مثل مارتن لوثر كينج يعرض الرئيس أوباما نفسه انطلاقا من قوة الإلهام الروحية لداعية الحقوق المدنية الشهير في الستينات وفق برمجة منظمة للعصب الأمريكي نجح من خلالها أوباما بكاريزميته المعهودة من الفوز مرتين برئاسة الدولة الأولى في العالم إن تحليل خطاب النصر للرئيس الأمريكي في العام الحالي تنبع أهميتها من تشخيص صناعة الرموز وكيف يمكننا أن ننجح في التنميط الايجابي لشخصية ربما كانت بالمعايير الأمريكية القديمة مرفوضة بسبب فوارق في اللون أو الجنس ولكنها اليوم تحولت لعوامل قوة للمرشح الأمريكي للحزب الديمقراطي . خطاب النصر الجديد للرئيس أوباما حمل نفس الشحنة العاطفية القوية السابقة في 2008 عندما سبب الكثير من الإعجاب بهذا الرجل بين أنصاره لكننا نستطيع أن نميز بعض الملامح المهمة في خطاب أوباما لنكتشف قوة التأثير فيه كشخصية جذبة ومؤثرة. من أهم هذه الملامح قوة الأسرة وإظهار الترابط في البيت الصغير لأوباما وهو للمرة الثانية يصعد للمسرح ومعه أسرته الصغيرة المكونة من زوجته ميشيل وابنتيه ساشا وماليا وسط عاصفة من التصفيق الجماهيري والتحية للجمهور من الأسرة الحاكمة ثم ذلك العناق بين أفراد الأسرة لكي يسمحوا للأب (وليس الرئيس) ليبدأ خطابه ..إن رسالة هذه الصورة قوية للغاية فالرئيس يريد أن يقول إن نجاحه ليس ملكا له بل تشاركه فيه أسرته الصغيرة وهي جزء منه ومن نجاحه كما انه يريد أن يقول للأمريكيين أنني طالما أصلح لأن أكون أبا ناجحا لأسرة استطيع أن أكون أبا ناجحا لكم وهو ما أظهره في تعاطفه الشديد وعناقه الحار لضحايا الإعصار ساندي قبل فترة في صور مؤثرة رآها العالم . الملمح الثاني جنوح أوباما للغة متواضعة لا تفخر بالنصر له ولحزبه بل لكل أمريكا فمن المدهش أن لا نسمع كلمة نصر أو انتصار بالنسبة له أو حزبه ولا لمرة واحدة ! كما لم يرد اسم الحزب الديمقراطي وهو الفائز مطلقا في خطابه ! وهذا يعكس روح الوحدة الاجتماعية والسياسية التي يريد أوباما أن يفاخر بها هنا كنظام أمريكي يعتبره الحلم وليس لحظة انتصار وقتي لحزب قد يخسر أو يفوز . الملمح الثاني هو انه وبالرغم من البداية لم تكن بنفس القوة للتأثير في خطاب 2008 إلا انه تبعتها موجات رائعة من التشبث بلغة تنسب الفضل لأهله بداية من شكر الشعب الأمريكي ككل على مشاركته بغض النظر عمن انتخب وهنا يركز أوباما على مشاهد عاطفية مثل الوقوف لساعات طوال في الصفوف للتصويت ليس لمقعد وإنما لتحقيق الحلم في التغيير والاستمرار فيه ولا ينسى بالطبع أن يصنف أولئك المنتظرين في الصفوف بمهنهم وأعمارهم لكن بشكل اقل من الخطاب السابق الذي امتد فيه الشكر حتى للشواذ جنسيا ! ولا ينسى أوباما هنا أن يمزح بسرعة حول التفكير لحل مشكلة الصفوف الطويلة هذه ! لكن سنندهش لو علمنا ان أوباما ذهب لحسابه في تويتر وعلق بتغريدة خاصة شكرا للشعب الأمريكي !وهو سلوك بسيط وعميق في ذات الوقت يحلل قمة الاهتمام في أقصى ساعات الانشغال ! ثم يمتد الشكر والامتنان لفريقه الانتخابي ويبلغ مداه عندما وصفه بأنه الأفضل على الإطلاق في تاريخ الانتخابات الأمريكية وينال مراده هنا من تجاوب ضخم من الشباب الأمريكي الذي كان يقفز من الفرح . الملمح الثالث الاجتماعي في خطاب أوباما هو التركيز على القوة الاجتماعية لأمريكا فقد قال إن أمريكا هي الأولى ليس بفضل القوة العسكرية ولا التعليم والتكنولوجيا ولكن بفضل وحدة وترابط شعبها في المحن وهذا مثير للاهتمام من حيث انه يعيد تصنيف المعيار الأمريكي للقوة والذي رسخته الثقافة الأمريكية سابقا من خلال هوليوود والميديا الأمريكية . الملمح الاجتماعي الرابع لخطاب أوباما هو تركيزه في الخطاب بلغة حماسية للطبقات الفقيرة والتي ذكر منها تعبير (البروليتاريا) المستخدم من طرف الايديلوجيا الشيوعية ! وهو لعمري ما أدهشني حقا حيث إن الرجل لا يعاني أي عقدة تجاه مصطلح ربما كان هو في جوهره يحمل بذرة الصراع التاريخي الطويل الذي كان بين أمريكا والاتحاد السوفيتي والذي انقضى بانتصار ساحق للرأسمالية الأمريكية وانهيار الاتحاد السوفيتي القديم وكأن أوباما يريد هنا أن يرتدي ثوب الاشتراكية الديمقراطية بملامح أمريكية تماما . الملمح الخامس وهو الربط الدائم بالمؤسسين الأوائل لأمريكا وهو يعكس قيمة وقوة الانتماء ويرسخ أن أمريكا واحدة فكأن أوباما يريد أن يبرمج اللاواعي الأمريكي بأن المؤسسين البيض وأنا ثقافتنا واحدة وحلمنا واحد وهو الانتصار والقيادة الأمريكية في العالم . الملمح السادس وهو الوفاء لجو بايدن لقد قام أوباما بعملية ترميز أو (تلميع) ذكية لنائبه جو بايدن باعتباره أفضل شريك له بل وأفضل من سيكون رئيسا لأمريكا ! وربما هذا سابق لأوانه فليس من السهل القطع بأن الحزب الديمقراطي سيختار جو بايدن في 2016 كمرشح له وهو سيبدو اكبر سنا حينذاك , لكن أوباما منحه دفعة قوية كسياسي للأمام بتزكيته له وهو كنائب للرئيس وبخبرة ثماني سنوات يستطيع أن يكون ناجحا ومن يدري لعله كان الرئيس القادم مثل غيره من نواب الرئيس الأمريكيين الذين صاروا رؤساء فيما بعد . هذه في رأيي أهم الملامح الاجتماعية في خطاب أوباما وهي المصدر الأساسي والمهم لكاريزما الرجل ومفتاح تفوقه كشخصية جذابة على ميت رومني ورفيقه السابق جون ماكين في 2008 ! إن صناعة الشخصية القيادية بات من أهم عناصر نجاح الدول والأحزاب في عالم اليوم وفي ظني إن شخصية أوباما تستحق أن تمنح درجة النجاح الكامل في التأثير على الناخب الأمريكي وتحديد مصيره وهو ما فشل فيه الجمهوريون من قبل أربع سنوات واليوم .