لما كان العام العاشر بعد الضربة الكبرى التي سددها تنظيم "القاعدة" في قلب الولاياتالمتحدة التي يعتبرها رأس "العدو البعيد" تحرك الشباب في عدد من أهم البلاد العربية لتغيير الأوضاع في بلادهم بطريقة مناقضة تماما لتلك التي ظل هذا التنظيم يدعوهم إلى اتباعها. بدأ الهتاف الذي صار مشهورا "سلمية.. سلمية" في ميادين وشوارع هذه البلاد دليلا لا يخطئ على أن الغالبية الساحقة من شباب العرب لا يربطهم رابط ب"القاعدة". أثار ذلك توقعات بقرب انحسار ظاهرة العنف ذي الخلفية الدينية في مجمله، وليس فقط إرهاب "القاعدة"، وبات الربيع العربي مؤذنا بغروب شمس "القاعدة" التي كانت قد نجحت العام الماضي في استعادة جزء لا بأس به من تأثيرها بعد أن ابتكرت أساليب جديدة للإفلات من الحصار المفروض عليها في إطار الحرب ضد الإرهاب، وجاء مقتل زعيمها أسامة بن لادن ضربة قامة لها، في الوقت الذي يغير "الربيع العربي" أجواء أسهمت في ظهورها وانتشارها. فقد بدأ الوهج الذي تميزت به رسالتها العنيفة في الخفوت بسبب التحول إلى أجواء تسودها ثقافة التغيير السلمي للمرة الأولى في تاريخ العرب الحديث والمتوقع أن يزداد خفوتها بعد غياب ابن لادن الذي مثلت قيادته مصدر إلهام لبعض الشباب حتى حين كان مختبئا ومحاصرا. يصعب على أي تنظيم الاستمرار عندما يفقد رسالته وقيادته في آن معًا، وربما أيضا سريته التي مكنته من أن يكون رقما في المعادلات الدولية لسنوات، فالمعلومات التي عادت بها القوات الخاصة الأمريكية من مقر بن لادن الذي كان حصينا في آبوت آباد قد تكون أكثر أهمية من جثته التي دفنت في البحر، فقد استولت هذه القوات على خمسة أجهزة كمبيوتر وعشرة أجهزة تخزين إلكترونية وأكثر من مائة اسطوانة مضغوطة وأشرطة فيديو وآلاف الوثائق والأوراق والملفات، وهذا "كنز" قد يجعل قيادة "القاعدة" المركزية في حال شلل لفترة من الزمن في الوقت الذي تأخذ منظماتها التي توطنت في بضع المناطق وخصوصا في أفغانستان واليمن والعراق وشمال أفريقا وغربها في الانحسار. وشتان بين حال "القاعدة" في العام الجاري على هذا النحو وما كانت عليه في السنة الماضية التي كانت من أكثر سنواتها انتعاشا منذ 2001 بمعيار معدل الهجمات الإرهابية ووفقا لمصادرة موثوقة من بينها تقرير وزارة الأمن الوطني الأمريكية. كانت المفارقة في العام الماضي في أن تحقيق نجاح في ضرب قوى أصولية عنيفة أخرى أدى إلى توفير فرص جديدة ل "القاعدة" في بعض الحالات. وينطبق ذلك بصفة خاصة على منطقتي قندهار وهلمند، إذ أضعفت الضربات المتلاحقة حركة "طالبان" التي كانت مسيطرة على هاتين المنطقتين. فحدث فراغ ملأته جماعات تتبع "القاعدة". الحال أن القاعدة ظلت قادرة على التطور والانتشار وليس فقط على تسديد ضربات حتى بزوغ الربيع العربي بالرغم من عالمية الحرب التي استهدفتها منذ هجمات سبتمبر 2001، ولذلك لم يقدر من تحدثوا عن انحسارها في السنوات الأخيرة دلالة صمودها في مواجهة هذه الحرب، ونجاحها في بناء عدد متزايد من الركائز، فقد ركزوا على اضطرارها للتحول إلى العمليات الصغيرة، واعتبروا ذلك دليل تراجع. وأغفلوا أن هذا تحول تكتيكي، لأنهم لم يربطوه بزيادة انتشارها من خلال منظمات محلية ترتبط بها، فمن المغرب العربي إلى اليمن صار لها وجود في جناحي العالم العربي. هذا فضلا عن نجاح القاعدة في استخدام شبكة الإنترنت، حيث ملأت المواقع الإلكترونية المتعاطفة معها والمؤيدة لها بكل ما تصور قادتها أنه قد يسلب لب شبان يائسين أو غاضبين ودفعهم صوب الإرهاب دون حاجة إلى تنظيم. هؤلاء الشبان هم الذين سيقل إقبالهم على فكر القاعدة في الفترة المقبلة بعد أن تغير المشهد في المنطقة وعرفت الشعوب طريقها إلى الشارع للتعبير عن مطالبها، وغاب الرمز الذي آلهم بعضهم أنه لا سبيل إلى أي تغيير إلا العنف، ولذلك بات طريق القاعدة إلى تجنيد أعضاء وأنصار جدد لا حياة لهم بدونهم أكثر صعوبة وأشد وعورة. هذا هو ما يجعل الاعتقاد في أنها دخلت مرحلة العد العكسي صائبا بالرغم من نجاح قد تحققه هنا أو ضربة تسددها هناك، وربما يسجل التاريخ أنه إن حل العام العاشر بعد أكبر ضربة سددتها في قلب العدو البعيد حتى كانت نهايتها اقتربت، ولكن هذا كله يظل مشروطا باستمرار الربيع العربي كما بدأ في صورة احتجاجات وثورات سلمية وعدم السماح لبعض النظم العربية باستدراج معارضيها إلى مواجهات مسلحة.