الحركة الإسلامية العالمية تواجه تحديات كبيرة في مسيرتها النضالية بعد أن وجهت جماهير الأمة المسلمة ثقتها نحوها وحمّلتها مسؤولية الإبحار بهذه الأمة الى شواطئ الأمان والتنمية والنهوض الحضاري والتقدم العلمي والتقني، بعد فشل كل الفلسات والتجارب البشرية التي عطلت تقدمه وحرمته من أن يقود نفسه بنفسه وفق ثوابت معتقده، ومعطيات دينه وقيمه، وموروثه الحضاري والإنساني. المجتمعات المسلمة فوضت الجماعة الإسلامية استثني السودان بإعادة تشكيل المجتمعات المسلمة وفق رؤيتها وبرامجها السياسية التي أخذت تفويضًا عليها، لأن عهود فرض البرامج على المجتمعات وفق الانقلابات العسكرية، والمؤامرات الحزبية، والاستعانة بالأجنبي كل ذلك لم يعد واردًا ولا مقبولاً في ظل المستجدات والمتغيرات الإقليمية والدولية، وفي ظل وعي الشعوب التي حددت حقوقها ووسائل تحقيقها. وإذا سألنا لماذا كان هذا التفويض؟ وجدنا مجموعة من المعطيات التي نذكر منها: 1- فشل التجارب السابقة والتي اعتمدت على الشعارات دون الأعمال من قومية عربية، وبعث في سوريا والعراق واشتراكية في عدد من الدول. 2- الفساد الذي عم المجتمعات، والسرقة المنظمة لثروات الشعوب وانتشار المحسوبية والرشوة الى جانب الهزائم العسكرية المتلاحقة والمرتبطة بالخيانة والتنسيق مع الأعداء. 3- قناعة الشعوب بكفاح الإسلاميين ومناهضتهم للسلطة السياسية وتضحياتهم الكبيرة، ومحاربة الحكومات لهم واستعدائهم واجبارهم على الدخول في مواجهات ومعارك لم يعملوا لها والأمثلة واضحة في مصر وتونس وليبيا وسوريا وتركيا قبل ذلك وغيرهم. 4- قناعة الشعوب الإسلامية بأن الإسلام مستهدف مهما كانت واجهته أو برامجه أوتسميته وبخاصة من الغرب الصليبي والحقد اليهودي وملل الإلحاد والشيوعية المندثرة والعلمانية الحديثة. 5- اهتمام الإسلاميين في بلادهم بعد حرمانهم سياسيًًا بقضيا الناس الحياتية واليومية وبقائهم في الشارع العربي يعززون قيم التكافل والرعاية للأسر الفقيرة، ومواجهة الكوارث التي تعرضت لها بلدانهم أكثر من حكوماتهم، وتركيزهم على خدمات الصحة والتعليم ومحو الأمية والتوعية الدينية وغير ذلك مما لم تهتم به الحركة الإسلامية «الموءودة» في السودان والتي كانت تلهث وراء السلطة والحكم ولو على حساب أمتها ودينها ورسالتها التى انصرفت عنها منذ أزمان ومازالت. 6- تجديدهم لخطابهم السياسي والدعوي اللذين اتسما بالواقعية والمعقولية والاتزان في مواجهة الأحداث، زيادة على تقديمهم لمشروع نهضة تنموية مبنية على عدالة اجتماعية ومعالجة عقلانية لتجاوز صعوبات التخلف، والارتقاء لأسباب النهضة والتقدم. 7- عدم استعداء الآخرين وتجنب مواجهة الأعداء لإيمانهم أن المسلم الرسالي داعية سلام، وجسر محبة ، ليس شعاره المقولة الساذجة «امريكا روسيا قد دنا عذابها» أو «الأمريكان ليكم تسلحنا» ولكن شعاره قول الله عزّوجل: «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين» 8- الالتزام بمبدأ القرآن الكريم «لا إكره في الدين» إقرارًا لمنظومة العدالة الاجتماعية والتكافل الإنساني واحترامًا للخصوصية الفردية، مع التركيز على الجوانب الإنسانية في التعامل والعبادات. 9- عدم التركيز على منظومة المحرمات والممنوعات في مقابل الأصل في الأشياء الحل والجواز في ما لم يستثنَ بنص قطعي في السلوك والمعاملات والسياسات والأمور الفردية الأخرى. 10- المطالبة باشاعة مبدأ التعايش مع ترسيخ مفهوم المواطنة، واستبعاد فرض البرمج على المجتمعات بقوة السلطة كما فعل الآخرون في الماضي ، ومحاربة النظرة الشمولية التي تعمل على إقصاء الآخرين، والغاء التعددية في الرؤى والبرامج والوسائل. هذه بعض المعطيات الإيجابية التي رشحت الإسلاميين لما هو قادم إن أحسنوا قراءة الواقع وتعاملوا معه بروح المسلم الرسالي، وواجهوا التحديات التي تعترض مسيرتهم كما سنتعرض لها إن شاء الله.