الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صعود الاسلاميين: دلالاته ومآلاته (1 -2)

من التحولات الكبيرة التى شهدها العالم الإسلامي بعد ثورات الربيع العربي، صعود الإسلاميين وتسلمهم زمام السلطة في عدد من البلدان، وهو تحول شد أنظار العالم أجمع إليه. وقد تناول المفكر السوداني غازي صلاح الدين هذه الظاهرة بالدراسة ، راصدا أسبابها ومستقرئا لمستقبلها في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها. وفيما يلي الحلقة الأولى من هذه المحاضرة:
مقدمة
يلزم في مقدمة هذه المحاضرة تعريف المقصود بالإسلاميين وبصعودهم. إن الإسلام، أو الدين عموما، من حيث نفوذه على السياسة، لم يغب عن الساحة العامة في أي حقبة من تاريخ البشرية العام أو تاريخ المسلمين الخاص. ففي الإسلام نصب الإمام واجب، كما هو معلوم، عند السنة وفريضة عند الاثني عشرية. وعبر التاريخ الطويل وظف أغلب الحكام الدين لإضفاء مشروعية على حكمهم، حتى إن كانوا علمانيين أو غير ملتزمين بضوابط الدين في معتقداتهم ومعاملاتهم.
وفي الحقبة الحديثة، عندما ظهرت الأحزاب السياسية في العالم الإسلامي بسبب الاحتكاك بالحضارة الغربية، عملت بعض الأحزاب الموسومة بالتقليدية على تكريس نمط قيادة مرتبطة بأطروحة دينية. وأحيناً أخرى كان الارتباط من خلال سند طائفي ديني.
هذه الأنماط الموصوفة أعلاه، التاريخي منها والمعاصر، لا تندرج في مصطلح الحركات أو الأحزاب الإسلامية، أو باختصار الإسلاميين. ما يندرج في المصطلح المذكور هي الجماعات التي انطلقت من رؤية كلية معاصرة للإسلام، بحيث أصبح الإسلام عندها محدداً فقهياً وضابطاً شاملا لكل مشارب الحياة بما في ذلك السياسة العامة، مع الاعتبار بحقائق العصر وخصائصه. وقد انبثقت تلك الرؤية من فكرة أساسية هي أن الحياة كلها، الخاصة والعامة، ينبغي أن تكرس لعبادة الله، لقوله سبحانه وتعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
يختلف الدارسون في تقصي أصول هذا التيار الحديث، لكن كثيراً من الذين كتبوا حول الموضوع افترضوا أن المحاولات الأولية التي قام بها جمال الدين الأفغاني في دعوته إلى"الوحدة الإسلامية" مثلت وعياً مبكراً بالحاجة إلى رؤية معاصرة يواجه بها المسلون المتفرقون الموجة الاستعمارية التي نشطت في القرن التاسع عشر. وكما هو معلوم فقد جعل ذلك المزج ما بين السياسة الدولية والإسلام من الأفغاني شخصاً غير أثير لدى الحكام فنفي أكثر من مرة.
وبرغم الفوارق الشخصية والفكرية بين الأفغاني وحواريه الإمام محمد عبده، وبرغم اعتراض كثير من الإسلاميين على اجتهادات الأخير، فإن إنتاجه الفكري والفقهي الثر مثل محاولات لصياغة استجابات معاصرة للتحدي الحضاري الغربي. وقد أثّر كلا الرجلين، ولا يزالان يؤثّران، على تفكير كثير من المسلمين المعاصرين.
لكن نقطة التحول الأهم في نشأة التيار الإسلامي جاءت مع قيام الحركة التي أسسها حسن البنا والتي وضعت أساساً أوضح وأشمل لفكر الإسلاميين. لم توفر أفكار حسن البنا إطاراً فكرياً فحسب، بل أضافت قوة عملية لتلك الأفكار من خلال إنشاء تنظيم يجسدها ويدفع الدعوة إليها. ومن هنا تفرع ما أسمي الفقه الحركي الذي كان له دور كبير في تشكيل مفاهيم الإسلاميين في العمل العام وتوليد منظومة جديدة من الأفكار والاجتهادات لمقابلة القضايا المعاصرة. منذ ذلك الوقت لم تعد أفكار الإسلاميين محض جدليات نظرية في الصحائف، لكنها تحولت إلى حركة حيه تتحدى كل صباح الأنماط والتقاليد السائدة.
لكن الفكر الذي ورّثه البنا تعرض لإضافات وتعديلات مهمة. من ذلك ما ورد من أفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودي التي يرى فيها كثير من ناقديهم تأسيساً لمفاهيم العزلة والتكفير.
سيكون من المفيد للدارسين المتعمقين، أن يقارنوا تطور فكر الإسلاميين في السنوات العشرين الأخيرة ليروا مفارقته لبعض الاتجاهات الأساسية لفكر البنا وما تلاه من أفكار سيد قطب والمودودي؛ في قضية الحاكمية على سبيل المثال التي تتخذ حيزاً أقل أهمية في الخطاب الإسلامي الحالي مقارنة بما كانت عليه قبل عقدين أو ثلاثة. وكثير من أفكار الإسلاميين اللاحقة تطورت من خلال مجادلة حية مع الواقع دون أن تنتسب لشخص بعينه ولذلك فهي أمكث وأبقى في المستقبل من الأفكار التي قوبلت برفض شديد من قبل الإسلاميين وغيرهم، كالأفكار التكفيرية. ويمكن في النهاية ان نفترض مساراً لمستقبل الفكر الإسلامي المعاصر والحركات الإسلامية تأسيساً على قابلية تلك الحركات وأفكارها للتطور.
صعود الإسلاميين
ينحوا بعض المعلقين على الأحداث إلى الاعتقاد بأن صعود الإسلاميين عبر الإنتخابات هو ظاهرة جديدة حدثت جراء ما سمي بالربيع العربي. وهذا اعتقاد غير دقيق قد يؤدي إلى استنتاجات غير صحيحة. إن صعود التيارات الإسلامية عبر الانتخابات يمتد إلى ما قبل الفترة الراهنة بأكثر من عقدين. بل إن من الإسلاميين من يؤمن بأن رصيدهم الاقتراعي ظل دوماً متقدماً عن ما لدى الآخرين لو أنه اقيمت انتخابات نزيهة. وهذا بالطبع قول لا يمكن إثباته أو نفيه في غياب إختبار انتخابي عملي. أما إذا أردنا أن نحدد بدقة قوة الإسلاميين الاقتراعية فعلينا الاحتكام إلى الاختبارات الموضوعية التي وفرتها الانتخابات التي جرت في عدة دول إسلامية.
كان أول صعود مفاجئ للإسلاميين في السودان في انتخابات 1986م، حيث برزت الجبهة الإسلامية القومية قوة ثالثة أمسكت بميزان السلطة بين القوتين الأخريين. وقد ساد إعتقاد بأن تلك النتيجة كانت ظاهرة سودانيه محضة إرتبطت حصراً بفاعلية الحركة الإسلامية في السودان. لكن ما إن مضت سنوات قليلة حتى تكررت الظاهرة بصورة أقوى وأكثر جماهيرية في تجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية التي حصدت غالبية الأصوات في انتخابات حرة عام 1991. ثم لم تمض أعوام قليلة حتى انتقلت الظاهرة إلى تركيا بفوز حزب الرفاه الإسلامي بقيادة البروفيسور نجم الدين أربكان الذي أصبح أول رئيس وزراء إسلامي منتخب عام 1996، إلى أن أزيح وحل حزبه بواسطة العسكريين الأتراك الذين ندبوا أنفسهم لحماية العلمانية الأتاتوركية. لكن الإسلاميين الأتراك ما لبثوا أن عادوا أقوى من ذي قبل، في دورتين انتخابيتين متعاقبتين ابتداءً من 2002م، تدفعهم إنجازات اقتصادية واجتماعية محسوسة، هذه المرة تحت راية حزب التنمية والعدالة بقيادة رجب طيب أردوغان. ولأول مرة يشغل الإسلاميون مقعدي رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية في تركيا. ثم جاءت الانتخابات التشريعية الفلسطينية سنة 2006 التي فازت فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأغلبية مريحة وكوّنت الحكومة الفلسطينية.
والآن تشغل الساحة سبعة حكومات تكونت أو في طريقها للتكوين يغلب عليها الإسلاميون، في مصر، تونس، والمغرب، ليبيا، وبالطبع قبل ذلك تركيا والسودان وفلسطين.
إن تتابع فوز الإسلاميين في فترة وجيزة بعد أحداث الربيع العربي صرف اهتمام المراقبين عن تدبر هذه التحولات من جذورها، خارج إطار الأحداث الأخيرة في البلاد العربية. إن الدراسة المتأنية لأسباب هذه التحولات يجعل من التقويم أكثر موضوعية والتنبؤ بما يحمله المستقبل أكثر دقة.
قوة الإسلاميين وجاذبيتهم
صعود الغرب المادي والثقافي، ثم استيلاؤه على المنطقة الإسلامية، شكل أكبر حافز لنشأة التيار الإسلامي. ولم يكن مدهشاً أن يقتبس ذلك التيار نفسه من أدوات الغرب وآلياته، وربما حتى من أفكاره، ليتصدى للتحديات التي واجهته. هذه ظاهرة معلومة في التاريخ، أن يقتبس المغلوب من مفاهيم الغالب وأساليبه. والغرب نفسه أسس نهضته على ما اقتبسه من أدوات العلم والمعرفة التي برع فيها المسلمون، فليس من المفارقة إذن أن تكون بعض عناصر قوة الإسلاميين ناشئة من حسن اقتباسهم من التجارب الغربية. على سبيل المثال فإن واحدة من أهم عناصر قوة الإسلاميين هي قوة التنظيم وفاعليته، وهي فائدة مستمد من علوم التنظيم والإدارة الحديثة التي تطورت في الغرب. بل إن بعضهم يزعم أن الإسلاميين قد استفادوا حتى من التجارب التنظيمية لأعدائهم المذهبيين وهم الشيوعيون. هذه الملكة أعطت، وما تزال تعطي، الإسلاميين ميزة نسبية في أي نشاط تعبوي، سواءً كان انتخابات عامة، أو حملات سياسية، أو مطالبات فئوية.
وهذه الخبرة، يتعدى أثرها محض القدرة على الانضباط والكفاءة التنظيمية إلى المهارة في تشكيل تنظيمات جديدة، فئويه ونقابيه واجتماعية تعين على استيعاب جمهور متعدد الإهتمامات والأولويات. فلم تعد الأسرة، ولا الوحدة التنظيمية، ولا الخلية هي وحدها الوعاء الذي تعمل من خلاله الجماعة، ولكن ما وراء ذلك من مواعين شعبية تنظم الأداء الجمعي و تحيط باهتمامات الموالين والمتعاطفين المتعددة. وهكذا لم تعد العضوية مقتصرة على أصحاب الاهتمامات الدعوية المباشرة، لكنها تعدت إلى كل فئات المجتمع من مثقفين وعلماء وطلاب وتنظيمات نسائية وروابط فنية وثقافية ورياضية..إلخ.
من الصفات التي تكسب الحركات الإسلامية قوة داخلية وتعطيها ميزة على كثير من منافسيها هي القدرة على تبني مبادرات جديدة في المجالات الاجتماعية والثقافية، وحتى الرياضية؛ وهذا يحقق هدفين: أولا، يجعل تلك الحركات قريبة من قاعدة المجتمع، وثانياً، يشجع عضويتها النشطة والمتحفزة لإنتاج مبادرات جديدة تضمن لها الجماعة الحماية والرعاية. إن هذه الصفة، التي تفتقد في بعض التنظيمات الأخرى، تستقطب بصورة خاصة الشباب الذين يجدون من خلالها متنفسا لطاقاتهم الجسدية والفكرية، وهي لذلك واحدة من أقوى عوامل جذب الإسلاميين.
في معظم نماذج الاستبداد والاضطهاد التي عرفها العالم الإسلامي في مائة الأعوام السابقة نال الإسلاميون نصيباً وافراً من الملاحقة والعقوبة. وفي أحداث الربيع العربي الأخيرة قدموا أمثلة للاستعداد للتضحية في سبيل أفكارهم وتلقي العقاب بسببها، بالسجن أو التشريد أو الاستشهاد. وقد أكسبهم ذلك رصيداً نضالياً واعترافاً بالاستحقاق من جمهور الناس. وسيبقى هذا الرصيد ما ظلت تضحيات الإسلاميين حية وشاخصة، وما لم يتحولوا هم أنفسهم إلى أدوات اضطهاد لخصومهم.
إن الإسلاميين ليسوا ليبراليين في الأساس، بل هم أقرب إلى المحافظة في أفكارهم الاجتماعية، وهو ما قد يضعف جاذبيتهم في مجتمعات تزداد نفوراً من تجارب الهندسة الاجتماعية، وتقييد السلوك، وتحديد الخيارات الشخصية . لكنهم يعوضون ميلهم نحو المحافظة في المجال الاجتماعي بقدرتهم على تبني أفكار جديدة ومبتكرة في الجانبين السياسي والاقتصادي. ويكفي في المجال الإقتصادي، على سبيل المثال، أن الإسلاميين قدموا محاولة جريئة لمنافسة النظام الاقتصادي الغربي، الذي أصبح، من قوته، يحدد المعايير للنظام الاقتصادي العالمي. ومع الفوارق الكبيرة بين ما حققه الاقتصاد الغربي وما حققه الاقتصاد الإسلامي حتى الآن، من حيث الكم، فلا مشاحة في أن الإنهيار الكامل للإقتصاد السوفيتي والأزمة الحرجه التي يواجهها النظام الإقتصادي الغربي، وهي أزمة أبرزت إلى السطح جدلاً ليس في جزئيات ذلك النظام بل في كلياته وأفكاره الأساسية، لا مشاحة في أن ذلك أعطى قدراً من المصداقية لمبادئ الاقتصاد الإسلامي إن لم يكن للحلول العملية التي يقترحها. وينبغي الملاحظة هنا أن تلك المكتسبات في مجال الاقتصاد الإسلامي نتجت بصورة أساسية، على الأقل في مراحلها الأولى، من مجهودات فردية وجماعية في معظمها لم تكن مرتبطة بخطط الدول والحكومات أو معتمدة على دعمها. بل إن بعض الحكومات حاربت التجربة الاقتصادية الإسلامية، ثم رضخت لها لاحقاً بدرجة محدودة. هذه القدرة على العمل والإنجاز المؤثر الذي يعدل النظم القائمة أو يغيرها، بمعزل عن دعم الحكومات، وأحياناً برغم عدائها أعطى التجربة الإسلامية استقلالا وقوة.
بنفس القدر الذي يشكك فيه البعض في ليبرالية الإسلاميين، يشكك آخرون في التزامهم الديمقراطي، ويرون أن الحماس الذي يبديه الإسلاميون نحو الديمقراطية هذه الأيام ليس نابعاً من التزام حقيقي سيصمد أمام اختبارات السياسة، لكنه نابع من مصالح ظرفية. الأيام وحدها هي التي ستبدي صحة هذا الرأي أو ذاك، ولا جدوى من الجدل حول النوايا لأن التحقق منها مستحيل دون اختبارات عملية ستتوفر بكثرة في المرحلة القادمة. لكن من أهم أسباب قوة الإسلاميين، بغض النظر عن مدى إلتزامهم بالديمقراطية مع الآخرين، هي التزامهم بقدر كبير من الديمقراطية في تقاليدهم الداخلية، مع التفاوت في ذلك بالطبع بين الحركات الإسلامية في البلاد المختلفة. إن التمسك بتلك التقاليد قد أسهم في تحقيق إنجازين رئيسين، كان لتحقيقهما أكبرالأثر، ليس فقط في تقوية تنظيمات الإسلاميين الشعبية، بل أيضاً في إعطائها جاذبية لدى الشباب والمثقفين. أولاً، تعميق الفهم المؤسسي الذي عزز بدوره الاستقرار الداخلي. فالمؤسسية عمقت النزعة إلى التحاكم إلى إجراءات موضوعية لا يمكن الاحتجاج عليها، حيث أن الجميع يتساوون أمامها، وساهمت بذلك في محاربة الميول القبلية والجهوية وسياسة احتكار المناصب لأفراد الأسرة، مما تبتلى به التنظيمات التي لا تسود فيها ديمقراطية داخلية. ثانياً، هو أن نظام الحرية الداخلي، وقدرة الأفراد إذا ما نسقوا جهودهم أن يضعوا الأجندة، سمح لأولئك الأفراد بإطلاق مبادراتهم وجعلها برامج للجماعة كلها، وهذا ما أعطى التنظيمات الإسلامية جاذبية لدى الطبقة المتوسطة وفئات المثقفين والمهنيين المتطلعين دوماً إلى أدوار ومبادرات جديدة.
بيد أن كل المذكور آنفاً من أسباب القوة هو مما يمكن أن يتحقق لأي جماعة دينية كانت أو علمانية. أي أنه ليس بالضرورة أن يحوز فيه الإسلاميون التفوق على الآخرين. الذي يخصص الإسلاميين ويعطيهم ميزة فارقة هو تبنيهم للطرح الإسلامي في مجتمعات يعطي أفرادها الإسلام وزناً كبيراً في تحديد خياراتهم في الحياة الخاصة والعامة. إذا عدنا إلى الوراء قليلاً سنتذكر أن نشأة التيار الإسلامي بدأت مع تصاعد التحدي الحضاري الغربي. وفي وجه ذلك التحدي قامت حركات قومية ووطنية متفاوتة النجاح، لكن لم تستطع أي من تلك الحركات إحراز نصر حاسم في معركة المواجهة تلك. وأخيراً برز الخيار الإسلامي كمعبر أفضل وملهم أقوى للمجتمعات الإسلامية.
بالطبع لا يمكن الإنكار أن حركات قومية ووطنية تبنت بعض أطروحات إسلامية، لكن ما ميز طرح الحركات الإسلامية هو، بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً عن طبيعته الشاملة، وقدرته على الاستنفار والتعبئة، هي مرونته وقابليته لأن يعطي إجابات للأسئلة المعاصرة. بالطبع، أيضاً، على تفاوت بين التجارب الإسلامية في كل بلد في تحقيق ذلك الهدف، فإن بعض الحركات الإسلامية لم تغادر مرحلة الشعارات قط.
هذه القدرة على إنتاج أفكار جديدة أو تجديد أفكار قديمة، هذه المرونة في التكيف النظري، في تحرير المسائل، وترتيب الأجندة، واقتراح البدائل، كانت وستظل الخصيصة التي سيصعد بسببها الإسلاميون أو يهبطون.
تحليل القوة الاقتراعية للأسلاميين في تجارب ثورة الربيع العربي
تميزت نتائج الإنتخابات التشريعية في ثلاث بلاد جرت فيها الإنتخابات بعد أحداث ثورة الربيع العربي، بسمات مثيرة للإهتمام. فقد تجاوز ما حصلت عليه المجموعتان الإسلاميتان (الإخوان والسلفيون) في مصر الستين بالمائة. بينما حصل الاسلاميون وحدهم في تونس والمغرب على أكثرمن 40% من الاصوات. وهذا شبيه بما حصل عليه حزب التنمية والعدالة في تركيا.
إن حصول أي حزب في انتخابات تعددية تشريعية على أكثر من 40% من الأصوات يمنح الحزب أغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة وحده، وهو ماحدث في الحالة التركية.
لكن المهم هو تحليل تلك الأرقام حتى تتبين القوة الاقتراعية الفعلية التي يمكن للإسلاميين التعويل عليها. إن نسبة تأييد أي حزب وسط الناخبين تعتمد على نسبة النواة الصلبة من المقترعين المؤيدين، أي المقترعين الذين يصوتون للحزب مهما كان أداؤه. وهذه تقابلها النسبة المتحولة، أي نسبة الذين يصوتون للحزب بسبب عارض قد يزول فيفقد الحزب تأييده من هذا القطاع من المقترعين. وتتفاوت الأسباب العارضة، فقد يصوت بعضهم بسبب أن الحزب يحقق الرخاء الإقتصادي، كما حدث في الحالة التركية؛ أو لأن الحزب إذا تولى الحكم سيجعل البلد أكثر أماناً، أو أفضل أخلاقاً؛ أو ربما يصوت بعضهم فقط بسبب الكفاءة الإدارية لناشطي الحزب الذين وفروا له كل الخدمات من أجل التصويت، حتى التوجيه لمن يصوت.
وفي الحقيقة، قياساً على تجارب الانتخابات في بلاد عديدة يصعب أن تتجاوز النواة الصلبة لأي حزب أكثر من 15—20% من المقترعين. وهذه هي النسبة الحقيقية التي ينبغي أن يبني عليها الإسلاميون حساباتهم ويحددون توقعاتهم من الديمقراطية. وهي على كل حال نسبه ليست ضئيلة، فهناك حالات قادت فيها أحزاب حصلت على تلك النسبة حكومات ائتلافيه أو شاركت فيها.
مايهم هو أن رصيد الإسلاميين في الإنتخابات القادمة لن ينخفض عن 15-20% في أسوأ حالاته، وستبقي نسبة متحولة من المقترعين ما بين 30 إلى 40 بالمائة مجالاً للمنافسة بينهم والآخرين، وهو ما يرشح الإسلاميين لأن يبقوا قوة مؤثرة في السياسة في العقدين القادمين على الأقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.