فإن القضية التي كلفت بالكتابة فيها هي: "المسؤولية في تحقيق الوحدة بين المسلمين: مسؤولية الحكومات، مسؤولية العلماء، مسؤولية المنظمات الإسلامية الرسمية، مسؤولية المنظمات الإسلامية الشعبية، مسؤولية وسائل الإعلام، مسؤولية الشعوب." لكنني رأيت أن أقصر الحديث في هذه الورقة القصيرة على مسؤولية هذه الفئات عن وحدة يمكن تحقيقها لأنها وسيلة إلى تحقيق هدف يهم هذه الفئات كلها. فأقول مستعينا بالله تعالى (مواصلة لما سبق): مسؤولية المنظمات الإسلامية الرسمية هذه المنظمات الرسمية هي التي تقوم بمهمة الوسيط بين الحكومات من ناحية وبين العلماء والمنظمات الشعبية من ناحية أخرى. فهي التي تتابع نشاط أولئك وتعمل على جمعهم وتوثيق الروابط بينهم. وهي بما لديها من إمكانات قد لا تتوفر لأولئك التي تدعوهم لمؤتمرات وندوات عالمية أو على مستوى بعض الأقطار. وهي التي تحول تنظر في آرائهم ومقترحاتهم لتحول ما يمكن تحوله منها إلى مشاريع عملية تتولى الحكوما تنفيذها. مسؤولية المنظمات الإسلامية الشعبية المنظمات الإسلامية الشعبية كثيرة وذات أهداف مختلفة، فمنها ما هو أقرب للعمل السياسي كالأحزاب الإسلامية، ومنها ما هو أبعد شيء عنه، لكنها كلها قابلة لأن تكون سببا من أسباب الوحدة بين المسلمين أو سببا من أسباب تفرقهم واختلافهم. إن الخلاف نفسه شر، لكن شره يزداد حين يؤدي إلى عدم نصرة المسلمين بعضهم لبعض، ويتعاظم أكثر حين يؤدي ببعضهم إلى نصرة بعضهم للعدو الكافر على المسلم. هذا الأخير في رأيي هو أعظم أسباب ضعف المسلمين وأعظم الأسباب التي تساعد العدو على تنفيذ كيده بهم. ولو أن الفئات التي تسارع إلى الانضمام إلى صفوف العدو تدبرت الأمر لوجدت أنه ليس من مصلحتها، بل لوجدت أنه يساعد العدو على ضربها هي في النهاية. يعلم العدو مثلا أن كثيرا من الجماعات الإسلامية على خلاف كبير مع من يسمونهم بالوهابية، فيقول لهم إنه أيضا عدو للوهابية فتعالوا نتعاون على حربها. فيقولون ولم لا؟ لكنهم لا يدركون أن حربه للوهابية ليست نهاية المطاف بل نهاية المطاف عند هذا النوع من الأعداء هو أن يتحول المسلمون عن الإسلام إلى دياناتهم هم: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( البقرة:120) وإنما يريد أن يبدأ بهم لأنهم يمثلون في رأيه خط الدفاع الأول عن الدين الإسلامي الذي هو هدفه. ولا يدركون أن اختلافه مع الوهابية ليس كخلافهم هم معها، بل إنه ليعاديهم بسبب مشترك بينهم وبين الوهابية. فإذا كانوا هم يعادون الوهابية لأنهم صوفية مثلا، أو لأنهم أشعرية، أو لأنهم يخالفونها في مسائل عقدية مثل الدعاء والاستغاثة والذبح، فإنه لا يحاربهم من أجل هذا، وإنما يحاربهم لأنه يراهم متشددين في اعتقادهم بأن القرآن كلام الله حقا، وأن كل ما قاله الرسول فهو حق أيضا، وأنههم لا يقرون أي تحريف أو تبديل لدين الله، وأنهم يعادون أعداء الله. لكن هذه كلها قضايا يشترك في القول بعموماتها كل المنتسبين إلى الإسلام. فمحاربة الوهابية أو غيرها من الجماعات التي يراها الغرب متشددة في الاستمساك بها هي بداية حرب لسائر المسلمين، وأنه إنما يريد أن يتحذ خصومهم آلات في هذه الحرب، فإذا ما فرغ منهم أقبل على هؤلاء الذين اتخدوه وليا لهم. وكما يستغل الخلاف العقدي فإنه يستغل الخلاف في صورته السياسية. حدث هذا في أفغانستان حيث تصور خصوم طالبان أن أمريكا إنما جاءت لتخلصهم من عدوهم الذي اغتصب الحكم منهم فتعيده إليهم. لذلك وقفوا معها وساندوها حتى قضت على حكومة طالبان ثم ركلتهم. وحدث مثل هذا في العراق أيضا. إن الخلاف السياسي بين بعض الجماعات وحكوماتها، وبعض المفكرين وحكوماتهم قد يجعل بعضهم يلجؤون إلى ما أسميه بالمعارضة الجاهلية، وأعني بها المعارضة التي تركز على تتبع أخطاء الحاكم وزلاته وقصوره وأنواع فشله، فتذيعها وتفرح بها. أما حسناته وإنجازاته فتغض الطرف عنها وترى أن الثناء عليه بها نوع من النفاق. هذه معارضة جاهلية أما المعارضة العادلة فهي التي لا توافق على الخطأ لكنها تسعى لإصلاحه، ولا تتردد في تأييد الصواب بل تعين عليه. وفي هذا الموقف العادل يقول الإمام ابن القيم تعليقا على صلح الحديبية: ... ومنها أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمرا يعظمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى اجيبوا إليه وأعطوه، وأعينوا عليه، وإن منعوا غيره. فيعانون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبغيهم، ويمنعون مما سوى ذلك. فكل من التمس المعونة على محبوب لله مرض له، إجيب إلى ذلك كائنا من كان، مالم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه. وهذا من أدق المواضع وأصعبها، وأشقها على النفوس.[6] ماذا لو أن هذه الجماعات والحكومات قالت إن الشر الناتج عن الخلاف بيننا هو مهما كان أقل من الشر الناتج عن تسلط العدو علينا. فلماذا لا نتصالح على وضع يسد هذه الثغرة التي يدخل منها العدو. لماذا لا نتصالح على نظام سياسي يتناسب مع واقعنا وظروفنا فلا يكون استبداديا كما كان عدونا يريده، ولا يكون ديمقراطيا بالواصفات التي يريدها الآن، نظام تلتزم فيه الجماعات الإسلامية السياسية بانتهاج الوسائل السلمية، وتلتزم فيه الحكومات بعدم التعرض لها إذا ما هي سلكت هذا السبيل. لماذا لا تدرك الحكومات أن سندها الحقيقي بعد الله تعالى إنما هو السند الذي تجده من شعبها فتحاول أن لا تعادي فريقا منهم معاداة تلجئه إلى وسائل العنف. ولماذا لا تقول الجماعات لنفسها إننا لن نسمح للخلاف بيننا وبين حكوماتنا أن يكون بابا يدخل منه العدو إلى بلادنا. نعم إننا لسنا راضين عن سياسات حكوماتنا، ونريد لها أن تكون أكثر التزاما بالإسلام، لكن منازلتها لن تؤدي إلي هذه النتيجة كما أثبتت تجربة بعض الجماعات في مصر فكفوا عن الصراع مع حكومتهم وقالوا في تسويغ ذلك إنه لم يؤد إلا إلى قتل المسلمين من الطرفين. هنالك جماعات لا يمكن التصالح معها، وأعني بهم أولئك الذين يسميهم العدو بالإصلاحيين الذين هم في الحقيقة حزبه وممثلوه في داخل الوطن الإسلامي. فهم معه في معتقداته وسائر قيمه، ومعه في عاداته وتقاليده، وهم المؤيدون لكل سياساته العدوانية تأييدا يفوق أحيانا تأييد أهل تلك البلاد لها. هؤلاء هم الذين يريد لهم العدو أن يكونوا في مراكز الصدارة في البلاد الإسلامية، في مراكز الصدارة السياسية والإعلامية والتربوية والاقتصادية كي يساعدوه على تغيير وجه الإسلام. هؤلاء المارقون قلة لا جذور لها في الشعوب الإسلامية، لكنها هي الفئة التي يريد العدو فرضها على الحكومات في البلاد الإسلامية. وبما أنها تخدم مصالحه فإنها تعمل ضد مصالح تلك الحكومات وتزيد من بعدها عن شعوبها وهو بعد يستفيد منه العدو، لأنه حين يوهن من العلاقة بين الحكومات وشعوبها يزيد من اعتمادها عليه. فهؤلاء المارقون يجب أن يعاملوا معاملة العدو وإن كانوا من أبناء جلدتنا ويتكلمون بلساننا وينتسب بعضهم إلى ديننا. إنهم بمروقهم عن هوية الأمة وانتمائهم إلى أعدائها لا تزداد الأمة بالتصالح معهم إلا وهنا. "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا" (التوبة:47) الإعلام. بما أن الحرب حرب فكرية فإن الإعلام من أهم وسائلها. ولذلك فإن الولاياتالمتحدة أنشأت للتأثير في العالم العربي قنوات ومحطات إذاعة، ومواقع شبكية، ومجلات تمول تمويلا رسميا. هذا إلى جانب من يشترونه من رجال الإعلام ومؤسساته في بلادنا. فإذا كانت فئة العلماء والخبراء هي المسؤولة عن إنتاج الفكر الوحدوي، فإن رجال الإعلام (ونساءه) هم المسؤولون عن إيصال هذا الفكر إلى الناس بوسائلهم المتعددة وطرقهم الجذابة. كما أنهم هم المسؤولون عن نقل مشاعر الناس ومشكلاتهم إلى العلماء والخبراء الذين قد يميلون إلى شيء من عدم المخالطة للجماهير. بيد أن اتخاذ الإعلام وسيلة إلى وحدة الأمة وعزتها ينبغي أن لا يترك لاختيار الأفراد أو الشركات؛ فقد رأينا أن بعضها يمكن أن يشترى ويكون معبرا بلسان عربي عن فكر كله غربي، وبوقا للدعاية إلى طرق الحياة الغربية، ومدافعا عن المواقف والمصالح الغربية دفاعا قد يستحيي المتعصبون من الغربيين عن التفوه مثله. لا بد إذن من وضع مواثيق بين الإعلاميين، لا بد من أن يتوحدوا هم في العمل لوحدة الأمة. بل لا بد من أن تتفق الحكومات على حقوق إعلامية للفرد المسلم تمنع من نشر الرذيلة والدعاية لها. خاتمة إننا لا نتحدث بحمد الله تعالى من فراغ، بل إن كثيرا مما ذكرنا هو أمر واقع أو فكر شائع، وكلامنا هذا إنما هو نصرة له وتأييد، لأن مثل هذه القضايا لا يكفي لتحقيقها أن تكون مجرد أوراق تقرأ او لا تقرأ في مؤتمرات وندوات أكادمية، بل يجب لكي تكون فكرا شائعا ومؤثرا أن يتصرف القول فيها ويكثر الداعون إليها كل بوسيلته وطريقته عسى أن يحقق الله الأمل ويجيب الدعاء. وحسبنا الله ونعم الوكيل. الهوامش [1] Hearts, Minds, and Dollars by David E Kaplan http://www.usnews.com/usnews/news/articles/050425/25roots.htm 25 April 2005 [2] يعنون بها الجماعات التي تسعى لتحريف الإسلام كي يتوافق مع القيم الغربية [3] Cheryl Benard, Civil Democratic Islam: Partners, Resources and Strategies. [4] Samuel Huntington, The Clash of Civilizations and the Remaking of the World, Simon & Schuster, New York, 1996, pp. 217-8. [5] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تأليف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، دار المنار، القاهرة. [6] زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، ج 3 ، الطبعة 15، 1407ه1087م ، مؤسسة الرسالة، ص303.