمه Muslim World Outreach كتبت عنه مجلة أمريكية اسبوعية مشهورة. قال كاتبه إنه سمع بهذا المشروع السري وظل لمدة أربعة أشهر يبحث عن معلومات عنه ضمنها في مقاله[1]
مما ذكره الكاتب في هذا المقال: (في جبهة خفية أمريكا تصرف ملايين الدولارات لتغيير وجه الإسلام نفسه. هذه حرب فريدة؛ إنها أول تجربة في " الاتصالات الاستراتيجية". اجتمع لتأليفها أهم قادة أمريكا لكسب الحرب الفكرية ضد الإرهاب، اجتمعوا في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن العاصمة. كان هنالك مديرو الأزمات من البيت الأبيض، ودبلوماسيون من وزارة الخارجية، ومختصون من البنتاجون في العمليات السايكلوجية. قال Marc Ginsberg وهو سفير سابق في الجزائر: كنا في المعركة الفكرية قد نزعنا السلاح من جانب واحد لكن الأمر لم يعد كذلك. فأمريكا الآن ترد.
إن الولايات المتحدة في معركة سياسية لا مثيل لها منذ القمة التي وصلت إليها الحرب الباردة. يشترك فيها رجال من العمليات الحربية السايكلوجية إلى رجال العمليات السرية في السي آي إي، إلى وسائل إعلام ومراكز بحوث تمول علنا. إن واشنطن تصخ الملايين من الدولارات في معركة للتأثير لا على المجتمعات الإسلامية فحسب، بل على الإسلام نفسه. وافقت الولايات المتحدة على استراتيجية سرية جديدة تقرر لأول مرة أن للولايات المتحدة مصلحة أمنية في أن تؤثر في ما يجري داخل الإسلام. تعمل الولايات المتحدة (لتنفيذ مخططها) عن طريق أطرف ثالثة: الأمم الإسلامية المعتدلة، المؤسسات، والجماعات الإصلاحية[2] لتنشر قيما مشتركة: الديمقراطية، وحقوق المرأة والتسامح. في اثنتي عشرة دولة على الأقل مولت الولايات المتحدة برامج إذاعية وتلفازية، ومقررات إسلامية في المدارس، مراكز بحوث إسلامية، تدعو إلى الإسلام المعتدل. تستهدف السي آي إي وسائل إعلام إسلامية، وقادة دينيين وأحزابا سياسية، ومدت لهذا الغرض بزيادات ضخمة من المال والرجال لتساعدها على التأثير في المجتمعات الإسلامية
من تكتيكاتها:
التعاون مع المتشددين المختلفين مع القاعدة
شن خطط هجومية الغرض منها الإساءة إلى سمعة أسوأ معارضي أمريكا.
إنشاء مواقع جهادية كاذبة.
تمول في أندونيسيا ثلاثين منظمة إسلامية من برامجها: منتجات إعلامية، دورات لتدريب الخطباء، ومناهج للمدارس والجامعات. أحاديث إذاعية عن الإسلام والتسامح تبث من محطات إذاعية في أربعين مدينة، وينشر منها عمود في مئة صحيفة.
إنشاء مراكز بحوث للتدليل على التوافق بين الإسلام والدمقراطية وحقوق الإنسان.)
هذا ما جاء عن هذه الاستراتيجية الرسمية. لكن هذه الاستراتيجية تشبه إلى حد كبير استراتيجيات اقترحتها ونشرتها مراكز بحوث معروفة بصلتها بالحكومات، أهمها مركز راند Rand الذي كان قد أصدر دراسة بعنوان: الإسلام المدني الدمقراطي[3]. وتشبه آراء صرح بها كتاب من أمثال هنتجتون معروفون بصلتهم بمتخذي القرار ونيلهم لثقتهم واحترامهم. فمما قاله هذا الرجل في كتابه الشهير صدام الحضارات:
المشكلة الأساسية بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية وإنما هي الإسلام: حضارة مختلفة أهلها موقنون بسمو ثقافتهم ومهمومون ... والمشكلة الأساسية بالنسبة للمسلمين ليست هي السي آي إي، أو وزارة الدفاع. إنها الغرب: حضارة مختلفة أهلها موقنون بعالمية ثقافتهم، ويعتقدون أن قوتهم المتفوقة وإن كانت في اضمحلال تفرض عليهم واجب نشر هذه الثقافة في العالم. هذه هي العناصر الأساسية التي تشعل الصراع بين الإسلام والغرب.[4]
لم يعد تآمر الدول الغربية على الإسلام أمراً خافياً إذن رغم التصريحات الكثيرة عن احترامهم للإسلام ووصفه بأنه دين السلام، ورغم كلامهم الكثير عن حرية الاعتقاد وعن حياد نظامهم العلماني. كيف نجتمع ونتوحد لصد هذا العدوان وللمضي في نصرة ديننا بالدعوة إليه والدفاع عنه؟ إن مسؤولية الفئات المذكورة مسؤولية مشتركة، يصعب أن تقول إن حدود إحداها تنتهي هنا لتبدأ حدود الأخرى، لكننا سنحاول مع ذلك أن نذكر ما نراه يقع بالدرجة الأولى على هذه الفئة أو تلك.
مسؤلية العلماء
بما أن أقوال الناس وأعمالهم الظاهرة حسنة كانت أم سيئة إنما هي تعبير عن أحوال باطنة. (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ.) (الذاريات: 5253). (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (البقرة: 118). وبما أن وحدة المسلمين إنما هي في المقام الأول وحدة قلوب: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (آل عمران: 103 ). وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الأنفال: 63). وبما أن ما في قلوب الناس إنما هو علم أو جهل وتصور صحيح أو باطل،. وبما أن الغربيين يسمون حربهم هذه بالحرب الفكرية الموجهة إلى قلوب المسلمين وعقولهم، فإن العبء الأكبر في تحقيق الوحدة يقع على عاتق العلماء ومن يعينهم من أولي الرأي والخبراء.
علماء الأمة هم الذين يذكرون الأمة بأن كتاب ربهم قد بين لهم أن تآمر الأعداء عليهم أمر لا زم لاستمساكهم بدينهم ودعوتهم إليه، فلا غرابة في حدوثه في أي زمان أو مكان. يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (التوبة:32) وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا (البقرة: 217). ولكن إذا كانت أهداف التآمر قديمة معروفة، فإن وسائله متجددة تحتاج إلى رصد ومتابعة، وإعداد الوسائل المضادة المكافئة لها، والقادرة لذلك على درئها وإفشالها. والعلماء ومعاونوهم من أولي الرأي والخبراء هم أقدر الناس على ذلك. قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ( النساء: 83). كلمة الاستنباط الواردة في الآية الكريمة كلمة مهمة. فهم لا يعرفون الوقائع فقط فهذه قد يعرفها كثير من الناس ومنهم الذين وصفتهم الآية بإذاعتها. لكن المستنبطين يعرفون مصادر الأخبار ومراميها ويعرفون لذلك كيف يدرأ خطرها. قال الشيخ السعدي تعليقا على قوله تعالى ("لعلمه الذين يستنبطونه منهم" أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.)[5]
إن أسلحة الغرب الفكرية تتمثل الآن أكثر ما تتمثل في الدعوة إلى الدمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والتسامح. وهذه الفئة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن منازلة الغرب في هذا الميدان. إنهم هم المسؤولون عن الإجابة عن الأسئلة التي تثيرها هذه القضايا، وهم المسؤولون عن حماية الأمة من أن تتأثر بشبهاتها، أو ان تتفرق بسببها. قد يتساءل الناس ما الدمقراطية التي تريدها لنا الولايات المتحدة، وما مدى توافقها مع الإسلام؟ وما مصلحة الولايات المتحدة في نشرها؟ ولماذا تريد لنا الحرية، ولماذا تكثر من الكلام عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة؟ إننا نعلم أنها لا تقول هذا لكونها تراه حقا وخيرا، لأننا نعلم أن أهم دافع يدفعها وأهم سب تسوغ به سياستها هو ما تراه مصلحة وطنية لبلادها. فما المصلحة الوطنية للبلاد الأمريكية في تبني البلاد العربية للنظم الدمقراطية؟ وما ذا يعنون بحقوق المرأة؟ بل ما ذا يعنون بحقوق الإنسان؟ إن الغرب ينطلق في كل هذا كما يعترف المنصفون من أبنائه من ثقافته وقيمه، لكن ساسته يريدون إيهام الناس بأن ما يرونه ليس أمرا خاصا بهم وإنما هو قضايا إنسانية عالمية كما قال هنتجتون في ما نقلنا عنه. فما ذا نقول نحن؟ الإجابة عن هذه الأسئلة هي مسؤولية هذه الفئة، والإجابة الرشيدة عنها هي من أعظم وسائل جمع المسلمين ووحدتهم.
لكي تؤدي هذه الفئة مهمتها على الوجه الأكمل لا بد أن تكون هنالك صلة قوية وتعاون بينها وبين مراكز اتخاذ القرار. إنهم بحاجة إلى مراكز بحوث توفر لهم المعلومات، وتمكنهم من الاتصال بغيرهم من رجال الفكر في العالم الغربي، وتعمل على نشر ما يتوصلون إليه من فكر نظري ومقترحات عملية. وهم بحاجة إلى المؤسسات الإسلامية الرسمية ذات المقدرة جمعهم في مؤتمرات وندوات وجلسات استشارية. وهم بحاجة إلى عون من رجال الإعلام الذين يتولون نشر فكرهم بطرق عصرية جذابة سواء في شكل كتب أو مقالات أو برامج إذاعية أو تلفازية.
مسؤولية الحكومات
الحكومات هي القادرة على ترجمة أسباب الوحدة إلى مشاريع عملية تضطلع بتنفيذها. وعليه فيدخل في مسؤوليتها:
1. اتخاذ السياسات التي تساعد على جمع الأمة. وهذا أمر بدهي لأن الحكومة هي الممثلة للأمة فيجب أن تكون سياساتها تعبيرا عن دين هذه الأمة والتزاما به بقدر المستطاع. لكن الواقع أن كثيرا من حكومات العالم الإسلامي عزلت نفسها عن جماهيرها بالتزامها بأفكار مخالفة للإسلام ظنت أنه لا يمكن لدولة حديثة أن تقوم إلا بها. فجعلت من نفسها باختيارها حكومة أقلية. وهذا من أكبر أسباب بذر عوامل الاختلاف بين الناس حتى في البلد الواحد، ودعك عن الأمة بأسرها، بل هو من أعظم أسباب ضعف الحكومات الذي لا يزيد الأمة إلا تفرقا.
وقد كان لهذه العزلة سبب آخر هو اعتماد بعض حكوماتنا على التأييد الغربي ولا سيما الأمريكي. ومن المعروف أن هؤلاء لا يؤيدون نظاما إلا إذا اشترطوا تحقيقه لبعض مصالحهم القومية أو القيمية. كانت أمريكا إلى وقت قريب ترى أنه من مصلحتها أن تؤيد الحكومات غير الدمقراطية لتجعل منها وسائل لمحاربة خصومها من الجماعات الإسلامية. وكانت بعض هذه الحكومات هي الأخرى تستغل هذا الضعف الأمريكي لتسكتها كلما طالبت بما تسميه بالإصلاحات الدمقراطية. أما الآن فإن أمريكا تقول إن عدم الحريات في العالم العربي كان من أسباب وجود الجماعات المتطرفة التي تهدد مصالحها. فهي الآن تريد من الحكومات أن تكون دمقراطية، وتهددها بأنها إن لم تفعل ذلك فستسلط عليها تلك الجماعات المتطرفة بأن تعلن عدم اعتراضها على مجيئها للسلطة إذا ما اختارها الشعب بطريقة دمقراطية!
2. والحكومات هي القادرة على تنفيذ السياسات التربوية والإعلامية التي تساعد على وحدة الأمة وعزتها. لكن أعداء الأمة كما رأينا يريدون لهذه السياسات أن تكون خادمة لمصالحهم ومعبرة عن قيمهم.
3. وبما أن ضعفنا الاقتصادي والعسكري هو الذي يلجئ كثيرا من حكوماتنا إلى السمع والطاعة للغرب، وبما أن هذا الالتجاء كثيرا ما يحدث بطريقة فردية كل دولة تحاول ان تكون هي موضع الثقة عند من تحتاج إلى سنده، فإن هذا مما يزيد من الخلاف والشقاق بين الدول الإسلامية.
4. إذا كان سبب هذا الاعتماد على الغرب وما ينتج عنه من مسخ للأمة واختلاف بينها، فإن علاجه الحاسم إنما هو بالاخذ بأسباب القوة المادية اللازمة في عصرنا: العلوم الطبيعية والتقنية. وقد أخذت كل من دولنا بحمد الله تعالى حظها من هذه الأسباب، وإن كان بعضها أكثر تقدما فيها. ما ذا لو رسم خبراؤنا مشاريع مشتركة في هذا المجال؟ ماذا لو كانت لنا جامعات علمية عربية يؤمها الطلاب النابغون من كل انحاء العالم العربي؟ ما ذا لو كانت لنا مجلات علمية يكتب فيها المختصون من كل بلادنا ويقرؤها الناس في كل أقطارنا؟ لماذا لا نهتم بتبسيط العلوم وجعلها أمرا ميسرا لعامة المثقفين كما تفعل الدول الغربية بل كما تفعل الهند؟
إن الضعف المادي يكون سببا في شعور الأمة بالنقص، بل كثيرا ما يستغله الاعداء للتدليل على صحة معتقداتهم وتفوقها: وَإِذَا تتلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا. وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ( مريم: 73-74 )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.