شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    شاهد بالفيديو.. الفنان طه سليمان يفاجئ جمهوره بإطلاق أغنية المهرجانات المصرية "السوع"    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تنصح الفتيات وتصرح أثناء إحيائها حفل بالخليج: (أسمعوها مني عرس الحب ما موفق وكضب كضب)    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    إصابة مهاجم المريخ أسد والنادي ينتظر النتائج    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    إبراهيم عثمان يكتب: عن الفراق الحميم أو كيف تخون بتحضر!    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الأستاذ أحمد علي الإمام


مستشار شؤون التاصيل ورئيس مجمع الفقه الإسلامي
ربما يكون أمراً مستغرباً أن تجد في قصر الرئاسة في دولة من االدول جناحاً خاصة لشؤون التأصيل الإسلامي إلى جوار أجنحة أخرى تحفل بمستشاري الرئيس في الشؤون المتعددة... الداخلية والخارجية والإعلام وغيرها
ووجه الغرابة لدى البعض أننا لم نسمع بمستشار خاص لشؤون التأصيل يوجد في قصر الحكم ويمارس نشاطاً واسعاً في المهام المسندة إليه، لكن ذلك موجود في السودان، حيث يقوم البروفيسور أحمد علي الإمام رئيس مجمع الفقه الإسلامي بمهام مستشار الرئيس لشؤون التأصيل.. المهمة ربما تكون فريدة ً.
وقد دار حوارنا حول هذه المسألة.. التأصيل، وماذا يؤصلون تحديداً؟ وهل الأمر في حاجة لإنشاء مستشارية خاصة تابعة للرئيس للقيام بهذا الأمر؟ وهل تلك المستشارية جهة فوقية تمر منها قرارات الدولة قبل إقرارها؟ وما علاقتها بمجامع الفقه والفتوى الأخرى.. ثم تطرق حوارنا للعديد من القضايا الأخرى المتعلقة بالشأن السوداني وعلاقاته العربية والغربية.
سألته في البداية عن مغزي وجود استشارية للتأصيل ضمن جهاز الرئاسة السودانية خاصة أن ذلك الأمر يعد شيئاً جديداً في نظم الحكم ببلادنا؟
التأصيل هو أن نُرجِع ما ندَّ إلى أصله.. ولما قال لي بعضهم ممازحاً: "يا مولانا إنك تتدخَّل في الشؤون السياسية"، قلت له: "سبحان الله، وهل جِيء بنا إلى هذا المكان إلا لنشارككم في شؤون دنياكم".. فما جيء بي إلى قصر الرئاسة لتأصيل قضية الصلاة، والزكاة، وأركان الإسلام الخمسة، مع تعظيمنا لها.. ونحن نرى أن هذه الأركان الخمسة، وإن كانت هي الأساس الذي يُبنَى عليه البناء، إلا أن حديثاً نبوياً آخرَ يقول: إن سهام الإسلام ثمانية، وعدَّ مع الخمسة أركان الجهادَ في سبيل الله تعالى، والأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر.. فعن حذيفة } عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام ثمانية أسهم؛ الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والصوم سهم، وحج البيت سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لا سهم له". (رواه البزار، وحسَّنه الألباني). ونحن في أمرنا هذا وتأصيلنا لقضايا عصرنا نقدِّم للدولة الخيارات الفقهية التي ترشِّد مسيرتها، ولا نرى جوازاً شرعياً إطلاقاً لأن نتحاكم إلى ما يُسمَّى بمحاكم جنائية دولية أو أمم متحدة، فالشرعية عندنا هي: مِنْ قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما استُمِد من ذلك.. ولا مانع لدينا من أن نوافق غيرنا في كلِّ ما لم يخالف أصل ديننا، لكننا نصرُّ على أن ديننا هو الأصل الذي ينبغي أن نرجع إليه دائماً، ونحن في استشارية التأصيل نقدِّم المشورة؛ فإذا طُلِبت منا فهذا خير، وإن بادرنا بها فذلك أيضاً خير.
بالإضافة إلى طلب فتوى في أمرٍ ما في حدود اختصاصات الدوائر الست التي تحدثتم عنها، أو ما يُستجَد من أمور.. هل تُوجَد برامج محدَّدة وإستراتيجية موَّحدة للعمل؟
الإستراتيجية القومية الشاملة، فعلى مدى ربع قرن ونحن نؤصِّل لهذا التخطيط الاقتصادي أو التخطيط الشامل نفسه.. والنبي صلى الله عليه وسلم في أول عهده بالهجرة قال لأصحابه: "أحصوا لي مَنْ تلفَّظ بالإسلام"، فقالوا: فأحصينا له ألفاً ونيِّفاً.. وكان هذا في أول الهجرة وأول عهد الدولة الإسلامية، فنحن نقوم بالتخطيط لأن ديننا أمر بهذا، وننظر إلى المستقبل ونتخيَّر ما يناسبنا، ونعرِّض كل مسائلنا لما قال الله تعالى، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، وليس في ذلك مصادرة؛ لأن أصل الدين ذاته يقوم على الاختيار، قال تعالى: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى" يكونوا مؤمنين (99)(يونس).. فإذا كان هذا الحق لا يملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن من باب أولى لا نملك هذا الحق.. وقال تعالى: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين 118 إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم... (هود)، أي لحرية الاختيار، فالدنيا ليست دار حساب، ولْيختَرْ الناس ما شاؤوا عن بيِّنة؛ لأنهم سيُحاسَبون عليه يوم القيامة.
مجمع الفقه الإسلامي
وأنت على رأس مؤسسة رسمية في السودان.. ما الذي أعددته لكي تكون هذه المؤسسة متميزة؟
الحقيقة أن الدولة عندنا تطلب منا الفتوى، ولا تكتفي بأن نبادر بتقديمها لها.. ونحن لا نخاف إلا الله، ونقدِّم العلم والنصيحة لوجهه تعالى، ونعلم أن مَنْ ولاَّه الله أمر المسلمين يملك أن يأخذ من الخيارات الفقهية ما يناسبه، وما يراه هو ومستشاروه لصلاح دعوتهم ودولتهم وأمتهم.. ونحن، بحمد الله تعالى، نقول ما قاله مَنْ سبقنا من علمائنا:
يزهِّدني في الفقهِ أنِّي لا أرى يُسائِل عنه غيرُ صِنْفينِ في الورى
فزوجانِ راما رجعةً بعدَ بتَّةٍ وذِئبانِ راما جيفةً فتعسَّراْ
نحن ننظر إلى أمر الفقه ليسود مناحي حياتنا كافة، ولهذا فإن مجمع الفقه الإسلامي بالسودان يضمُّ في عضويته علماء الفقه والشريعة، وعلماء القانون الذين هم على صلة وثيقة بالفقه أيضاً، وعلماء الدراسات المالية والاقتصادية الذين يعرفون الحلال والحرام، بل إن القاسم المشترك بين كل أعضاء مجمع الفقه الإسلامي هي الصلة الوثيقة بالقرآن دراسةً وحفظاً.. ورغم أن المجمع يضمُّ الأعضاء كافة، إلا أننا موزَّعون على دوائر واختصاصات: فهناك دائرة الأصول والمناهج، ودائرة الشؤون العدلية المعنية بالنواحي الدستورية والقانونية، ودائرة الشؤون المالية والاقتصادية، ودائرة العلوم الطبيعية والتطبيقية، ودائرة فقه الأسرة، ودائرة الفتوى العامة، فحيثما فكر الناس وأرادوا أن يلتمسوا حلاً لمشكلاتهم وجدوا الفقه الإسلامي يجيب على مسائلهم.. والدولة أشركت أعضاء دائرة الشؤون العدلية في تأصيل القوانين، كما أن أهل العلم المختصين في هذا الجانب يقدمون فقههم في سائر المعاملات المالية والاقتصادية وغيرها.. ورغم أن بعض دوائر الفتوى عند غيرنا ربما حصل لها نوع من الضعف والضمور واستخدام السياسات المحلية والإقليمية لما يُراد منها، إلا أننا نحمد الله أننا في عافية.. ثم إن المجتمع الإسلامي بلغ من الوعي حدّاً يتجاوز كلَّ ما كان خارجاً عن الأصل من فتاوى رسمية قد تكون في خدمة دولة معينة، لكننا نعتقد أنه مهما كان وضع الدولة في نظامها وسياساتها، فإن أهل العلم في جملتهم لا يميلون ولا ينحازون مطلقاً إلى ذلك.
حرّاس القانون
هل يقتصر عمل استشارية التأصيل على تقديم المشورة والآراء الفقهية للرئاسة فقط، أم يشمل كلَّ أجهزة الدولة؟
لحسن الحظ، فإن أجهزة الدولة كافة تطلب المشورة بنفسها، وإن لم تطلب فنحن نبادر بأن نقدِّمها إليها.. والتأصيل ليس عملاً فردياً يقدِّم فيه الفتوى شخص واحد، بل هو عمل جماعي منظَّم.. وعلى سبيل المثال، فإن كلَّ أعضاء مجمع الفقه الإسلامي يجتمعون لتقديم آرائهم، وإذا كان ثمَّة مراجعة للقوانين فلعلمائنا فيها مشاركة، وإذا كان هنالك مراجعة للأداء الاقتصادي والمعاملات المالية فلعلمائنا وأهل الاختصاص شأن في هذا الأمر أيضاً، بل إن المؤسسات المالية عندنا بحكم القانون لابد أن يكون فيها علماء يراجعون أداءها أو شرعية معاملاتها المالية، وهؤلاء العلماء تحركهم ضمائرهم، فكونهم ينالون مكافأة على عملهم، فإن هذه المكافأة مهما كانت لن تحكم ضمائر الناس.. وتعجبني مقولة أحد المفسِّرين الحكماء: "إن القانون لا تحرسه نصوصه، ولا يحميه حرَّاسه، إنما تحرسه القلوب التقيَّة التي تستقر تقوى الله فيها وخشيته، فتحرس هي القانون وتحميه.. وما من قانون تحرسه القوة المادية والحراسة الظاهرية! ولن تستطيع الدولة أن تضع على رأس كل فرد حارساً يلاحقه لتنفيذ القانون وصيانته؛ ما لم تكن خشية الله في قلوب الناس، ومراقبتهم له في السر والعلن" ("في ظلال القرآن" سيد قطب الجزء الثالث ص1384).
هل يعني هذا أن هناك حرصاً من الجهات الإدارية جمعاء على تأصيل ما يصدر من قوانين وقرارات كي تكون متطابقة مع الشريعة الإسلامية؟
نحمد الله تعالى أن هذا الأمر ليس قاصراً على المؤسسات والجهات الإدارية فقط؛ بل إن المجتمع كله يطلب هذه المعاملات الشرعية وتأصيلها وفق أحكام الشريعة الإسلامية، والناس يحرصون على هذا من تلقاء أنفسهم.. والأمر لا يستغرق التطويل الذي عُرِفت به المؤسسات العامة من اجتماعات متكررة حتى اتخاذ القرارات، فنحن أصحاب قضية، وصاحب القضية يختلف عن صاحب الوظيفة.
تسجل صفحات التاريخ أدواراً مهمة للعلماء في شحذ هِمم الأمة الإسلامية للتصدّي لأعدائها، كما فعل "ابن تيمية" مع التتار مثلاً، فكيف ترى دور العلماء في بلادنا اليوم؟
مهما كان دور العلماء فهو دون ما ينتظره الناس، إلا أنهم يعملون بقدر ما يستطيعون من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا.. وأهل العلم المخلصون لا يهمهم مَنْ الذي يحكم؟ بقدر ما يهمهم بماذا يحكم؟..
إن علماءنا اليوم يواجهون تحديات عصرهم بما يملكون، ويواجهون أخطاراً في البلدان كافة، ويوم تنضج المشكلة، وتنضج الأمة نفسها سيكون من ذلك ما شاء الله أن يكون من اتحاد الأمة
تنازع الفتوى
يُلاحظ في بعض الدول اختلاف الفتوى وتنازعها بين العلماء، مما يُوقِع الناس في حيرة، وأحياناً تصدر فتاوى "مُضحكة" من بعض المسؤولين، قد تُفقِد الثقة فيمن هم أهل للفتوى.. فما رأيكم في هذه الإشكالية؟
المجتمع المتديِّن لا يقبل هذا العبث.. وكأنك تشير إلى بعض ما أُثير مؤخراً من فتوى بعضهم بجواز الخلوة الشرعية بين رجل وامرأة إذا كان تمَّ "إرضاعها للرجل كبيراً".. نحن نعود للمسألة من ناحية فقهية، وننظر هل هي محكومة بالفقه نفسه، وباختيارات السلف الصالح ممن رفضوا هذا العمل ورأوه حالة خاصة؟ لأن الفهم الصحيح ينبغي أن يكون كذلك، فإنهم لم يقولوا: إن الرجل يأخذ ثدي شابة أو امرأة ويرضع بأسنانه.. لا.. الحادثة المعنية قديماً تعني أن حلباً من الثدي حدث في إناء، وأن ذلك الشخص شرب من هذا اللبن، لا أن عورة انكشفت، أو أنه بأسنانه مص ثدي امرأة.. إن الصحف تصوِّر لنا هذا، ولكنه ليس صحيحاً.. ونحن نحترم من يخالفنا في الرأي، قد يكون أخطأ، ومَنْ أخطأ يُرَدُّ بالعلم نفسه، ونحن أصلاً لا نخاف من أن يُفتينا أحد بشيء يخالف العقل، فلو أنه خالف لوجد من يردُّه عن الخطأ.
مرجعية أم تعددية؟
مرجعية الفتوى في السودان هل هي موحَّدة ومنظَّمة ومرتَّبة؛ بحيث يأخذ الناس فتاواهم من جهة واحدة، أم أن جهات عدة تشترك في هذا الأمر؟
في الزكاة مثلاً.. نُرجِع الأمر إلى حكم "ديوان الزكاة"، ولجنة الفتوى في الديوان عندهما القول الفصل في المسألة، لكن لا مانع من أن يستفتي الناس علماء آخرين.. وحتى لو قال فقيه "مالكي": إن الزكاة لا تكون في المال المستفاد، أو أن الزكاة لا تكون في الفاكهة والخضراوات.. إذا قال ذلك، وهو مصيب فيما يقول، فإن ما يجري العمل به في ديوان الزكاة ليس هو مذهب "الإمام مالك". وقد يذهب بعض الناس لطلب فتوى من أئمة مساجد أو علماء في مراكز دينية، لكن أغلبية الناس يعرفون المكان الصحيح فيتجهون إليه.. وعلى سبيل المثال، فإن أحكام الأسرة من الطلاق والرضاع والحضانة في حكم المحاكم الشرعية، ومعروف عنها أنها تأخذ بما كان سائداً منذ عهد الحكم العثماني بفقه "أبي حنيفة". وإلى جانب ذلك، هنالك نشرات ومنشورات خرجت بأن الطلاق لا يقع بالثلاثة في كلمة واحدة، بل يجب أن يكون طلقة فطلقة فطلقة.. قال تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان(البقرة:229) ولذلك، فإننا في مجمع الفقه الإسلامي، يحكم عندنا في دائرة شؤون الأسرة أهل الفقه والمعرفة بما عليه العمل في المحاكم الشرعية، بحيث يقدِّمون الفتوى للناس، لكن ذلك لا يمنع أن بعضنا، ممن يرى مذهب الجمهور أو مذهب مالك، قد يذهب إلى بعض الشيوخ ويفتونه بالتحريم مثلاً، وهم يقبلون هذا الأمر، لكن الذي لا يمانع من أن يأخذ بفتوى المحاكم الشرعية، يأتي إلى المجمع وإلى المحاكم نفسها.
هل أنت راضٍ عن حركة الفتوى والإفتاء وتوجيه الناس إلى أمور دينهم في السودان بصفة عامة من العلماء والدعاة؟
أُثِر عن الإمام مالك قوله: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم".. فالناس يأخذون الفتوى ممن يثقون في دينه، ونحن لا نملك إلا أن نقول للناس: أصبتم، فهم أحرار فيمن يثقون في دينه، فلنتركهم وما يعتقدون.. فإذا كان من يثقون فيه هو شيخهم الذي ربًّاهم وعلَّمهم فليأخذوا عنه، أو آخر يرون أن يأخذوا برأيه، فالأمر إليهم.. وأنا راضٍ من هذه الناحية ولا إشكال عندي؛ لأني أرى أن الاجتهاد حق مكفول لكل الناس، وقد يخطئ المفتي، لكنه لا يُكفَّر بخطئه.
ادعاءات كاذبة
هناك ادعاءات عن انتشار الرقِّ والاستعباد وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان في السودان، ونُشِر هذا على صفحات واسعة في الإعلام الغربي، وجاءت المنظمة التي تدَّعي هذا إلى السودان، وتأكدت من عدم صحته.. فما تعليقكم على هذه المسألة؟
إذا كانت المنظمة المعنية بهذا الشأن جاءت وتأكدت أن هذا الادعاء غير صحيح، فإن هذا يُعَدُّ من أظهر الأدلة المادية على كذب ما يدَّعيه غيرنا.. إن سلفنا في الأمر هو "قراقوش".. و"قراقوش" هو العقاب الطائر باللغة التركية، وكان وزيراً للقائد المظفَّر صلاح الدين الأيوبي، لكن لأنه لم يبذل عطاءً وافراً لمن جاؤوا مادحين ينتظرون نوال دولة صلاح الدين، فقال لهم: "والله، إن هذه الأموال مجموعة لتحرير القدس وصدِّ الصليبيين"، فأشاعوا عنه ما ليس فيه.. ونحن نعتقد أن غيرنا يشنِّع ويفتري الكذب علينا.
هل تأتي بعثات كنسية إلى السودان للاطمئنان مثلاً؟ وما مدى تأثيرها؟
كل المبعوثين عندما يجيئون يجدون أنفسهم أمام حقائق مغايرة لما يعتقدونه، وربما عاد بعضهم إلى بلده فيقول غير ما قال لنا، وهو حينئذ مُجبَر ليحافظ على وضعه، أو لأن غيره أجبره على أن يقول ذلك. وقد جاءنا البابا السابق "يوحنا بولس الثاني" نفسه، واستقبلناه وعرضنا عليه أمرنا، وشكونا ما نراه في الغرب اليوم من ازدواجية المعايير.. وتجرَّأنا بقوة المؤمن فقلنا له: "والله إننا لا نستحيي مما نعتقده، ونعرض عليك أن تؤمن مثلنا بمثل ما نؤمن به".
وماذا كان ردُّه؟
لم يقل شيئاً في هذا الشأن بنفسه، لكنه استجاب لسائر ما قلناه.
هل ترى أن الكنيسة في الغرب مسيَّرة بالسياسة والمخططات الغربية ضد السودان؟
هي ليست "مسيَّرة" بل "مسيِّرة"، فالكنيسة هي التي تسيِّر حكوماتها، وحكوماتها رضيت بأن تأخذ هذا التأييد منها لتتقوى به، ثم تقدِّم لهذه الكنائس بعض التأييد في إثارة المشكلة هنا في السودان، لكننا مستعدون لمقابلة أصحاب المشكلة أنفسهم.. مرحباً بهم إذا زارونا، ومرحباً بهم إذا سمحوا لنا أن نصلهم، ونبيِّن لهم وجه الحقيقة.. نحن لا نستحيي من شيء، لأن عندنا الحق الواضح.. قال تعالى: الجمص× (1) كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى" للمؤمنين (2)(الأعراف) ونحن نؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.. حتى البابا حينما عرضنا عليه الإسلام، ما اشترطنا أن يستجيب لدعوتنا.
بنو من نحن؟!
يرى كثيرون أن السودان لا يجيد تقديم نفسه للعالم، ولا يدافع عن قضيته بالقدر الكافي، ولم نسمع عن جولات لعلماء يطوفون بلاد العالم الإسلامي لتوضيح الأمور وإظهار الحقائق.. فما رأيكم؟
كيف لنا أن نقوم بإمكاناتنا الحالية بمثل هذه الجولات؟.. وأنَّى لنا أن نؤدي دورنا وغيرنا يملك من وسائل الإعلام والتشويش والتضليل ما لا نملك نحن؟.. ومع ذلك، فإنها نصيحة نقبلها، وسندرس آليات وطرق تفعيلها والعمل بها.. ونأمل أن تكونوا أنتم، خير عون لنا، وأنتم كذلك والحمد لله، ما قصَّرتم فيما مضى، ولن تقصروا فيما يستقبل.. وأهم ما يجب أن نعتقده أن الإسلام أكبر مما نختلف عليه من صغائر أمورنا، فنحن في مواجهة مع عدونا تنال أصولنا ولا تنال قضايانا الداخلية الصغيرة التي نختلف عليها، إنهم يضربون في الأساس نفسه، ولذا يجب علينا أن نتحد.. وكما كان أستاذنا الشيخ "محمد الغزالي"، رحمه الله، يقول: "هم بنو إسرائيل"، "فبنو من نحن؟!".
المصدر: مدونات مكتوب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.