تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دارفور و تسونامي سقوط الأنظمة الإستبدادية: أفق جديد (7)
نشر في السودان اليوم يوم 09 - 04 - 2011

دارفور و تسونامي سقوط الأنظمة الإستبدادية: أفق جديد لمعالجة شاملة (7)
أحمد ضحية
الصراع المسلح والوضع الإنساني في دارفور...
توصل دكتور حيدر إبراهيم في سياق إحالاتنا إليه في المقال السابق ,إلى فكرة مهمة تسود الجبهة الإسلاموية وهي فكرة إستراتيجية , مضادة للديموقراطية . فمن خصائص المجتمعات الشمولية , وبالذات النظرية النازية في ألمانيا .والفاشية في إيطاليا , والستالينية في الإتحاد السوفياتي إبان مجده , رسوخ فكرة المجتمع / الأمة .
وفي السودان نجد هذه الفكرة في تصور الجبهة الإسلاموية , لنفسها بأنها تمثل الجماعة الأمة أو المجتمع الأمة (1) قد غزّت الفكرة الإستراتيجية للجبهة الإسلامية " كونها مضادة للديموقراطية " , السلوك السياسي لها ,خلال تجربتها طيلة السنوات الماضية . ويبدو ذلك واضحا ,في محاولتها إلغاء الإثنيات السودانية قسرا . " جبال النوبة - المجموعات غير العربية في دارفور - الجنوب وجنوب النيل الأزرق- وشرق السودان " . بواسطة آليات العنف والقوة القاهرة . ما جعل الأمور تؤول إلى ما آلت اليه!.
وهنا ينبغي لنا أن نتوقف قليلا عند مصطلح "الإثنية" ,حسب عبد العزيز الصاوي في "حوارات الهوية والأزمة الوطنية",أو كما أشرنا إليه فيما تقدم من فصول . فعلى الرغم من شيوعه , فيما طرح من كتابات سودانية . إلا أننا نجد أنه قد أهمل تعريفه , أو بدى تعريفه غامضا , ما بين العرق والثقافة / الدين . ولكن الثابت أنه ليس له مقابل عربي , في حدود علمنا . وقد ترجم في إستثناء نادر تماما إلى(كلمة قوم ) ,لأن هناك إجماعا على صعوبة تعريفه . حتى في المصادر العلمية الأجنبية , التي صاغته أصلا . فما قاله عالم الإجتماع والسياسة الإيطالي المعروف باريتو (1848 - 1903 ) من أن المصطلح " إثني " واحد من أكثر المصطلحات غموضا في علم الإجتماع .
ومع ذلك , نحيل هنا بشكل أساسي , لما ورد في الموسوعة البريطانية , حول كلمة مجموعة إثنية ethnic group وهي جماعة أو مجموعة من السكان , تتميز عن المجتمع الأكبر , وتربط بينها وبين أفرادها, روابط مشتركة من العرق واللغة القومية / الوطنية nationality. أو الثقافة . ونلاحظ أن مثل هذا التعريف للجماعة الإثنية , لا ينطبق تماما حتى على مستوى الشمال في السودان .كوحدة إجتماعية واحدة .فوحدة الأصل العائلي مفتقدة هنا . إلى جانب أن لبعض المجموعات لغة أخرى غير العربية ,ربما يتحدثون العربية إلى جانبها ,أو ليس لديهم معرفة كافية بالعربية.لذلك لا يتحدثون سوى لغتهم ,والتي هي اللغة التي تميزهم كإثنيات .
وهكذا لايمثل ما درجنا على تسميته ب:"الشمال مجموعة إثنية واحدة - عرب" , وإن أسهم الدين الإسلامي فى تقليل الفروق الثقافية في الشمال - أعني هنا الشمال المعنوي" المركز " - وينطبق ذات الوضع على بقية أجزاء السودان (2) وربما - فضلا عن طبيعة الإسلام - ذلك هو ما دفع الجبهة الإسلاموية , أن تكون هي المجتمع أو الأمة .
ولإصطدام مشروع الجبهة الإسلاموية ,بخصوصية وذاتية الإثنيات , قررت سحق هذه الإثنيات وإبادتها عرقيا,بعد أن فشلت في تعريب بعضها,وأسلمة بعضها الآخر,فهي لا ترضى إلا بالتعريب والأسلمة معا ,بسبب إلتباس الهوية/الدين ,الذي تحدثنا عنه فيما سبق من مقالات,وذلك للتخلص نهائيا من متناقضات مشروعها بهذا الخصوص .
لذلك لم يكن غريبا إبتدارها لحروب إبادة في : الجنوب,جبال النوبة,جنوب النيل الأزرق ودارفور , كما أنها إستهلت مشاريع إبادتها للإثنيات , بداية بأثننة السياسة نفسها, بمعنى تكريس الإثنية , حتى تلعب هذه الإثنية دورها الإقصائي والتدميري تجاه الآخر, الذي لا ينتمي لذات هذه الإثنية . فانشأت الجبهة الإسلاموية, في سبيل إنجاز هذا المشروع قسما أمنيا ( أمن القبائل ) مهمته الأساسية تتمثل في التلاعب بمتناقضات الإثنيات , لتكون الحصيلة في النتيجة النهائية: سحق العنصر غير العربي, في السودان ,خصوصا بعد أن تأكد لها ,فشل مشروعها للأسلمة والتعريب القسريين.
كذلك أنتجت محاولات الجبهة الإسلاموية , لإستيعاب الإثنيات المختلفة , ردود فعل حادة ضد هذا الإتجاه الإستيعابي, الذي يعمل على تذويب الفوارق - يلاحظ أن الجبهة قالت بذلك , على المستوى النظري , فهي عمليا تبنت إتجاه الدمج والإستيعاب القسريين, أو الإبادة على نحو ما ذكرنا, بتكريس الإثنية وأثننة السياسة . على خلفية التوجه العنصري التعريبي الإسلاموي ,الذي ينطوى عليه المشروع الحضاري,والذي طال حتى : تغيير أسماء الشوارع والشركات ,والمدارس ,إلى أسماء عربية إسلامية,بل طال كل مظاهر الحياة العامة, حتى محلات المرطبات, بل وتغيير الأسماء غير العربية لأعضاءها من غير العرب,هذا المشروع التلفيقي هو نفسه ,كان من أبرز عوامل إنقسام تنظيم الجبهة الإسلاموية .
وهذا لا يعني أن هذه المجموعات الإثنية ( خاصة في دارفور ) أفاقت للمرة الأولي بعد 1989 , على حقيقة ما تستبطنه لها قوى المركز, التي تعبر من خلال الجبهة الإسلاموية ,عن أقصى حدود توجهاتها المستبطنة وغير المعلنة, وأشواقها وتطلعاتها في التعريب والأسلمة لكامل تنوع السودان ,إنطلاقا من فكرة البوتقة وإعادة الإنتاج للناس والتاريخ والهوية وكل شيء! بمعنى شيء أشبه ب"فرن سنار"! (3).
إذن عبرت الجبهة الإسلاموية القوموية ,عن منتهي فكرتها في الوطن والمجتمع الأمة,وهي الفكرة ذاتها التي تنطوي عليها الطائفية وقوى الإسلام السياسي الأخرى, لكنها ظلت حبيسة هذه القوى إلى أن أفرجت عنها الجبهة الإسلامية بفجاجة. ففي واقع الأمر تمثل الجبهة الإسلاموية أقصى وعي هذه القوى "بذاتها" في السودان .
لعشرات السنين ظلت فكرة الخلاف السلالي " القبلي" والإثني , هي الفكرة السائدة في معظم , محاولات تفسير إندلاع النزاعات الدموية في العالم . ومن خلال ربط التنوع العشائري , والثقافي الكبير , في السودان بثقافة المنافسة, التي فرضتها البيئة القاسية , وضيق الفرص المتاحة للإستفادة من الثروات الطبيعية والثقافية , أعتبرت النزاعات الإثنية موضوعا مسلما به .حسب وجهة النظر الأولى هذه , فإن النزاع الإثني هو جزء لا يتجزأ, من الإرث التاريخي, الذي حملته الدولة الحديثة معها , كتأريخ ومؤشر لإتجاهات المحافظة الثقافية والنظرة التقليدية , التي يفترض سيادتها في المجتمعات العشائرية (4) .
من سمات الإثنية الشعور بالإنتماء المشترك , الذي يتمثل عادة في التاريخ المشترك ,لأعضاء المجموعة - التفرد الثقافي الذي يتمثل في اللغة والدين , الخ .. كذلك الجانب العرقي , أى الإنتماء لأصول عرقية مشتركة إلى جانب الإقليم أو الجهة , حيث تتركز المجموعة الإثنية المعنية داخل وحدة سياسية أكبر (5) ولعدم تفهم الجبهة الإسلاموية لهذه الحقائق , للتعامل معها بموضوعية.مارست نزوعا عنصريا داخل تنظيمها ,ترتبت عليه حركة داؤود بولاد في 1991 , خاصة أن تسليح "سوار الدهب للقبائل العربية " قوات المراحيل ", وتكوين الجبهة الإسلاموية لقوات الدفاع الشعبي "أسندت ذلك لسوار الدهب أيضا ", أسهم كل ذلك إلى جانب ما أشرنا إليه ,في أن تمضي الأمور يوما بعد يوم, إلى تدهور مريع:حيث تم إحراق مئات القرى , وقتل آلاف المواطنين . وتوقعت الأمم المتحدة وقتها(2003), أن يموت مليون مواطن خلال العام 2004, إذا لم يتم تدارك الأوضاع المأساوية في دارفور ..
هذه السياسات المدمرة كانت قد إستوت منذ 1983 , لتكشف بسفور عن فداحتها في 1987 في مذبحة الضعين . والمذابح التي تمت في إقليم وادي صالح غرب دارفور ,"من قبل القبائل العربية ضد الفور" , ما حفز المجموعات غير العربية للدفاع عن نفسها , فأنتظم الفور في قراهم وكونوا "شباب الفزع " , بعد ذلك حدثت عدة معارك بين الفور والعرب , راح ضحيتها الكثيرون . هذا في الوقت الذي كان فيه للحزب الحاكم 34 نائبا من دارفور , من العرب وغير العرب(على غرار الترميز التضليلي- تمومة جرتق) . حيث كانوا أكثر من نصف نواب حزب الأمة في البرلمان , إذ لم يكن لهؤلاء النواب, الذين جيء بهم إلى البرلمان كتمومة عدد,أي صوت إزاء ما يحدث لأهلهم وإقليمهم . كما أن حزب الأمة, أطلق يد القوات الليبية في دارفور, لمطاردة القوات التشادية , والضغط على الحكومة التشادية لتغييرها من دارفور .
وحيال ذلك سير أبناء دارفور ضد الوجود الأجنبي الليبي – التشادي, وضد ممارسات حزب الأمة , مسيرة إحتجاجية بالعاصمة القومية . وبذل حزب الأمة مجهودا جبارا, لإجهاض هذه المسيرة السلمية . على الجانب الآخر شجعت هذه الممارسات القبائل العربية ,للإعلان عن "تنظيم التجمع العربي" بأهدافه الإحتلالية الإستيطانية . التي أسفرت عن وجهها بعد ذلك بوضوح .. إذ طمح تجمع القبائل العربية ,لإزالة القبائل غير العربية وإحلال القبائل العربية محلها . يتجلى هذا الآن, وبعد كل هذه السنوات بوضوح في : الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري في دارفور,للقبائل غير العربية . .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن تنظيم تجمع القبائل العربية ,كان قد أوفد بعض قياداته إلى الخرطوم ,حيث التقوا بالسيد الصادق المهدي رئيس الوزراء حينها ,كما إلتقوا برؤساء التنظيمات الأخرى.وبهذا وضع الأساس لتتبلور تنظيمات عربية عنصرية مثل ( قريش -1) و ( قريش - 2 ) ,إلخ ..على عهد الإنقاذ . وهذان التنظيمان يعتبران تنظيمان غامضان , أعلنا عن نفسيهما في منتصف تسعينيات القرن الماضي , عبر بيانات وصلت إلى الجامعات السودانية , بالتزامن مع الحديث المتنامي عن " دولة البقارة الكبري " و " دولة الزغاوة الكبرى " . اللتان تعكسان مدى أطماع العرب والتشاديين في دارفور .
لقد تميز المجتمع السياسي في دارفور, بالإنقسامات الإنشقاقية, بسبب الإختلافات القبلية واللغوية والثقافية والإقتصادية والإقليمية . ومع ذلك فقد وفر المجتمع المشترك , الذي أتاحته وحدة الدين والسلطة الدنيوية , ممثلة في الأسرة المالكة " الكيرا " التي إدعت القربى من الرسول (ص) بسبب المنحدر العربي , والنسب مع المجموعات المحلية , المستقلة من خلال إستقطاب الزوجات للأسر الحاكمة , كأمهات لملوك المستقبل , مجتمعا مشتركا , كان الحفاظ عليه واجبا مقدسا .تمليه القرابة وقبولا بإرادة الله !(6) .
بزوال السلطنة ووقوع دارفور , في "ظل" السلطة الشمالية, بعد ذلك إبتداء من 1956 , أخذ ثمة فراغ عريض, يسهم بشكل أو آخر في تهديد الأمن والتعايش السلمي . ومنذ الحرب بين بني هلبا والرزيقات في 1979, بات واضحا أن هذه الحرب ,مقدمة لحروب دموية , سيشهدها الإقليم على مستويات مختلفة , وبالفعل خاض التعايشة حربا ضروسا ضد السلامات في 1980 , وأندلعت حروب وصراعات بني هلبا والرزيقات في 1982 . والقمر والفلاتا في 1987 . وقبيلة الشرتاي أحمداي والبديات في 1989 . والفور والعرب في 1989 والزغاوة والقمر في 1990 والزغاوة والمعاليا في 1991 والزغاوة والمراريت في 1991 والزغاوة وبني حسين 1991 والزغاوة والبرقو في 1991 , والفور والترجم في 1991(7).والعديد من الحروبات العربية – العربية (و) العربية-غير العربية(و) غير العربية – غير العربية!.إلى أن توحدت إرادة العرب في حلف قابله على الجانب الآخر حلف غير عربي! ومثل هذا نقلة جديدة لطبيعة الصراعات في هذا الإقليم المعزول .
ولأن نظام الإنقاذ جاء فاقدا للأهلية والشرعية, وعاجزا عن إيجاد الإجابات الصحيحة ,للأسئلة التي يطرحها الواقع , عمق هذا من الأزمة في دارفور. فدخلت الأزمة في أسوأ مراحلها , بمحاولة النظام منذ يومه الأول, إحداث إختراق بين المجموعات القبلية . فالجبهة الإسلاموية كتنظيم إسلاموي يتسم بضيق الأفق بسبب طبيعة مشروعه الإسلاموي ,يختلف قليلا عما أعتادت عليه هذه المجتمعات, في التنظيمات الطائفية , التي لا تخلو من طابع صوفي,يربك تصنيفها ضمن (حركات الإسلام السياسي ) (8) .. فكان مدخلها الأساسي -أي الجبهة الإسلاموية – يتمثل في , إعادة إنتاج تجربة نميري , بتفكيك الإدارة الأهلية , وبنائها على نمط جديد يدين لها بالولاء , فقامت بتجزئة إدارات القبائل , إلى وحدات إدارية أصغر . كما أنشات داخل هذه الوحدات , وحدات إدارية جديدة لقبائل كانت في السابق , تتبع لتلك القبائل .
ثم عمدت إلى تعيين رجالات الإدارة الأهلية القدماء , أو تعيين أشخاص جدد في أحيان كثيرة . لامؤهلات أو كفاءة لهم , كما أنهم لا علاقة لهم بأهل المنطقة , فنظام الإدارة الأهلية الجديد , الذي أدخلته الجبهة الإسلاموية , هو نظام " الإمارة – في محاولة لتعريب وأسلمة نظام الإدارة المحلي الذي أرسى دعائمه الفور ,مأخوذا في مسمياته من لغتهم ,التي يعتبرها العرب رطانة! " (من الضروري هنا التركيز على المحتوى الدلالي وفقا للنظام الدلالي العربي , في كلمة : إمارة لفهم ما تقدم) , والذي غيرت إليه الإنقاذ مسميات رجال الإدارة القديمة . مثل : الدمنقاي . الناظر . الشرتاي , الخ .. هذا النظام بمسمياته الجديدة , يعارض كليا النظام الأهلي الموروث , الذي ألفته مجتمعات دارفور, لأكثر من ثلاثة قرون , فأصبح جزء من وجدان الناس , وتراثا مرتبطا بالسلطة والسلوك والفكر (9) فرجل الإدارة الأهلية رمز وزعيم , وليس مجرد موظف حكومي .
وعلى سبيل المثال نجد أن دار مساليت , التي ظلت وحدة إدارية متماسكة ,منذ إنضمامها إلى السودان , بإتفاقية الحدود بين بريطانيا وفرنسا في 1919 , هذه الوحدة الإدارية, قسمت إلى ثلاثة عشرة إمارة , على رأس كل إمارة أمير , ومنها خمس إمارات للقبائل العربية , وذلك بقرار من والي ولاية غرب دارفور في 1995 . هذا التنظيم الرامي إلى تفتيت الأرض , أربك المجتمع بأسره وزرع الشكوك والمخاوف , ومزق النسيج الإجتماعي القديم . وأظهر للمساليت أصحاب الدارالأصليين . أن الأمر كله ,متعلق بتفتيت ديارهم , إلى وحدات إدارية عديدة, وإعطائها للقبائل العربية, التي وفدت إلى ديارهم حديثا .وبهذا الشعور المليء بالخوف على التراث والأرض (10) إنفجر الصراع بين العرب والمساليت .
وهو من الصراعات الدموية العنيفة, التى لا يماثلها أو يفوقها ,إلا الصراع بين العرب والفور في وادي صالح في 1989 والصراع الراهن . منذها وهذه الصورة تتكرر إلى الآن, في كل مناطق دارفور .
ويتضح من إستراتيجية العمل الإسلاموي , التى أعلنتها الجبهة الإسلاموية , مدى الإهتمام "الزائف" للجبهة الاسلاموية , بتبني قضايا مطلبية عادلة, من خلال "حركات التوالي" التي أنشأتها في الإقليم ,على غرار قميص عثمان , أو قولة الحق التي أريد بها باطل,ردا على حركات مطلبية مثل تحرير السودان والعدل والمساواة, وفقا لمنهجية"أحزاب التوالي" الشهيرة ) .
فكما إجتهد الترابي لخلق تنظيمات موالية له, ردا على العمل المعارض لأحزاب التجمع,عمدت الإنقاذ إلى خلق حركات موالية أو تيارات موالية في الجماعات الضاغطة (11) .
إذن عبرت الحركة الإسلاموية بوضوح , عن تفرد الخط الداعي , للوصول إلى السلطة . سواء عن طريق التحالف أو الإئتلاف , أو النصح أو الإستشارة أو الإستفراد أو الهيمنة الكلية (12) . وقد تحقق لها ذلك كليا , بإستيلائها على السلطة في 1989 , مما مكنها من " نهب غير مقدس " وهائل لمقدرات البلاد (13) وتمزيقها إلى أشلاء , خلال تواطؤ السلطات الإقليمية و المركزية مع المليشيات العربية "الجنجويد" , التي قام النظام بتدريبها (معسكرات تدريب شباب القبائل منذ 1991) , والذين تم تمليكهم وتمليك القبائل العربية (الأهالي ) السلاح الذي رخص لهم حمله, بقرار صادر من سلطات الفاشر في 1993 .
ليختبروا بعد ذلك مهاراتهم الحربية, التى تعلموها في المعسكرات في: حربهم ضد الزغاوة في 1994 والبرتي في 1995 وضد الزغاوة في 1997 ومرة أخرى ضد الزغاوة في ذات العام 1997 . وصولا إلى الحرب الشاملة التي إبتدرها ,عبد الواحد ومن ثم مناوي فخليل إبراهيم .
إذن كانت تلك الحروب الصغيرة ,هي إختبار وتمهيد للحرب الضارية المستمرة حتى الآن . (بقيادة جيش تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة ) , ضد مليشيات الحكومة وأجهزتها الأمنية والعسكرية.
إذن المشهد الراهن . نتيجة طبيعية , لما وجدته الجبهة الإسلاموية في يدها من سلطة دينية , مدججة بقوانين قمعية جائرة (14) وجيش مسلح بالعدة والعتاد الحربي المتطور , ضد المدنيين العزل والأبرياء , ما أحال الإقليم إلى كتلة من النيران الملتهبة,لا تجري في وديانه سوى الدماء ..
حركة داؤود بولاد 1991 :
لفهم أفضل للحركات المسلحة الراهنة ,لابد من الإشارة هنا, إلى حركة داؤود يحى بولاد ,الذي كتب عنه شريف حرير شهادة مؤثرة, فبولاد الذي ولد عام 1952 . ودرس القراءن في أسرة تنتمي إلى قبيلة الفور , في جنوب دارفور . بالقرب من مدينة نيالا . ومثل الكثير من السودانيين, شهادة ميلاده بتارخ تقديري 1/1/1952, وهي لابد قد قدرت بواسطة طبيب بعد سنوات من ميلاده. وقد بدأ بولاد مسيرته التعليمية عام 1959. تربى بولاد في أسرة أنصارية يمثلها حزب الأمة سياسيا ..
إذن هوية بولاد تمت صياغتها ,خلال سنوات حياته مع أسرته . في دارفور حيث تعلم لغة الفور . ونشأ في طائفة دينية سياسية , وتعلم اللغة العربية كلغة ثانية له . خلال دراسة القراءن عن طريق الحفظ , ونظام التعليم القومي , بعد أربع سنوات من التعليم الإبتدائي ,نافس بولاد لدخول المرحلة المتوسطة في 1963. حيث درس فيها اللغة العربية والتربية الإسلامية ,والحساب وتاريخ السودان الحديث وتاريخ أوروبا أيضا !..
لقد خلق كل ذلك صراعا لا يمكن تفاديه , بين الأفكار والآراء المحلية ,في الثقافة الفوراوية الأم والتراث القبلي . والآفاق الجديدة , التى فتحت في المرحلة المتوسطة . يمكن وصف الإطار العام , الذي كان يعمل فيه بولاد , حتى لحظة وقوعه في قبضة زميله, الحزبي السابق الطيب سيخة حاكم دارفور في أواخر العام 1991 . بأنه إطار معقد :
أولا :هويته كشخص من قبيلة الفور , ثانيا : النظام التعليمي الموصل إلى هويته القومية ..
أحبط بولاد مثل أغلب المتعلمين في دارفور بالطائفية . لذلك بدأ يبحث عن بديل آخر في الساحة السياسية , وبحكم أصله من الفور , إختار بديلا يلبي قناعاته الدينية , وأعتقد أن الأخوان المسلمين هم هذا البديل . وقد تمت عملية ضم بولاد وعدد كبير من أبناء جيله , إلى عضوية الأخوان المسلمين , بواسطة أساتذتهم في المتوسطة .
وأثناء فترة حكم نميري مابين 69 - 1985 أصبح بولاد من أبرز قيادات الإسلام السياسي , وصار رئيسا لإتحاد طلاب جامعة الخرطوم , وهو طالب بكلية الهندسة . وتدرج بولاد إلى أعلا المراتب بحكم المعايير التنظيمية الداخلية . وفي عام 1978 . عندما تم توقيع إتفاقية المصالحة الوطنية , عمل بولاد مباشرة مع الترابي وعلي عثمان محمد طه .
تخرج بولاد من الجامعة عام 1978 , متأخرا عامين بسبب نشاطه في التنظيم , بعد تخرجه إختار العودة إلى بلدته نيالا في جنوب دارفور . وأقام ورشة نجارة بمساعدة من بنك فيصل الإسلامي . وظل بولاد نشطا في الحركة الإسلاموية .
وفي الفترة من87 - 1989 خرج بولاد من عزلته البديعة , وكان عليه خوض حرب بقاء قبيلته على قيد الحياة, عندما تحالفت 27 قبيلة عربية ضد الفور , وشنت حرب إبادة وتطهيرعرقي ضدهم. وذلك بتخطيط من حكومة المركز , التي ضمت حزبه وقتها وتحالف الأمة والإتحادي .
في 1989 قام زملاؤه بتدبير إنقلاب 30 يونيو 1989 . وفور سيطرتهم على السلطة , غادر بولاد السودان ليعود إليه ( في خور قمبيل ) في أواخر 1991 , كقائد لإحدى قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان . لمحاربة زميله السابق , حاكم دارفور " الطيب سيخة" , الذي قام بجمع قوات الجيش والأعداء المحليين للفور ( الذين يعرفون بالعرب الفرسان ).
بعدها ظهر بولاد في شريط فيديو ,عرض في التلفزيون السوداني , وهو في حالة من التعب والإرهاق , بسبب التعذيب .. وقد وعدوا بمحاكمته بتهمة الخيانة . لكن فعل رفاقه الآيديولوجيين العكس . إذ فضلوا القضاء على هذه الظاهرة المحرجة لهم, قبل إتاحة الفرصة له للعيش , والدفاع عن نفسه ,حتى لو كان ذلك أمام محاكم (الكونقرو) التابعة للإسلامويين السودانيين , في الخرطوم اليوم .
لقد وضع بولاد وجيله , الذي حاول تنفيذ مشروع المركز للوحدة الوطنية ,عن طريق الإسلام السياسي , في إمتحان صعب . لقد كانوا ينتظرون الحكومة ,أن تقوم بدور لمنع تدفق السلاح الليبي , ووضع حد لأعمال المعارضة التشادية, وحلفائها من القبائل الرعوية المحلية . لكن بدلا من التعامل مع هذه المشاكل , عملت الحكومة على تكوين المليشيات القبلية ,من القبائل العربية الرعوية , ومدتهم بالسلاح . الذي أستخدم ضد الفور . وقد تطورت هذه المليشيات ,فيما بعد إلى قوات "الدفاع الشعبي " , وبدأوا في إحتلال قرى دارفور وتسميتها "مناطق محررة " .
لقد تمت هذه المؤامرة الكبرى بواسطة العرب . ضد المواطنين الأصليين غير العرب في دارفور . عن طريق حدود دولية, ومساعدة عسكرية من قوة إقليمية , لها قوة إقتصادية كبيرة . ونزعة قومية عربية. والحكومة السودانية ,التي تسيطر عليها صفوة الوسط , لم تفعل شيئا إزاء ذلك .
وبإقامة العرب لتنظيم يضم 27 قبيلة عربية, وتحديدهم لأهدافهم المتمثلة في محاربة المجموعات غير العربية " الزرقة " , لحماية مصالحهم وسياساتهم, التي تهدف لنشر الثقافة العربية"كما يتصورونها".
إتضح لبولاد بجلاء مدى التفرقة بين أبناء البلد الواحد- إذ أنه لوحدث ذلك في أي بقعة من الشمال لما مر مرور الكرام- , كانت تفرقة مروعة ككل التفرقات, التي ظل يعانيها النوبة والجنوبيين,إلخ. في هذا المناخ المعين , إكتشف بولاد وجيله , أن الأشكال المتعددة للإسلام السياسي , قد أستغلت لتمكين القومية الشمالية , التي تعبر عن الوسط . .
أول مؤشر لبداية البحث عن الذات , عند جيل بولاد . حدث عام 1988 عندما إنتقل إثنان من أبناء دارفور من الجبهة الإسلاموية القوموية, إلى الإتحادي الديموقراطي . وقد كان بولاد صامتا حتى جاءت الجبهة الإسلاموية بإنقلاب عسكري في 1989 . فغادر بولاد السودان عبر مطار الخرطوم , لكي يعود بعد عام إلى جبل مرة , قلب إقليم دارفور . كقائد لإحدى فصائل الجيش الشعبي لتحرير السودان . وهكذا على حطام " العنصرية المدعية " , ماتت النزعة القومية العريضة لبولاد , وترك في مكانها أساس الإنتماء الوطني لهويته الأصلية " الفور" (15) ...
حركة تحرير السودان :
شهدت الفترة التي تلت مقتل بولاد ,الكثير من حوادث الإحتراب القبلي , في أرجاء عديدة من دارفور . وقد آلت إلى تشكيل نهائي في الحرب الحالية , الدائرة منذ 1989 .حيث تصاعدت أعمال حرق القرى , وقتل المواطنين , وبروز إتهامات للحكومة بضلوعها في هذه الأحداث : ( جبل مرة / الفور )- الجنينة / المساليت ) . وتأجيجها للصراع بموالاتها لأطراف ضد أخرى .وحينما بلغ الإنفراط الأمني أشده , تم عقد مؤتمر صلح في الفاشر , وأثناؤه تم إحتلال قولو في جبل مرة من قبل " نهضة دارفور " , التي رفعت علمها إيذانا ببدء الكفاح المسلح ..
شكل مؤتمر الصلح لجنة لمقابلة المظالم . ومع سير هذه المفاوضات, قامت الحكومة بمهاجمة قولو , مما أدى لتعنت محاربيها ورفضهم الحوار . كانت تلك محاولة مضمونة النتائج , من جانب الحكومة لإجبار المحاربين, بالمضي قدما في حربهم . وهذا أيضا تاريخ لمرحلة جديدة , للمواجهة العسكرية بين الحكومة وحاملي السلاح , في جبل مرة . وقد سارعت الحكومة في البداية, للبحث عن مسوغات لهذه الحرب.بأن المحامي / عبد الواحد محمد نور , من أبناء زالنجي " شيوعي". مما يعني ضمنيا مشروعية مجاهدته ومحاربته . ورغم دعاوى الحكومة بوصم المحاربين ضدها ب "الفيلق الشيوعي " بادر الدكتور خليل إبراهيم " زعيم حزب العدالة والمساواة " من مقره بألمانيا , معلنا أن حركته وراء هذه الأحداث . . ومضى في التعريف بحركته . بمسعاها في إنهاء "الإستعمار المحلي " , وبأنها حركة قومية ,تسعى لخير كل السودان . . كما نسب الحزب الفيدرالي السوداني(دريج) , هذه الحركة أيضا إليه . في بيان تلاه الدكتور شريف حرير , نائب رئيس الحزب.
أصدر محاربو جبل مرة في مارس 2003 بيانا ممهورا بإسم سكرتيرهم يوسف أركوي مناوي , الذي أعلن تغيير إسم حركتهم إلى حركة تحرير السودان . ورغم سيادة الجو التفاوضي في مؤتمر الفاشر لحل الأزمة , إلا أن الحكومة بادرت بضرب معاقل الحركة .وقد ردت هي بإحتلال الطينة , مما دفع علي عثمان محمد طه , للتصريح بإستخدام السلاح دون غيره لحسم المعركة .
وفي 25/4/2003 قامت الحركة بشن هجومها ,على أهداف عسكرية في الفاشر , وتلى ذلك هجوم لاحق على مليط .. إذن أرخت هذه الفترة إلى نقل الصراع ,إلى مناطق آمنة نسبيا , وبعيدة عن مواقع الصراع القبلي التقليدي .
وفي يوليو 2003 قامت قوات الحركة ,بضرب أهداف عسكرية في كتم , وعلى إثر ذلك تحركت قوات الحكومة بعدتها وعتادها . كما سلحت المليشيات العربية , وأطلقت لها العنان بالعيث فسادا في المدينة ,ونهبها وقتل وترويع الآمنين من أهلها الأبرياء , الذين دفعت بهم للسير آلافا ,إلى الفاشر طلبا للحماية .
تمثل أحداث كتم مرحلة جديدة للصراع الدائر في دارفور , بلجؤ الحكومة لسياسة هي أدرى بها , بتسليح القبائل " المليشيات " ودفعها للحرب نيابة عنها . وهو أمر ليس بجديد عليها . على الرغم من إدراكها لتداعيات مثل هذه السياسات , على البنيات الإجتماعية والمعيشية, والعلائق بين أبناء الإقليم . الواحد . مستقبلا (16) ففي تاريخ السودان القديم والحديث ,هناك الكثير من حالات الجنجويد , إستخدمتهم السلطات الحاكمة في جيوشها النظامية , وكقوات صديقة . للحرب عنها بالوكالة(الجنوب نموذجا) , مجندة إياهم من شتى بقاع السودان . فالجنجويد نجدهم في جيش إسماعيل باشا الغازي للسودان عام 1821 , وفي صفوف الجيش الانجليزي المصري في حربه ضد القوات المهدوية , وليس أدل على ذلك ,من صور مقتل الخليفة عبد الله التعايشي في أم دبيكرات , وهي مصحوبة بصور لجنود سودانيين " سود البشرة " .
ونجد الجنجويد أيضا ضمن القوات الانجليزية الغازية لدارفور عام 1916 وفي صور مقتل سلطانها بعد عام . وذات القوات كانت يوم مقتل السحيني عام 1921 وحديثا نجد الجنجويد ضمن القوات العربية , التي جندتها حكومات سودانية متعاقبة , للحرب عنها في جنوب السودان . كما نجد الجنجويد في أفراد من القبائل الجنوبية الأصل, جندتهم الحكومة لمحاربة الحركة الشعبية . وجنجويد دارفور اليوم , هم إمتداد لذلك الإرث غير الناصع , حينما تلجأ الدولة في لحظات ضعفها لخلق كيانات موازية , لجيشها النظامي . للحرب عنها بالوكالة . إن التجمع العربي بإستخدامه للجنجويد في " حربه غير المقدسة " ضد القبائل غير العربية , بمعاونة الحكومة وتسببه في هذه الكارثة الإنسانية , التي تعانيها دارفور , يعبر عن قصر نظر المجموعات العربية في دارفور . والحكومة المركزية معا !...
نواصل
هوامش :
(1) د / حيدر ابراهيم . أزمة الإسلام السياسي " الجبهة الاسلامية القومية - نموذجا " . مركز الدراسات السودانية . الطبعة الأولى 1991. القاهرة . ص : 192.
(2) التعدد الإثني والديموقراطية في السودان " أوراق مختارة من ندوة : التعدد الإثني والديموقراطية في السودان 18 - 19 مايو 2002" الطبعة الاولى . القاهرة 2003 . تحرير د / حيدر ابراهيم . ص : 123 .
(3) السابق. ص :123
(4) نفسه. ص : 124 .
(5) نفسه . ص : 57 .
(6) د / شريف حرير - تيرجي تفيدت (محرران ) . السودان : النهضة أو الإنهيار . ترجمة مبارك علي - مجدي النعيم . مركز الدراسات السودانية . القاهرة . ص : 128 .
(7) مجلة حقوق الانسان السوداني . المنظمة السودانية لحقوق الإنسان . القاهرة . العدد الثامن . يوليو 1999 . ص : 20 .
(8) حيدر إبراهيم . مرجع سابق . ص : 45 .
(9) رواق عربي (كتاب غير دوري ) . مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان . العدد 31 شتاء 2003 . ص : 86 .
(10) مجلة حقوق الإنسان السوداني . مرجع سابق . ص : 29
(11) د / حيدر إبراهيم . مرجع سابق . ص : 68 .
(12) السابق . ص : 75.
(13) نفسه . ص : 78 .
(14) نفسه . ص : 88 .
(15) الديموقراطية في السودان : " البعد التاريخي والوضع الراهن وآفاق المستقبل " ( أبحاث ندوة : تقييم التجارب الديموقراطية . القاهرة 4 - 6 يوليو 1993 ) تحرير : حيدر ابراهيم . مركز الدراسات السودانية . القاهرة 1993 . ص : 342 .
(16) darfurinfo.orgLalidinar.htm.
نواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.