لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ممالك فى تاريخ دارفور«1 3» «2 3»


ممالك فى تاريخ دارفور«1 3»
الرأي24
المتوكل محمد موسي
الصحافة
يعيش إقليم دارفور اليوم ظروفاً سياسياً وأمنية بالغة السوء، إذ لم يشهد
طوال التاريخ أن قاسى أهل الأقليم من مثل هذه الظروف الاستثنائية منذ
عصر الممالك والسلطنات التى حكمت الإقليم وما صاحب ذلك من هجرات
وفدت إليه من مختلف أنحاء العالم المحيط به آنذاك، ورغم محدودية
الإمكانيات وقلة التجارب لدى حكام إقليم دارفور فى ذلك الزمان القديم ،
إلا أنهم تمكنوا من حكم دارفور وأسسوا أنظمة سياسية واجتماعية
واقتصادية، وأظهروا قدرات مذهلة فى طرق إدارة الإقليم قياساً بما كان
متاحاً آنذاك من تجارب وخبرات، فاحتضنوا العلماء الوافدين إليهم
وشجعوهم على البقاء فى الإقليم ورفعوا من مقامهم الاجتماعى ومنحوهم
هالةً من الاحترام والتقديس تقديراً منهم لدور العلماء وطمعاً فى الاستفادة
من خبراتهم وعلمهم فى الارتقاء بالحياة فى دارفور، وبذات الطريقة فى
التفكير رحبوا بالوافدين الذين اختاروا دارفور وطناً لهم والذين أصبحوا
هم من سكان دارفور اليوم والذين حملوا بدورهم الكثير من التجارب
والثقافات، ليُشكلان، الوافد والمقيم، الصورة الماثلة اليوم فى دارفور
التى تعرضت إلى هزة كارثية أسهم فيها من لم يقرأوا تاريخ دارفور، بل
ولا يريدون أن يقرأوه ليستلهموا منه العبر والدروس علّهم يُفلحون فى
ما أفسده جهلهم وإصرارهم على السدور فيه، عودوا إلى تاريخ دارفور
إذا كنتم تريدون حلاً للأزمة الماثلة، أما إذا لم تفعلوا فتأكدوا أن التأريخ
يحمل الحل الناجع للأزمة، وسيتجاوزكم وسيفرض حكمه فى آخر الأمر.
من كتاب صفحات من تاريخ دارفور للأستاذ محمد موسى محمود،
نواصل اقتباسنا، ونعرض هذه المرة للمالك والسلطنات التى نشأت
فى دارفور:
«قبل أكثر من سبعة قرون عاشت في أرض دارفور كما ذكرنا قبائل
عديدة، منها، الداجو والتنجر والفور في وسط البلاد، والمساليت والأرنقا
والقمر في الغرب والشمال الغربي، كما عاش الزغاوة والبرتي والميدوب
في الشمال والشمال الغربي، وعاش البرقد والبيقو، في الجنوب والجنوب
الشرقي، زيادة على أعداد أخرى من القبائل. وكان على كل قبيلة، أو
مجموعة من عنصر واحد، ملك أو زعيم أو سلطان. ولا ندري كيف كانت
العلاقات بين تلك القبائل، أو بين ملوكها وحكامها على حقيقتها. ولكن لا
نستبعد قيام أحلاف أو نزاعات أو حروبات أحياناً بين السكان، لأسباب لها
صلة بمصالح الحكام والسكان في بعض الأوقات.
ولم تذكر المصادر والروايات المحلية، شيئاً عن قيام دولة كبيرة في الأرض،
في الأزمان القديمة جداً. غير أن الروايات أجمعت على أن أبرز المجموعات
القبلية التي كان لها دور وذكر في تاريخ البلاد هي: مجموعات الداجو
والتنجر والفور كما ذكرنا.
فالداجو كانوا من أقدم سكان دارفور، وقد تضاربت الأقوال واختلفت في
أصلهم، وفي الجهة التي أتوا منها إذا لم يكونوا من السكان المحليين
القدماء أصلاً.
والداجو منذ زمن بعيد، وحتى اليوم، يوجدون في إقليم كردفان، وفي جنوب
دارفور، حيث يعيش الكثير منهم في جبال تعرف باسم جبال الداجو، كذلك
يوجدون في دار سلا، جنوب دار برقو، كما يوجد آخرون، قرب بحيرة
تشاد.
ويعتبر التونسي، الداجو من أقدم العناصر البشرية التي عاشت في دارفور.
ويقول بعض الداجو، عن أنفسهم، إن أسلافهم وفدوا من الشرق، أي من
المنطقة الواقعة جنوب سنار.
وذكر آركل، أن الإدريسي المتوفى عام 1153م، سجل أن سيد بلعق «فيلة»
وكان من أتباع ملك النوبة، ومن أمراء دولته، قاد حملة عسكرية، من بلاده
حتى وصل إلى «سميا»، وهي مدينة صغيرة في أرض «التاجويين» أو
الداجو، الذين كانوا وثنيين، ودمرها. ويرجح آركل، أن المدينة كانت تقوم
على تل اسمه «وارا»، في أرض السميات الواقعة شرق الفاشر.
وكانت المسافة من سميا إلى «تاجوا» تستغرق ستة أيام، ومن «تاجوا»
إلي «نوابية» ثمانية عشر يوماً، و«نوابية» هو الاسم الذي اشتق منه
اسم النوبة.
ورجح آركل أيضاً أن سميا دُمرت وحطمت بواسطة الحملة النوبية عام
1150م. وفي عام 1200م انقسمت أرض دارفور إلى عدة زعامات
ورئاسات داجوية.
وقد ذكر آركل، أن كلاً من الإدريسي الجغرافي وابن خلدون قالا: إن قبيلة
«التاجويين» أو التاجو، كانت تعيش في المنطقة التي تقع بين كانم في
الغرب، والنوبة في الشرق، ورجح أن الداجو هم من «التاجويين».
وأن الروايات المحلية قالت إن الداجو كانوا أصحاب الآثار الحجرية القديمة،
وأن هناك موضعين كانا مستقرين بسلاطين الداجو، أحدهما على جبل
«حليلة» والآخر على جبل «وارا»، وهما شرق الفاشر.
وفي جنوب شرق جبل مرة، توجد آثار في «ناري» قرب «كدنير»، قيل
إنها كانت منزلاً لسلطان الداجو المشهور «كاسيفوروك». وفي الجزء
الجنوبي من جبل مرة، وعلى رأس جبل «كيما» الواقع في شمال الشمال
الشرقي من قرية «كالوكتنج»، على بعد عشرين ميلاً منها، توجد آثار
مبانٍ حجرية، نسبت إلى «كسبر»، أول ملك للداجو، كما قيل. وكان جبل
أبو كردوس، قرب مدينة نيالا، مستقراً لآخر ملوك الداجو.
ومن تتبعنا لأماكن آثار الداجو، وجدنا أنهم كانوا، يعيشون في مناطق:
شرق وشمال الفاشر الحالية، وفي أجزاء من جنوب دارفور، كما لا يبعد،
أن يكونوا قد عاشوا أيضاً في المنطقة التي سميت بدار الزغاوة الآن،
ولعل بعض الآثار الموجودة في المنطقة، يرجع نوع منها إليهم، وأنهم
هم الذين خلفوها هناك، قبل أن يعمروا منطقة «سميا»، إذا صح القول
بأن «التاجويين» كانوا يعيشون في المنطقة الواقعة بين كانم والنوبة،
ولما كانت المنطقة متاخمة لأرض ملك «فيلة» النوبي، استطاع أمير
من أمرائها، أن يقود حملة، ضد الداجو، ويحطم «سميا» ويحتمل أن
الداجو، بعد ذلك انقسموا إلى زعامات تفرقت في البلاد، وأن الكثير منهم
نزحوا إلى الجنوب واستقروا في الجهات الواقعة، شرق جبل مرة.
ويبدو أن التنجر، بعد أن أصبحوا أقوياء، كانوا سبباً قوياً في رحيل الداجو
من الشمال إلى الجنوب.
ومهما كان من أمر الداجو وأصلهم، والمكان الذي كانوا قديماً فيه أو الجهة
التي أتوا منها، فإنهم في أكبر الظن كانوا قوماً ذوي خصائص ومميزات،
أهلتهم لأن يكونوا أبرز وأقوى المجموعات البشرية التي عاشت في أرض
دارفور في ذلك الزمن البعيد، واستطاعوا أن يهيمنوا على بعض القبائل،
وأن يكونوا لهم ملكاً. وربما حدث ذلك في القرن الحادي عشر أو القرن
الثاني عشر للميلاد.
وليس من السهل، تحديد حدود مملكة الداجو، كما لا يسهل معرفة بدء تاريخ
ظهور مملكتهم بالتحديد. ولا بيان الأنشطة السياسية والاجتماعية، ولا
العلاقات التي كانت بينها والمجموعات البشرية الأخرى المعاصرة لها.
ويرجع ذلك إلى الغموض الشديد الذي يكتنف تاريخهم، ونسبة لصمت الآثار،
واختفاء بعضها.
وإلى أن تُظهر الآثار خفاياها، أو تفصح هي عن نفسها يوماً ما، فسيبقى ما
علمناه عن هؤلاء القوم، مصدره الروايات المحلية، وترجيحات الباحثين
والمجتهدين.
قيل إنه، كان للداجو، خمسة وعشرون ملكاً، حكموا قبل ظهور التنجر كقوة
معترف بها في الأرض.وإن أول ملك لهم كان يسمى «كسُبور» أو {جيتار}
كما كان آخر ملك لهم هو المسمى «أحمد الداج».
وفي قول آخر، أن أحمد الداج كان أول ملك لهم. ثم أخيراً جاء الملك
«كاسيفوروك» الذي بموته انتهت مملكة الداجو في دارفور.وهناك أقوال
كثيرة، يظهر فيها الاضطراب، في أمر ملوك الداجو وأسمائهم.
وظهر التنجر، في شمال دارفور، وبدأوا يسيطرون على الأرض، ويتوسعون
فيها، حتى وصلوا منطقة جبل حريز التي تقع جنوب الفاشر.
وكانت مملكة الداجو التي تمركزت أخيراً، في المناطق الجنوبية من جبل
حريز، قد مالت إلى السقوط بسبب الضعف الذي حدث فيها، والفساد الذي
دبَّ في داخلها، ونحن إذ نقول هذا، نستحضر في الذهن قصة آخر ملوك
الداجو «كاسيفوروك» ذلك الملك الطاغية، الذي أمر رعيته كما تقول
الروايات المحلية، أن يحولوا جبلاً من جبال الداجو من مكانه، ويضموه
إلى أمثاله التسعة والتسعين جبلاً حتى يصير عدد جبال الداجو مائة جبل،
في مكان واحد.
وعملت الرعية في الحفر، حتى تعبت وكلت، ثم ضاقت وملت، والجبل راسخ
ثابت، في موضعه، لا يتزحزح. ومرت الأيام، وإزداد الناس اقتناعاً،
بعجزهم، وضعف حيلتهم، وتمنوا الخلاص مما هم فيه.
وتفتقت الأذهان عن حيلة، انطلت على الملك، وهي أنهم اقترحوا عليه أن
يركب «التيتل» وهو حيوان من نوع البقر الوحشي، غير أليف، قوي
الجسم سريع العدو. ولأن الملك كان قد ركب كل حيوان مما يركبه الناس
عامة، وزينوا له أنه بذلك، يتميز عن الرعية إذا ركب «التيتل»، لأنه
الملك القوي القادر على فعل كل شئ يريده».
:: نواصل ::
ممالك فى تاريخ دارفور «2 3»
المتوكل محمد موسي
الصحافة
الهدف من وراء الحديث عن تاريخ ممالك دارفور فى هذا الحيز .. هو تذكير وحث من يريدون حل أزمة دارفور الراهنة، أن عليهم قراءة تاريخ هذا الإقليم الذى ظل بمثابة دولة مستقلة لفترات طويلة من تأريخه، لها نظامها الإدارى وجيشها الوطنى وعلاقاتها الخارجية، وقبل هذا وذاك هو الإحساس المفعم لدى أهل دارفور بأنهم كانوا حكاماً لأنفسهم، ولذا عندما يطالبون بموقع نائب لرئيس الجمهورية فإنما يدفعهم هذا الإحساس. وعندما يطالبون أن تكون دارفور إقليماً واحداً فهم لم يأتوا شيئاً إدا، فقد تشكل هذا الأقليم وتخلق بحالته الراهنة استناداً على حقيقة تاريخية أزلية، هى أن إقليم دارفور كان ومنذ الأزل إقليماً واحداً وينبغى أن يظل هكذا.
ونواصل الحديث عن تاريخ ممالك دارفور ونحن نستشهد، بغير ما إسهاب، بمؤلف «صفحات من تاريخ دارفور» للأستاذ محمد موسى محمود: ضعفت مملكة الداجو، في الوقت الذي كان فيه التنجر، يبنون لهم ملكاً عريضاً في شمال دارفور. وما أن جاء القرن الرابع عشر الميلادي، حتى شهد في بداياته، خلو أرض دارفور، من سلطة الداجو، وظهر أن التنجر، قد أصبحوا سادة الأرض من بعدهم.
عرف التنجر اليوم وقبل اليوم، بأنهم قوم يعيشون في مناطق متفرقة، في شمال دارفور، وتشاد والنيجر. أما عن أصلهم، فليس هناك قول واحد يعتمد عليه تماماً، دون غيره. فقد قيل إنهم يرجعون في نسبهم إلي التبو، سكان بحيرة تشاد. وبعض التنجر، يدعون النسب إلى عرب بني هلال، وبعضهم يقول إنهم من بني العباس. وبعض الروايات المحلية، تقول وتدَّعي أنهم من سلالة أحمد المعقور، ذلك الرجل الذي عاش مدة في بلاط ملك من ملوك الفور، وخدمه بأمانة وإخلاص، وكان ذا ثقافة جيدة ومفاهيم حضارية، لا مثيل لها في البلاد، وكان مسلماً عاقلاً، انتزع إعجاب الملك به، فزوجه ابنته، التي ولدت له ابناً صار فيما بعد حاكماً على البلاد. وهذه القصة نسمعها كثيراً عن أصل الكيرا، وهي بالتأكيد، أقرب إلى أن تنطبق على الكيرا منها إلى التنجر، الذين كانوا قد أسسوا لهم مملكة في شمال دارفور، منذ زمن بعيد، وقبل أن تشيع في الناس قصة أحمد المعقور، وقبل أن ينتشر العرب في دارفور بأعداد كبيرة.
وقال موسى المبارك، عن التنجر: «أرجع آركل عرقهم إلى الأسرة المالكة، في بلاد التبستي، التي امتزجت بدماء العرب». وقال آركل: إن ماكمايكل نسبهم إلى النوبة، ولا يأخذ بالقول الذي ينسبهم إلى بني هلال، وأبي زيد الهلالي، وأحمد المعقور، لأنه يشك في أسطورة أو قصة أبي زيد الهلالي. ويرى أنه في القرن الخامس عشر أو السادس عشر، نزح من منطقة النيل، بعض النوبة المستعربين والمرتبطين ببني هلال، واتجهوا غرباً إلى دارفور، وفيها اختلطوا بالعناصر المحلية، ومن ثم عرفوا بالتنجر، وأنهم تمركزوا في عين فرح، ثم توسعوا حتى السهول الشرقية من جبل سي، ويعني هذا أنهم عاشوا في الجهات الحالية إلى منطقة كتم، شمالاً وشرقاً، وهذه المساحة لا تزال موطناً لمعظم تنجر إقليم دارفور.
وهذا الرأي يعطي، تاريخاً متأخراً، للتنجر في دارفور، في حين أن الروايات الأخرى، تجمع على أن التنجر، أسسوا لهم مملكة في دارفور، في زمن أقدم كثيراً، من القرن الخامس عشر الميلادي. وهناك بعض الأقوال، تفيد بأن التنجر، هم نتاج اختلاط بين البربر والنوبة، وأنهم جاءوا مدفوعين بضغط من بني هلال. ومن المحتمل أن يكون ذلك الضغط قد صاحبه أو سبقه، نوع من الاتصال، والاختلاط بين بني هلال وبين ذلك العنصر البربري/النوبي، مما جعل بعضهم يدعي الانتساب إلى بني هلال.
لو صحت دعوى التنجر أنهم من بني هلال أو من غيرهم من العرب، فهل نستطيع أن نعتبرهم كذلك من سلالة التنجر القدماء، الذين أوجدوا لهم مملكة في شمال دارفور، قبل دخول العرب بثلاثة قرون تقريباً؟ بالطبع لا. ولكن من المرجح أن يكون التنجر أصحاب مملكة «أوري» وغيرها من المدن القديمة، فرعاً من التبو، سكان أرض التبستي، الواقعة شمال بحيرة تشاد، وأنهم عاشوا في المدخل الرئيسي، للعرب المهاجرين من شمال أفريقيا إلى دارفور. وبمرور الوقت تأثر التنجر بالعرب والإسلام وبالثقافة الإسلامية الوافدة والتقاليد العربية، بحكم المعايشة والجوار، والمصاهرة، واختلاط الدماء. وربما كان لبني هلال ارتباط قوي وأثر كبير في بعض الجماعات من التنجر، فاختلطت الدماء وذابت الفوارق العرقية نوعاً، وصار التنجر عرباً باللسان والدين والثقافة والعادة.
ولعل صلة تنجر العصور القريبة، بأسلافهم القدماء هي كصلة المصريين المعاصرين بالأقباط القدماء. لأنه وبطول الزمن دخلت على التنجر عناصر عرقية متعددة، أظهرها العنصر العربي، الذي طغى على غيره، بما لديه من مؤثرات وميزات. ولكن بقي اسم القوم هو: التنجر، أو شعب التنجر الذي احتل مكانه البارز في تاريخ دارفور.
ومهما يكن من أمر التنجر وأصلهم القديم، فإنهم كانوا قديماً قد تمركزوا في وسط شمال دارفور، وإنهم عاصروا الداجو وقتاً ما، في آخر أعوام مملكتهم. وأن الداجو هؤلاء كانوا أصحاب مملكة قديمة قائمة في أرض دارفور آنذاك في الجزء الجنوبي الشرقي من جبل مرة، بينما شغل التنجر الجزء الشمالي والشرقي من نفس الجبل، أما في الوسط وإلى الغرب من الجبل المذكور، فقد كان الفور، هم السكان الذين عرفهم التاريخ هناك.
إن معرفة بداية تاريخ مملكة التنجر، من الحقائق التي يصعب الحصول عليها الآن. ولكن من المرجح أنها ظهرت إلى الوجود، في حوالي القرن الثاني عشر الميلادي. أما مكان ظهورها، فجبال «فورننق» الواقعة شمالي كتم تقريباً، حيث قامت مدينة «أوري» ثم مدينة عين فرح إلى الجنوب منها فيما بعد. وقيل: كانوا قد استقروا قبل ذلك في «ماسا»، وهي تقع في جبال «وانا» بين الفاشر وكتم. ولقد وجدت خرائب وآثار مدن صغيرة، على التلال والجبال المنبثة في وسط شمال دارفور، وصفت بأنها كانت للتنجر. غير أن أشهرها كانت: «ماسا» و«أوري» و«عين فرح» و«كوسي»، والأخيرة قامت في شرق جبل مرة. وتميزت كل تلك المدن، بأنها نشأت، في مناطق جبلية وعرة المسالك. ولا يعرف أحد الآن تاريخ نشأة كل مدينة منها، كما أنه يصعب تحديد تاريخ ظهور مملكة التنجر أول مرة. ولكن آركل يرى أنه في الفترة ما بين عام1350م وعام 1535م، كانت مملكة التنجر قد ظهرت كقوة رئيسية في دارفور، وأنها كانت تعتمد على تجارة الرقيق، وتصديرهم إلى شمال أفريقيا، وأن التنجر قد ضموا إليهم منطقة الفور، وتسببوا في دفع أو نزوح قبائل «البنقا» و«الباندا» و«القُلا» وغيرها إلى الجنوب والغرب، من مناطقها الأصلية.
وكانت «أوري» المدينة والمملكة، في آن واحد، أهم مركز للتنجر، في عهودهم القديمة، ومنها امتد نفوذهم التجاري والسياسي إلى الجهات المجاورة. ثم تمكنوا من تكوين مملكة صغيرة الرقعة، لكنها قوية وغنية، خلقت لها علاقات تجارية قوية، في أوقات السلم، مع مملكة كانم المجاورة، وذات السيطرة التجارية الواسعة فيما بين أرض كانم ومصر، تلك التجارة التي كانت تمر بجزيرة «صاي» الواقعة بين دنقلا والشلال.
ولقد قفزت دولة كانم إلى المقدمة، من بين ممالك أفريقيا المسلمة، في القرن الثاني عشر الميلادي «وبعد أن اعتنق أهل كانم الإسلام في القرن الحادي عشر الميلادي اكتسبت دولتهم أهمية كبرى، وبسطت سلطانها على قبائل السودان الشرقي إلى حدود مصر والنوبة» ، ولقد حدث هذا التوسع الكانمي الهائل، وبلغ مداه، في عهد إمبراطورها «دناما دبلمي» 1210م 1224م، وقيل: «إن «دبلمى» هذا دفع حدوده الشرقية إلى شواطئ النيل الوسطى، وكان له الإشراف المطلق على مسالك التجارة في الشمال إلى فزان». وفي ذلك الوقت بنى أهالي كانم منزلاً لهم في مصر، عرف باسمهم، لراحة المسافرين منهم.
ولعل المد الكانمي ابتلع مملكة التنجر، في حوالي القرن الثالث عشر الميلادي، وصيرها جزءاً من إمبراطورية كانم، ولا ندري كم من الزمن مضى، وكانم تهيمن على مملكة التنجر التي خضعت لها، أو وقعت تحت نفوذها. وصمت التاريخ فلم يحدثنا بشيء عن التنجر وعن كانم، والعلاقة بينهما. ولكن الذي حدث، هو أن إمبراطورية كانم بدأت تضعف بسبب الخلافات الداخلية، وبسبب حروبها ضد قبائل «البلالة» التي قتل فيها بعض ملوك كانم. ثم انحسر ظل الامبراطورية الكانمية، وتقلص عن أرض كانت تقع في نفوذها، ومن ضمنها مملكة التنجر. وقد حدث ذلك في القرن الرابع عشر الميلادي، بناءً على ما ذكره آركل، في قوله: إنه في عام 1350م إذا لم يكن قبله، فقدت كانم السيطرة على شمال دارفور.
إذن، كوَّن التنجر مملكة صغيرة في شمال دارفور وأنشأوا مدينة «أوري» في منطقة جبال «فورننق». ثم وقعوا تحت سيطرة كانم، ردحاً من الزمن، ولما ضعفت دولة كانم، عاد إليهم استقلالهم الكامل. وصاروا أقوياء في الحرب وفي التجارة، وتمكنوا من بسط نفوذهم على القبائل والممالك الصغيرة المجاورة لهم، ثم البعيدة منهم، واستولوا على أراضي الداجو وغدوا أصحاب مملكة واسعة شملت معظم أرض دارفور.
ومن المرجح أن التنجر في أواخر القرن السادس عشر استطاعوا في هبة قوية واندفاع كاسح، أن يبسطوا سيطرتهم على معظم أراضي دارفور، وأن يضمَّوا إلى حكمهم منطقة وداي المجاورة لهم، وبذلك أصبحت مملكة التنجر امبراطورية في زمنها.
وكتب آركل أن الرحالة «بارث» ذكر أن التنجر مدوا امبراطوريتهم من دارفور حتى حدود باقرمي ، وكان مقر الملك في دارفور حيث توجد عاصمة التنجر القديمة «أوري» والمدينة المهمة «عين فرح». ولما كانت امبراطورية التنجر واسعة، فقد كان لهم حاكم منهم أو نائب للملك في وداي، يتخذ من «كداما»، وهي كبرى مدن وداي مقراً له، وداراً لحكمه. ومن وداي كانت الجزية ترسل إلى دارفور، حيث يقيم ملك التنجر الكبير، ولا ندري بالتفصيل من ماذا كانت الجزية تتكون؟ ولكن قيل عنها إنها كانت تتمثل في فتاة عذراء، ترسل من وداي إلى حريم ملك التنجر في دارفور كل عام. وكانت تعتبر رمزاً لخضوع وتبعية أرض وداي لدارفور. ولعل التركيز على فتاة عذراء ترسل إلى دارفور كل عام، يرجع سببه إلى تقليد طقسي، لا نعرف حقيقته. وربما كانت هناك أشياء أخرى ترسل بجانب الفتاة. واستمر نظام إرسال الجزية، إلى أن انتهت امبراطورية التنجر، وإلى ما بعد قيام سلطنة الكيرا في دارفور.
وثارت القلاقل وكثرت في وداي، وفقد التنجر سيطرتهم عليها. وذكر آركل أن الوطنيين قاموا بثورة ضد التنجر لكراهيتهم لهم، لأنهم أجانب. وأن العرب الوافدين حديثاً إلى وداي، اشتركوا في الحروبات ضد التنجر ، وانفرط النظام وضعفت سلطة نائب الملك وأتباعه على الرعية في وداي. وفي عام 1635م على الأرجح، تمرد أحد الولاة الأقوياء في وداي، على حكم التنجر واستطاع أن ينتزع الحكم من يد الملك داؤود التنجراوي، وأن يكون سلطنة مستقلة، عرفت بسلطنة وداي.
أما في دارفور، فنجد أن التنجر بعد أن كانوا أصحاب امبراطورية، فقد آل أمرهم إلى الضعف، مما أتاح الفرص للممالك القبلية، لتنمو وتقوى محلياً، ومن بين تلك الممالك المحلية القبلية مملكة الفور في منطقة جبل مرة، وظهرت أسرة الكيرا، التي ورثت مملكة الفور وكونت لها سلطنة محلية صغيرة، لكنها قوية ما لبثت أن ظهرت على المسرح السياسي والحربي، ونافست التنجر في حكم البلاد، ثم تمكنت من ازاحتهم عن الحكم، ولعل ذلك كان قبل أن يخرج الحكم من أيدي التنجر في وداي. ولا ندري بوضوح تام كيف انهارت مملكة التنجر في دارفور، ولا كيف استولت أسرة الكيرا على الحكم بعدهم. والسبب هو عدم وجود شيء مسجل يبين الذي حدث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.