مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الأستاذ أحمد علي الإمام


مستشار شؤون التاصيل ورئيس مجمع الفقه الإسلامي
ربما يكون أمراً مستغرباً أن تجد في قصر الرئاسة في دولة من االدول جناحاً خاصة لشؤون التأصيل الإسلامي إلى جوار أجنحة أخرى تحفل بمستشاري الرئيس في الشؤون المتعددة... الداخلية والخارجية والإعلام وغيرها
ووجه الغرابة لدى البعض أننا لم نسمع بمستشار خاص لشؤون التأصيل يوجد في قصر الحكم ويمارس نشاطاً واسعاً في المهام المسندة إليه، لكن ذلك موجود في السودان، حيث يقوم البروفيسور أحمد علي الإمام رئيس مجمع الفقه الإسلامي بمهام مستشار الرئيس لشؤون التأصيل.. المهمة ربما تكون فريدة ً.
وقد دار حوارنا حول هذه المسألة.. التأصيل، وماذا يؤصلون تحديداً؟ وهل الأمر في حاجة لإنشاء مستشارية خاصة تابعة للرئيس للقيام بهذا الأمر؟ وهل تلك المستشارية جهة فوقية تمر منها قرارات الدولة قبل إقرارها؟ وما علاقتها بمجامع الفقه والفتوى الأخرى.. ثم تطرق حوارنا للعديد من القضايا الأخرى المتعلقة بالشأن السوداني وعلاقاته العربية والغربية.
سألته في البداية عن مغزي وجود استشارية للتأصيل ضمن جهاز الرئاسة السودانية خاصة أن ذلك الأمر يعد شيئاً جديداً في نظم الحكم ببلادنا؟
التأصيل هو أن نُرجِع ما ندَّ إلى أصله.. ولما قال لي بعضهم ممازحاً: "يا مولانا إنك تتدخَّل في الشؤون السياسية"، قلت له: "سبحان الله، وهل جِيء بنا إلى هذا المكان إلا لنشارككم في شؤون دنياكم".. فما جيء بي إلى قصر الرئاسة لتأصيل قضية الصلاة، والزكاة، وأركان الإسلام الخمسة، مع تعظيمنا لها.. ونحن نرى أن هذه الأركان الخمسة، وإن كانت هي الأساس الذي يُبنَى عليه البناء، إلا أن حديثاً نبوياً آخرَ يقول: إن سهام الإسلام ثمانية، وعدَّ مع الخمسة أركان الجهادَ في سبيل الله تعالى، والأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر.. فعن حذيفة } عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام ثمانية أسهم؛ الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والصوم سهم، وحج البيت سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لا سهم له". (رواه البزار، وحسَّنه الألباني). ونحن في أمرنا هذا وتأصيلنا لقضايا عصرنا نقدِّم للدولة الخيارات الفقهية التي ترشِّد مسيرتها، ولا نرى جوازاً شرعياً إطلاقاً لأن نتحاكم إلى ما يُسمَّى بمحاكم جنائية دولية أو أمم متحدة، فالشرعية عندنا هي: مِنْ قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما استُمِد من ذلك.. ولا مانع لدينا من أن نوافق غيرنا في كلِّ ما لم يخالف أصل ديننا، لكننا نصرُّ على أن ديننا هو الأصل الذي ينبغي أن نرجع إليه دائماً، ونحن في استشارية التأصيل نقدِّم المشورة؛ فإذا طُلِبت منا فهذا خير، وإن بادرنا بها فذلك أيضاً خير.
بالإضافة إلى طلب فتوى في أمرٍ ما في حدود اختصاصات الدوائر الست التي تحدثتم عنها، أو ما يُستجَد من أمور.. هل تُوجَد برامج محدَّدة وإستراتيجية موَّحدة للعمل؟
الإستراتيجية القومية الشاملة، فعلى مدى ربع قرن ونحن نؤصِّل لهذا التخطيط الاقتصادي أو التخطيط الشامل نفسه.. والنبي صلى الله عليه وسلم في أول عهده بالهجرة قال لأصحابه: "أحصوا لي مَنْ تلفَّظ بالإسلام"، فقالوا: فأحصينا له ألفاً ونيِّفاً.. وكان هذا في أول الهجرة وأول عهد الدولة الإسلامية، فنحن نقوم بالتخطيط لأن ديننا أمر بهذا، وننظر إلى المستقبل ونتخيَّر ما يناسبنا، ونعرِّض كل مسائلنا لما قال الله تعالى، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، وليس في ذلك مصادرة؛ لأن أصل الدين ذاته يقوم على الاختيار، قال تعالى: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى" يكونوا مؤمنين (99)(يونس).. فإذا كان هذا الحق لا يملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن من باب أولى لا نملك هذا الحق.. وقال تعالى: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين 118 إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم... (هود)، أي لحرية الاختيار، فالدنيا ليست دار حساب، ولْيختَرْ الناس ما شاؤوا عن بيِّنة؛ لأنهم سيُحاسَبون عليه يوم القيامة.
مجمع الفقه الإسلامي
وأنت على رأس مؤسسة رسمية في السودان.. ما الذي أعددته لكي تكون هذه المؤسسة متميزة؟
الحقيقة أن الدولة عندنا تطلب منا الفتوى، ولا تكتفي بأن نبادر بتقديمها لها.. ونحن لا نخاف إلا الله، ونقدِّم العلم والنصيحة لوجهه تعالى، ونعلم أن مَنْ ولاَّه الله أمر المسلمين يملك أن يأخذ من الخيارات الفقهية ما يناسبه، وما يراه هو ومستشاروه لصلاح دعوتهم ودولتهم وأمتهم.. ونحن، بحمد الله تعالى، نقول ما قاله مَنْ سبقنا من علمائنا:
يزهِّدني في الفقهِ أنِّي لا أرى يُسائِل عنه غيرُ صِنْفينِ في الورى
فزوجانِ راما رجعةً بعدَ بتَّةٍ وذِئبانِ راما جيفةً فتعسَّراْ
نحن ننظر إلى أمر الفقه ليسود مناحي حياتنا كافة، ولهذا فإن مجمع الفقه الإسلامي بالسودان يضمُّ في عضويته علماء الفقه والشريعة، وعلماء القانون الذين هم على صلة وثيقة بالفقه أيضاً، وعلماء الدراسات المالية والاقتصادية الذين يعرفون الحلال والحرام، بل إن القاسم المشترك بين كل أعضاء مجمع الفقه الإسلامي هي الصلة الوثيقة بالقرآن دراسةً وحفظاً.. ورغم أن المجمع يضمُّ الأعضاء كافة، إلا أننا موزَّعون على دوائر واختصاصات: فهناك دائرة الأصول والمناهج، ودائرة الشؤون العدلية المعنية بالنواحي الدستورية والقانونية، ودائرة الشؤون المالية والاقتصادية، ودائرة العلوم الطبيعية والتطبيقية، ودائرة فقه الأسرة، ودائرة الفتوى العامة، فحيثما فكر الناس وأرادوا أن يلتمسوا حلاً لمشكلاتهم وجدوا الفقه الإسلامي يجيب على مسائلهم.. والدولة أشركت أعضاء دائرة الشؤون العدلية في تأصيل القوانين، كما أن أهل العلم المختصين في هذا الجانب يقدمون فقههم في سائر المعاملات المالية والاقتصادية وغيرها.. ورغم أن بعض دوائر الفتوى عند غيرنا ربما حصل لها نوع من الضعف والضمور واستخدام السياسات المحلية والإقليمية لما يُراد منها، إلا أننا نحمد الله أننا في عافية.. ثم إن المجتمع الإسلامي بلغ من الوعي حدّاً يتجاوز كلَّ ما كان خارجاً عن الأصل من فتاوى رسمية قد تكون في خدمة دولة معينة، لكننا نعتقد أنه مهما كان وضع الدولة في نظامها وسياساتها، فإن أهل العلم في جملتهم لا يميلون ولا ينحازون مطلقاً إلى ذلك.
حرّاس القانون
هل يقتصر عمل استشارية التأصيل على تقديم المشورة والآراء الفقهية للرئاسة فقط، أم يشمل كلَّ أجهزة الدولة؟
لحسن الحظ، فإن أجهزة الدولة كافة تطلب المشورة بنفسها، وإن لم تطلب فنحن نبادر بأن نقدِّمها إليها.. والتأصيل ليس عملاً فردياً يقدِّم فيه الفتوى شخص واحد، بل هو عمل جماعي منظَّم.. وعلى سبيل المثال، فإن كلَّ أعضاء مجمع الفقه الإسلامي يجتمعون لتقديم آرائهم، وإذا كان ثمَّة مراجعة للقوانين فلعلمائنا فيها مشاركة، وإذا كان هنالك مراجعة للأداء الاقتصادي والمعاملات المالية فلعلمائنا وأهل الاختصاص شأن في هذا الأمر أيضاً، بل إن المؤسسات المالية عندنا بحكم القانون لابد أن يكون فيها علماء يراجعون أداءها أو شرعية معاملاتها المالية، وهؤلاء العلماء تحركهم ضمائرهم، فكونهم ينالون مكافأة على عملهم، فإن هذه المكافأة مهما كانت لن تحكم ضمائر الناس.. وتعجبني مقولة أحد المفسِّرين الحكماء: "إن القانون لا تحرسه نصوصه، ولا يحميه حرَّاسه، إنما تحرسه القلوب التقيَّة التي تستقر تقوى الله فيها وخشيته، فتحرس هي القانون وتحميه.. وما من قانون تحرسه القوة المادية والحراسة الظاهرية! ولن تستطيع الدولة أن تضع على رأس كل فرد حارساً يلاحقه لتنفيذ القانون وصيانته؛ ما لم تكن خشية الله في قلوب الناس، ومراقبتهم له في السر والعلن" ("في ظلال القرآن" سيد قطب الجزء الثالث ص1384).
هل يعني هذا أن هناك حرصاً من الجهات الإدارية جمعاء على تأصيل ما يصدر من قوانين وقرارات كي تكون متطابقة مع الشريعة الإسلامية؟
نحمد الله تعالى أن هذا الأمر ليس قاصراً على المؤسسات والجهات الإدارية فقط؛ بل إن المجتمع كله يطلب هذه المعاملات الشرعية وتأصيلها وفق أحكام الشريعة الإسلامية، والناس يحرصون على هذا من تلقاء أنفسهم.. والأمر لا يستغرق التطويل الذي عُرِفت به المؤسسات العامة من اجتماعات متكررة حتى اتخاذ القرارات، فنحن أصحاب قضية، وصاحب القضية يختلف عن صاحب الوظيفة.
تسجل صفحات التاريخ أدواراً مهمة للعلماء في شحذ هِمم الأمة الإسلامية للتصدّي لأعدائها، كما فعل "ابن تيمية" مع التتار مثلاً، فكيف ترى دور العلماء في بلادنا اليوم؟
مهما كان دور العلماء فهو دون ما ينتظره الناس، إلا أنهم يعملون بقدر ما يستطيعون من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا.. وأهل العلم المخلصون لا يهمهم مَنْ الذي يحكم؟ بقدر ما يهمهم بماذا يحكم؟..
إن علماءنا اليوم يواجهون تحديات عصرهم بما يملكون، ويواجهون أخطاراً في البلدان كافة، ويوم تنضج المشكلة، وتنضج الأمة نفسها سيكون من ذلك ما شاء الله أن يكون من اتحاد الأمة
تنازع الفتوى
يُلاحظ في بعض الدول اختلاف الفتوى وتنازعها بين العلماء، مما يُوقِع الناس في حيرة، وأحياناً تصدر فتاوى "مُضحكة" من بعض المسؤولين، قد تُفقِد الثقة فيمن هم أهل للفتوى.. فما رأيكم في هذه الإشكالية؟
المجتمع المتديِّن لا يقبل هذا العبث.. وكأنك تشير إلى بعض ما أُثير مؤخراً من فتوى بعضهم بجواز الخلوة الشرعية بين رجل وامرأة إذا كان تمَّ "إرضاعها للرجل كبيراً".. نحن نعود للمسألة من ناحية فقهية، وننظر هل هي محكومة بالفقه نفسه، وباختيارات السلف الصالح ممن رفضوا هذا العمل ورأوه حالة خاصة؟ لأن الفهم الصحيح ينبغي أن يكون كذلك، فإنهم لم يقولوا: إن الرجل يأخذ ثدي شابة أو امرأة ويرضع بأسنانه.. لا.. الحادثة المعنية قديماً تعني أن حلباً من الثدي حدث في إناء، وأن ذلك الشخص شرب من هذا اللبن، لا أن عورة انكشفت، أو أنه بأسنانه مص ثدي امرأة.. إن الصحف تصوِّر لنا هذا، ولكنه ليس صحيحاً.. ونحن نحترم من يخالفنا في الرأي، قد يكون أخطأ، ومَنْ أخطأ يُرَدُّ بالعلم نفسه، ونحن أصلاً لا نخاف من أن يُفتينا أحد بشيء يخالف العقل، فلو أنه خالف لوجد من يردُّه عن الخطأ.
مرجعية أم تعددية؟
مرجعية الفتوى في السودان هل هي موحَّدة ومنظَّمة ومرتَّبة؛ بحيث يأخذ الناس فتاواهم من جهة واحدة، أم أن جهات عدة تشترك في هذا الأمر؟
في الزكاة مثلاً.. نُرجِع الأمر إلى حكم "ديوان الزكاة"، ولجنة الفتوى في الديوان عندهما القول الفصل في المسألة، لكن لا مانع من أن يستفتي الناس علماء آخرين.. وحتى لو قال فقيه "مالكي": إن الزكاة لا تكون في المال المستفاد، أو أن الزكاة لا تكون في الفاكهة والخضراوات.. إذا قال ذلك، وهو مصيب فيما يقول، فإن ما يجري العمل به في ديوان الزكاة ليس هو مذهب "الإمام مالك". وقد يذهب بعض الناس لطلب فتوى من أئمة مساجد أو علماء في مراكز دينية، لكن أغلبية الناس يعرفون المكان الصحيح فيتجهون إليه.. وعلى سبيل المثال، فإن أحكام الأسرة من الطلاق والرضاع والحضانة في حكم المحاكم الشرعية، ومعروف عنها أنها تأخذ بما كان سائداً منذ عهد الحكم العثماني بفقه "أبي حنيفة". وإلى جانب ذلك، هنالك نشرات ومنشورات خرجت بأن الطلاق لا يقع بالثلاثة في كلمة واحدة، بل يجب أن يكون طلقة فطلقة فطلقة.. قال تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان(البقرة:229) ولذلك، فإننا في مجمع الفقه الإسلامي، يحكم عندنا في دائرة شؤون الأسرة أهل الفقه والمعرفة بما عليه العمل في المحاكم الشرعية، بحيث يقدِّمون الفتوى للناس، لكن ذلك لا يمنع أن بعضنا، ممن يرى مذهب الجمهور أو مذهب مالك، قد يذهب إلى بعض الشيوخ ويفتونه بالتحريم مثلاً، وهم يقبلون هذا الأمر، لكن الذي لا يمانع من أن يأخذ بفتوى المحاكم الشرعية، يأتي إلى المجمع وإلى المحاكم نفسها.
هل أنت راضٍ عن حركة الفتوى والإفتاء وتوجيه الناس إلى أمور دينهم في السودان بصفة عامة من العلماء والدعاة؟
أُثِر عن الإمام مالك قوله: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم".. فالناس يأخذون الفتوى ممن يثقون في دينه، ونحن لا نملك إلا أن نقول للناس: أصبتم، فهم أحرار فيمن يثقون في دينه، فلنتركهم وما يعتقدون.. فإذا كان من يثقون فيه هو شيخهم الذي ربًّاهم وعلَّمهم فليأخذوا عنه، أو آخر يرون أن يأخذوا برأيه، فالأمر إليهم.. وأنا راضٍ من هذه الناحية ولا إشكال عندي؛ لأني أرى أن الاجتهاد حق مكفول لكل الناس، وقد يخطئ المفتي، لكنه لا يُكفَّر بخطئه.
ادعاءات كاذبة
هناك ادعاءات عن انتشار الرقِّ والاستعباد وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان في السودان، ونُشِر هذا على صفحات واسعة في الإعلام الغربي، وجاءت المنظمة التي تدَّعي هذا إلى السودان، وتأكدت من عدم صحته.. فما تعليقكم على هذه المسألة؟
إذا كانت المنظمة المعنية بهذا الشأن جاءت وتأكدت أن هذا الادعاء غير صحيح، فإن هذا يُعَدُّ من أظهر الأدلة المادية على كذب ما يدَّعيه غيرنا.. إن سلفنا في الأمر هو "قراقوش".. و"قراقوش" هو العقاب الطائر باللغة التركية، وكان وزيراً للقائد المظفَّر صلاح الدين الأيوبي، لكن لأنه لم يبذل عطاءً وافراً لمن جاؤوا مادحين ينتظرون نوال دولة صلاح الدين، فقال لهم: "والله، إن هذه الأموال مجموعة لتحرير القدس وصدِّ الصليبيين"، فأشاعوا عنه ما ليس فيه.. ونحن نعتقد أن غيرنا يشنِّع ويفتري الكذب علينا.
هل تأتي بعثات كنسية إلى السودان للاطمئنان مثلاً؟ وما مدى تأثيرها؟
كل المبعوثين عندما يجيئون يجدون أنفسهم أمام حقائق مغايرة لما يعتقدونه، وربما عاد بعضهم إلى بلده فيقول غير ما قال لنا، وهو حينئذ مُجبَر ليحافظ على وضعه، أو لأن غيره أجبره على أن يقول ذلك. وقد جاءنا البابا السابق "يوحنا بولس الثاني" نفسه، واستقبلناه وعرضنا عليه أمرنا، وشكونا ما نراه في الغرب اليوم من ازدواجية المعايير.. وتجرَّأنا بقوة المؤمن فقلنا له: "والله إننا لا نستحيي مما نعتقده، ونعرض عليك أن تؤمن مثلنا بمثل ما نؤمن به".
وماذا كان ردُّه؟
لم يقل شيئاً في هذا الشأن بنفسه، لكنه استجاب لسائر ما قلناه.
هل ترى أن الكنيسة في الغرب مسيَّرة بالسياسة والمخططات الغربية ضد السودان؟
هي ليست "مسيَّرة" بل "مسيِّرة"، فالكنيسة هي التي تسيِّر حكوماتها، وحكوماتها رضيت بأن تأخذ هذا التأييد منها لتتقوى به، ثم تقدِّم لهذه الكنائس بعض التأييد في إثارة المشكلة هنا في السودان، لكننا مستعدون لمقابلة أصحاب المشكلة أنفسهم.. مرحباً بهم إذا زارونا، ومرحباً بهم إذا سمحوا لنا أن نصلهم، ونبيِّن لهم وجه الحقيقة.. نحن لا نستحيي من شيء، لأن عندنا الحق الواضح.. قال تعالى: الجمص× (1) كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى" للمؤمنين (2)(الأعراف) ونحن نؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.. حتى البابا حينما عرضنا عليه الإسلام، ما اشترطنا أن يستجيب لدعوتنا.
بنو من نحن؟!
يرى كثيرون أن السودان لا يجيد تقديم نفسه للعالم، ولا يدافع عن قضيته بالقدر الكافي، ولم نسمع عن جولات لعلماء يطوفون بلاد العالم الإسلامي لتوضيح الأمور وإظهار الحقائق.. فما رأيكم؟
كيف لنا أن نقوم بإمكاناتنا الحالية بمثل هذه الجولات؟.. وأنَّى لنا أن نؤدي دورنا وغيرنا يملك من وسائل الإعلام والتشويش والتضليل ما لا نملك نحن؟.. ومع ذلك، فإنها نصيحة نقبلها، وسندرس آليات وطرق تفعيلها والعمل بها.. ونأمل أن تكونوا أنتم، خير عون لنا، وأنتم كذلك والحمد لله، ما قصَّرتم فيما مضى، ولن تقصروا فيما يستقبل.. وأهم ما يجب أن نعتقده أن الإسلام أكبر مما نختلف عليه من صغائر أمورنا، فنحن في مواجهة مع عدونا تنال أصولنا ولا تنال قضايانا الداخلية الصغيرة التي نختلف عليها، إنهم يضربون في الأساس نفسه، ولذا يجب علينا أن نتحد.. وكما كان أستاذنا الشيخ "محمد الغزالي"، رحمه الله، يقول: "هم بنو إسرائيل"، "فبنو من نحن؟!".
المصدر: مدونات مكتوب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.