وفد عسكري أوغندي قرب جوبا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    والي الخرطوم يشيد بمواقف شرفاء السودان بالخارج في شرح طبيعة الحرب وفضح ممارسات المليشيا المتمردة    مجاعة تهدد آلاف السودانيين في الفاشر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    شغل مؤسس    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    محمد خير مستشاراً لرئيس الوزراء كامل إدريس    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    وفد المعابر يقف على مواعين النقل النهري والميناء الجاف والجمارك بكوستي    الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة يكشف عن إحصائيات بلاغات المواطنين على منصة البلاغ الالكتروني والمدونة باقسام الشرطةالجنائية    الشان لا ترحم الأخطاء    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الأستاذ أحمد علي الإمام


مستشار شؤون التاصيل ورئيس مجمع الفقه الإسلامي
ربما يكون أمراً مستغرباً أن تجد في قصر الرئاسة في دولة من االدول جناحاً خاصة لشؤون التأصيل الإسلامي إلى جوار أجنحة أخرى تحفل بمستشاري الرئيس في الشؤون المتعددة... الداخلية والخارجية والإعلام وغيرها
ووجه الغرابة لدى البعض أننا لم نسمع بمستشار خاص لشؤون التأصيل يوجد في قصر الحكم ويمارس نشاطاً واسعاً في المهام المسندة إليه، لكن ذلك موجود في السودان، حيث يقوم البروفيسور أحمد علي الإمام رئيس مجمع الفقه الإسلامي بمهام مستشار الرئيس لشؤون التأصيل.. المهمة ربما تكون فريدة ً.
وقد دار حوارنا حول هذه المسألة.. التأصيل، وماذا يؤصلون تحديداً؟ وهل الأمر في حاجة لإنشاء مستشارية خاصة تابعة للرئيس للقيام بهذا الأمر؟ وهل تلك المستشارية جهة فوقية تمر منها قرارات الدولة قبل إقرارها؟ وما علاقتها بمجامع الفقه والفتوى الأخرى.. ثم تطرق حوارنا للعديد من القضايا الأخرى المتعلقة بالشأن السوداني وعلاقاته العربية والغربية.
سألته في البداية عن مغزي وجود استشارية للتأصيل ضمن جهاز الرئاسة السودانية خاصة أن ذلك الأمر يعد شيئاً جديداً في نظم الحكم ببلادنا؟
التأصيل هو أن نُرجِع ما ندَّ إلى أصله.. ولما قال لي بعضهم ممازحاً: "يا مولانا إنك تتدخَّل في الشؤون السياسية"، قلت له: "سبحان الله، وهل جِيء بنا إلى هذا المكان إلا لنشارككم في شؤون دنياكم".. فما جيء بي إلى قصر الرئاسة لتأصيل قضية الصلاة، والزكاة، وأركان الإسلام الخمسة، مع تعظيمنا لها.. ونحن نرى أن هذه الأركان الخمسة، وإن كانت هي الأساس الذي يُبنَى عليه البناء، إلا أن حديثاً نبوياً آخرَ يقول: إن سهام الإسلام ثمانية، وعدَّ مع الخمسة أركان الجهادَ في سبيل الله تعالى، والأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر.. فعن حذيفة } عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام ثمانية أسهم؛ الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والصوم سهم، وحج البيت سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لا سهم له". (رواه البزار، وحسَّنه الألباني). ونحن في أمرنا هذا وتأصيلنا لقضايا عصرنا نقدِّم للدولة الخيارات الفقهية التي ترشِّد مسيرتها، ولا نرى جوازاً شرعياً إطلاقاً لأن نتحاكم إلى ما يُسمَّى بمحاكم جنائية دولية أو أمم متحدة، فالشرعية عندنا هي: مِنْ قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما استُمِد من ذلك.. ولا مانع لدينا من أن نوافق غيرنا في كلِّ ما لم يخالف أصل ديننا، لكننا نصرُّ على أن ديننا هو الأصل الذي ينبغي أن نرجع إليه دائماً، ونحن في استشارية التأصيل نقدِّم المشورة؛ فإذا طُلِبت منا فهذا خير، وإن بادرنا بها فذلك أيضاً خير.
بالإضافة إلى طلب فتوى في أمرٍ ما في حدود اختصاصات الدوائر الست التي تحدثتم عنها، أو ما يُستجَد من أمور.. هل تُوجَد برامج محدَّدة وإستراتيجية موَّحدة للعمل؟
الإستراتيجية القومية الشاملة، فعلى مدى ربع قرن ونحن نؤصِّل لهذا التخطيط الاقتصادي أو التخطيط الشامل نفسه.. والنبي صلى الله عليه وسلم في أول عهده بالهجرة قال لأصحابه: "أحصوا لي مَنْ تلفَّظ بالإسلام"، فقالوا: فأحصينا له ألفاً ونيِّفاً.. وكان هذا في أول الهجرة وأول عهد الدولة الإسلامية، فنحن نقوم بالتخطيط لأن ديننا أمر بهذا، وننظر إلى المستقبل ونتخيَّر ما يناسبنا، ونعرِّض كل مسائلنا لما قال الله تعالى، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، وليس في ذلك مصادرة؛ لأن أصل الدين ذاته يقوم على الاختيار، قال تعالى: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى" يكونوا مؤمنين (99)(يونس).. فإذا كان هذا الحق لا يملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن من باب أولى لا نملك هذا الحق.. وقال تعالى: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين 118 إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم... (هود)، أي لحرية الاختيار، فالدنيا ليست دار حساب، ولْيختَرْ الناس ما شاؤوا عن بيِّنة؛ لأنهم سيُحاسَبون عليه يوم القيامة.
مجمع الفقه الإسلامي
وأنت على رأس مؤسسة رسمية في السودان.. ما الذي أعددته لكي تكون هذه المؤسسة متميزة؟
الحقيقة أن الدولة عندنا تطلب منا الفتوى، ولا تكتفي بأن نبادر بتقديمها لها.. ونحن لا نخاف إلا الله، ونقدِّم العلم والنصيحة لوجهه تعالى، ونعلم أن مَنْ ولاَّه الله أمر المسلمين يملك أن يأخذ من الخيارات الفقهية ما يناسبه، وما يراه هو ومستشاروه لصلاح دعوتهم ودولتهم وأمتهم.. ونحن، بحمد الله تعالى، نقول ما قاله مَنْ سبقنا من علمائنا:
يزهِّدني في الفقهِ أنِّي لا أرى يُسائِل عنه غيرُ صِنْفينِ في الورى
فزوجانِ راما رجعةً بعدَ بتَّةٍ وذِئبانِ راما جيفةً فتعسَّراْ
نحن ننظر إلى أمر الفقه ليسود مناحي حياتنا كافة، ولهذا فإن مجمع الفقه الإسلامي بالسودان يضمُّ في عضويته علماء الفقه والشريعة، وعلماء القانون الذين هم على صلة وثيقة بالفقه أيضاً، وعلماء الدراسات المالية والاقتصادية الذين يعرفون الحلال والحرام، بل إن القاسم المشترك بين كل أعضاء مجمع الفقه الإسلامي هي الصلة الوثيقة بالقرآن دراسةً وحفظاً.. ورغم أن المجمع يضمُّ الأعضاء كافة، إلا أننا موزَّعون على دوائر واختصاصات: فهناك دائرة الأصول والمناهج، ودائرة الشؤون العدلية المعنية بالنواحي الدستورية والقانونية، ودائرة الشؤون المالية والاقتصادية، ودائرة العلوم الطبيعية والتطبيقية، ودائرة فقه الأسرة، ودائرة الفتوى العامة، فحيثما فكر الناس وأرادوا أن يلتمسوا حلاً لمشكلاتهم وجدوا الفقه الإسلامي يجيب على مسائلهم.. والدولة أشركت أعضاء دائرة الشؤون العدلية في تأصيل القوانين، كما أن أهل العلم المختصين في هذا الجانب يقدمون فقههم في سائر المعاملات المالية والاقتصادية وغيرها.. ورغم أن بعض دوائر الفتوى عند غيرنا ربما حصل لها نوع من الضعف والضمور واستخدام السياسات المحلية والإقليمية لما يُراد منها، إلا أننا نحمد الله أننا في عافية.. ثم إن المجتمع الإسلامي بلغ من الوعي حدّاً يتجاوز كلَّ ما كان خارجاً عن الأصل من فتاوى رسمية قد تكون في خدمة دولة معينة، لكننا نعتقد أنه مهما كان وضع الدولة في نظامها وسياساتها، فإن أهل العلم في جملتهم لا يميلون ولا ينحازون مطلقاً إلى ذلك.
حرّاس القانون
هل يقتصر عمل استشارية التأصيل على تقديم المشورة والآراء الفقهية للرئاسة فقط، أم يشمل كلَّ أجهزة الدولة؟
لحسن الحظ، فإن أجهزة الدولة كافة تطلب المشورة بنفسها، وإن لم تطلب فنحن نبادر بأن نقدِّمها إليها.. والتأصيل ليس عملاً فردياً يقدِّم فيه الفتوى شخص واحد، بل هو عمل جماعي منظَّم.. وعلى سبيل المثال، فإن كلَّ أعضاء مجمع الفقه الإسلامي يجتمعون لتقديم آرائهم، وإذا كان ثمَّة مراجعة للقوانين فلعلمائنا فيها مشاركة، وإذا كان هنالك مراجعة للأداء الاقتصادي والمعاملات المالية فلعلمائنا وأهل الاختصاص شأن في هذا الأمر أيضاً، بل إن المؤسسات المالية عندنا بحكم القانون لابد أن يكون فيها علماء يراجعون أداءها أو شرعية معاملاتها المالية، وهؤلاء العلماء تحركهم ضمائرهم، فكونهم ينالون مكافأة على عملهم، فإن هذه المكافأة مهما كانت لن تحكم ضمائر الناس.. وتعجبني مقولة أحد المفسِّرين الحكماء: "إن القانون لا تحرسه نصوصه، ولا يحميه حرَّاسه، إنما تحرسه القلوب التقيَّة التي تستقر تقوى الله فيها وخشيته، فتحرس هي القانون وتحميه.. وما من قانون تحرسه القوة المادية والحراسة الظاهرية! ولن تستطيع الدولة أن تضع على رأس كل فرد حارساً يلاحقه لتنفيذ القانون وصيانته؛ ما لم تكن خشية الله في قلوب الناس، ومراقبتهم له في السر والعلن" ("في ظلال القرآن" سيد قطب الجزء الثالث ص1384).
هل يعني هذا أن هناك حرصاً من الجهات الإدارية جمعاء على تأصيل ما يصدر من قوانين وقرارات كي تكون متطابقة مع الشريعة الإسلامية؟
نحمد الله تعالى أن هذا الأمر ليس قاصراً على المؤسسات والجهات الإدارية فقط؛ بل إن المجتمع كله يطلب هذه المعاملات الشرعية وتأصيلها وفق أحكام الشريعة الإسلامية، والناس يحرصون على هذا من تلقاء أنفسهم.. والأمر لا يستغرق التطويل الذي عُرِفت به المؤسسات العامة من اجتماعات متكررة حتى اتخاذ القرارات، فنحن أصحاب قضية، وصاحب القضية يختلف عن صاحب الوظيفة.
تسجل صفحات التاريخ أدواراً مهمة للعلماء في شحذ هِمم الأمة الإسلامية للتصدّي لأعدائها، كما فعل "ابن تيمية" مع التتار مثلاً، فكيف ترى دور العلماء في بلادنا اليوم؟
مهما كان دور العلماء فهو دون ما ينتظره الناس، إلا أنهم يعملون بقدر ما يستطيعون من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا.. وأهل العلم المخلصون لا يهمهم مَنْ الذي يحكم؟ بقدر ما يهمهم بماذا يحكم؟..
إن علماءنا اليوم يواجهون تحديات عصرهم بما يملكون، ويواجهون أخطاراً في البلدان كافة، ويوم تنضج المشكلة، وتنضج الأمة نفسها سيكون من ذلك ما شاء الله أن يكون من اتحاد الأمة
تنازع الفتوى
يُلاحظ في بعض الدول اختلاف الفتوى وتنازعها بين العلماء، مما يُوقِع الناس في حيرة، وأحياناً تصدر فتاوى "مُضحكة" من بعض المسؤولين، قد تُفقِد الثقة فيمن هم أهل للفتوى.. فما رأيكم في هذه الإشكالية؟
المجتمع المتديِّن لا يقبل هذا العبث.. وكأنك تشير إلى بعض ما أُثير مؤخراً من فتوى بعضهم بجواز الخلوة الشرعية بين رجل وامرأة إذا كان تمَّ "إرضاعها للرجل كبيراً".. نحن نعود للمسألة من ناحية فقهية، وننظر هل هي محكومة بالفقه نفسه، وباختيارات السلف الصالح ممن رفضوا هذا العمل ورأوه حالة خاصة؟ لأن الفهم الصحيح ينبغي أن يكون كذلك، فإنهم لم يقولوا: إن الرجل يأخذ ثدي شابة أو امرأة ويرضع بأسنانه.. لا.. الحادثة المعنية قديماً تعني أن حلباً من الثدي حدث في إناء، وأن ذلك الشخص شرب من هذا اللبن، لا أن عورة انكشفت، أو أنه بأسنانه مص ثدي امرأة.. إن الصحف تصوِّر لنا هذا، ولكنه ليس صحيحاً.. ونحن نحترم من يخالفنا في الرأي، قد يكون أخطأ، ومَنْ أخطأ يُرَدُّ بالعلم نفسه، ونحن أصلاً لا نخاف من أن يُفتينا أحد بشيء يخالف العقل، فلو أنه خالف لوجد من يردُّه عن الخطأ.
مرجعية أم تعددية؟
مرجعية الفتوى في السودان هل هي موحَّدة ومنظَّمة ومرتَّبة؛ بحيث يأخذ الناس فتاواهم من جهة واحدة، أم أن جهات عدة تشترك في هذا الأمر؟
في الزكاة مثلاً.. نُرجِع الأمر إلى حكم "ديوان الزكاة"، ولجنة الفتوى في الديوان عندهما القول الفصل في المسألة، لكن لا مانع من أن يستفتي الناس علماء آخرين.. وحتى لو قال فقيه "مالكي": إن الزكاة لا تكون في المال المستفاد، أو أن الزكاة لا تكون في الفاكهة والخضراوات.. إذا قال ذلك، وهو مصيب فيما يقول، فإن ما يجري العمل به في ديوان الزكاة ليس هو مذهب "الإمام مالك". وقد يذهب بعض الناس لطلب فتوى من أئمة مساجد أو علماء في مراكز دينية، لكن أغلبية الناس يعرفون المكان الصحيح فيتجهون إليه.. وعلى سبيل المثال، فإن أحكام الأسرة من الطلاق والرضاع والحضانة في حكم المحاكم الشرعية، ومعروف عنها أنها تأخذ بما كان سائداً منذ عهد الحكم العثماني بفقه "أبي حنيفة". وإلى جانب ذلك، هنالك نشرات ومنشورات خرجت بأن الطلاق لا يقع بالثلاثة في كلمة واحدة، بل يجب أن يكون طلقة فطلقة فطلقة.. قال تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان(البقرة:229) ولذلك، فإننا في مجمع الفقه الإسلامي، يحكم عندنا في دائرة شؤون الأسرة أهل الفقه والمعرفة بما عليه العمل في المحاكم الشرعية، بحيث يقدِّمون الفتوى للناس، لكن ذلك لا يمنع أن بعضنا، ممن يرى مذهب الجمهور أو مذهب مالك، قد يذهب إلى بعض الشيوخ ويفتونه بالتحريم مثلاً، وهم يقبلون هذا الأمر، لكن الذي لا يمانع من أن يأخذ بفتوى المحاكم الشرعية، يأتي إلى المجمع وإلى المحاكم نفسها.
هل أنت راضٍ عن حركة الفتوى والإفتاء وتوجيه الناس إلى أمور دينهم في السودان بصفة عامة من العلماء والدعاة؟
أُثِر عن الإمام مالك قوله: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم".. فالناس يأخذون الفتوى ممن يثقون في دينه، ونحن لا نملك إلا أن نقول للناس: أصبتم، فهم أحرار فيمن يثقون في دينه، فلنتركهم وما يعتقدون.. فإذا كان من يثقون فيه هو شيخهم الذي ربًّاهم وعلَّمهم فليأخذوا عنه، أو آخر يرون أن يأخذوا برأيه، فالأمر إليهم.. وأنا راضٍ من هذه الناحية ولا إشكال عندي؛ لأني أرى أن الاجتهاد حق مكفول لكل الناس، وقد يخطئ المفتي، لكنه لا يُكفَّر بخطئه.
ادعاءات كاذبة
هناك ادعاءات عن انتشار الرقِّ والاستعباد وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان في السودان، ونُشِر هذا على صفحات واسعة في الإعلام الغربي، وجاءت المنظمة التي تدَّعي هذا إلى السودان، وتأكدت من عدم صحته.. فما تعليقكم على هذه المسألة؟
إذا كانت المنظمة المعنية بهذا الشأن جاءت وتأكدت أن هذا الادعاء غير صحيح، فإن هذا يُعَدُّ من أظهر الأدلة المادية على كذب ما يدَّعيه غيرنا.. إن سلفنا في الأمر هو "قراقوش".. و"قراقوش" هو العقاب الطائر باللغة التركية، وكان وزيراً للقائد المظفَّر صلاح الدين الأيوبي، لكن لأنه لم يبذل عطاءً وافراً لمن جاؤوا مادحين ينتظرون نوال دولة صلاح الدين، فقال لهم: "والله، إن هذه الأموال مجموعة لتحرير القدس وصدِّ الصليبيين"، فأشاعوا عنه ما ليس فيه.. ونحن نعتقد أن غيرنا يشنِّع ويفتري الكذب علينا.
هل تأتي بعثات كنسية إلى السودان للاطمئنان مثلاً؟ وما مدى تأثيرها؟
كل المبعوثين عندما يجيئون يجدون أنفسهم أمام حقائق مغايرة لما يعتقدونه، وربما عاد بعضهم إلى بلده فيقول غير ما قال لنا، وهو حينئذ مُجبَر ليحافظ على وضعه، أو لأن غيره أجبره على أن يقول ذلك. وقد جاءنا البابا السابق "يوحنا بولس الثاني" نفسه، واستقبلناه وعرضنا عليه أمرنا، وشكونا ما نراه في الغرب اليوم من ازدواجية المعايير.. وتجرَّأنا بقوة المؤمن فقلنا له: "والله إننا لا نستحيي مما نعتقده، ونعرض عليك أن تؤمن مثلنا بمثل ما نؤمن به".
وماذا كان ردُّه؟
لم يقل شيئاً في هذا الشأن بنفسه، لكنه استجاب لسائر ما قلناه.
هل ترى أن الكنيسة في الغرب مسيَّرة بالسياسة والمخططات الغربية ضد السودان؟
هي ليست "مسيَّرة" بل "مسيِّرة"، فالكنيسة هي التي تسيِّر حكوماتها، وحكوماتها رضيت بأن تأخذ هذا التأييد منها لتتقوى به، ثم تقدِّم لهذه الكنائس بعض التأييد في إثارة المشكلة هنا في السودان، لكننا مستعدون لمقابلة أصحاب المشكلة أنفسهم.. مرحباً بهم إذا زارونا، ومرحباً بهم إذا سمحوا لنا أن نصلهم، ونبيِّن لهم وجه الحقيقة.. نحن لا نستحيي من شيء، لأن عندنا الحق الواضح.. قال تعالى: الجمص× (1) كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى" للمؤمنين (2)(الأعراف) ونحن نؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.. حتى البابا حينما عرضنا عليه الإسلام، ما اشترطنا أن يستجيب لدعوتنا.
بنو من نحن؟!
يرى كثيرون أن السودان لا يجيد تقديم نفسه للعالم، ولا يدافع عن قضيته بالقدر الكافي، ولم نسمع عن جولات لعلماء يطوفون بلاد العالم الإسلامي لتوضيح الأمور وإظهار الحقائق.. فما رأيكم؟
كيف لنا أن نقوم بإمكاناتنا الحالية بمثل هذه الجولات؟.. وأنَّى لنا أن نؤدي دورنا وغيرنا يملك من وسائل الإعلام والتشويش والتضليل ما لا نملك نحن؟.. ومع ذلك، فإنها نصيحة نقبلها، وسندرس آليات وطرق تفعيلها والعمل بها.. ونأمل أن تكونوا أنتم، خير عون لنا، وأنتم كذلك والحمد لله، ما قصَّرتم فيما مضى، ولن تقصروا فيما يستقبل.. وأهم ما يجب أن نعتقده أن الإسلام أكبر مما نختلف عليه من صغائر أمورنا، فنحن في مواجهة مع عدونا تنال أصولنا ولا تنال قضايانا الداخلية الصغيرة التي نختلف عليها، إنهم يضربون في الأساس نفسه، ولذا يجب علينا أن نتحد.. وكما كان أستاذنا الشيخ "محمد الغزالي"، رحمه الله، يقول: "هم بنو إسرائيل"، "فبنو من نحن؟!".
المصدر: مدونات مكتوب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.