معارك ضارية ب (بابنوسة) والدعم السريع تقترب من تحرير الفرقة 22    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    مسؤول بهيئة النظافة يصدم مواطني الخرطوم    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: التقديم الالكتروني (الموحّد) للتشكيل الوزاري    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    كامل إدريس وبيع "الحبال بلا بقر"    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    حكومة أبو نوبة.. ولادة قاتلة ومسمار آخر في نعش "تأسيس"    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    السجن والغرامة على متعاون مع القوات المتمردة بالأبيض    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبدرات والظواهر الكونية والظواهر الكونية
نشر في السودان اليوم يوم 10 - 05 - 2014

لا أعرف شخصاً يُحسن الترافع ضد نفسه مثل المحامي عبدالباسط سبدرات، حتى أن المرء يُشفق على موكليه ويحتار كيف أنه حصل على براءة وزير الأوقاف برغم وضوح البينة ضده، وقد فعلها سبدرات في نفسه مرتين في بحر عشرة أيام، الأولى كانت في الرسالة المفتوحة التي أراد أن يهجو بها وزير العدل بسبب قيام الأخير بعرض موضوع تحكيم قضية الأقطان على البرلمان، فسدد سبدرات الكرة في مرماه بدلاً عن مرمى وزير العدل، برغم أن الهدف في مرمى الأخير يمكن تحقيقه بسهولة وبركلة ضعيفة ومن منتصف الميدان.
فليس هناك عدل في الأساس حتى تُنشأ له وزارة، ولو أن هذا النظام يستحي على عرضه لقام بتسريح وكلاء النيابة وتأجير قصر العدل كشقق مفروشة، فليس هناك وجه تطالب به النيابة بأن تُنزل المحكمة العقاب على متهم وأكبر كبير فيها – وكيل الديوان - لص ومُحتال ومزوّر، وهو ليس وحده من وكلاء النائب العام الذي عمل مديراً للأراضي، فسوف تكشف الأيام أن هناك بلاوي متلتلة لا تزال في الخفاء يرتجف أصحابها اليوم بسقوط هذا الصيد الثمين، فهناك مستشار إرتبط إسمه بنيابة أمن الدولة إستطاع أن يجمع ثروة طائلة عن طريق الجريمة والإبتزاز، كما أن هناك وكيل نيابة ضُبط بالثابتة وهو يقوم بدور سمسار ومتعهد غذاءات لديوان النائب العام وهو لا يزال يمارس مهمته في توجيه الإتهام ضد الآخرين بالمحاكم، ومثل هذه الأفعال أخذت كثير من الأبرياء والشرفاء بين مستشاري النائب في الرجلين واساءت إليهم أيّما إساءة.
ثم أن وزير العدل نفسه "دوسة" لو أن له قلب يحدثه لإستقال من منصبه منذ أكثر من أربع سنوات، بمثلما يطالب الشعب اليوم بإستقالة والي الخرطوم بإعتباره مسئولاً عن جريمة أرتكبت بإسمه وفي مكتبه، فالحال من بعضه، فقد إرتكب طاقم الحراسة الخاص بوزير العدل جريمة أكبر بإسمه وبسيارته الأميرية.
حدث ذلك قبل أسابيع من إنفصال دولة الجنوب، وكانت حكومة الإنقاذ قد إستبقت الإنفصال بتغيير العملة، ثم قامت بقفل الحدود ومنعت إستجلاب العملة من الجنوب لتغييرها بالعملة الجديدة في الشمال، وقصدت من ذلك أن تصبح ورقة العملة الشمالية غير مبرئة للذمة ولا تساوي ورقة كراسة في يد الجنوبيين، فأخذ التجار والأهالي يسابقون الزمن في التخلص من العملة القديمة بأقل كثير من قيمتها الحقيقية.
في تلك الظروف (سبتمبر 2011)، تم ضبط عربة وزير العدل "دوسة" التي كان يقودها أحد أفراد جهاز الأمن والمخابرات وبصحبته مدير العلاقات العامة لمسجل الأحزاب وهي - العربة - محمّلة بكميات كبيرة من أوراق العملة القديمة التي جرى تهريبها من جنوب السودان، وقد أصدرت وزارة العدل بياناً أقرت فيه بهذه الواقعة (جريدة الصحافة عدد 4 أغسطس 2011)، وقد جاء في البيان أن مدير العلاقات العامة المتهم قد إستغل صلته بوزير العدل الذي كان يعمل معه في وظيفته السابقة عندما كان رئيساً لمجلس شؤون الأحزاب السياسية، وأن اللذان قاما بتهريب العملة (لاحظ أنه ليس هناك صلة تجمع بينهما) قد استغلا العربة المخصصة لوزير العدل.
هذا البيان ليس كافياً لقفل هذه القضية التي لم يسمع أحد – حتى اليوم – عن محاكمة من ورد ذكرهم في البيان، وبطبيعة الحال، لم يتقدم وزير العدل بإستقالة.
بالعودة لخطاب سبدرات الذي قام بتوجيهه لوزير العدل، وهو خطاب خرج منه سبدرات كما دخل، فهو لم يتناول النقطة الأساسية التي نشر من أجلها المقال، وهي ما أخذه عليه وزير العدل من عدم جواز مشاركته في التحكيم لكونه قد عمل وكيلاً قانونياً لأحد أطراف النزاع (شركة ميتكوت)، وهي حقيقة لم ينكرها سبدرات، ولكنه، عوضاً عن ذلك تحدى وزير العدل أن يأتيه بنص في القانون يمنعه من العمل كمحّم !!.
ومن يطرح مثل هذا السؤال وله صيت سبدرات بالمحاماه يجعل المرء يشك في عقله، فما قال به وزير العدل في سبدرات صحيح ونص وخمسة، ذلك أن أول قاعدة تحكم إختيار المحكمين هي عدم وجود تعارض في المصلحة بينهم وبين أطراف النزاع، وهذه قاعدة بدهية ولا تحتاج لنص، وبحسب قواعد التحكيم الدولية يقوم المحكم بالتوقيع على إقرار يؤكد فيه عدم وجود صلة تربطه بأطراف الدعوى، وليس هناك مصلحة يمكن أن تربط متقاضٍ مثل التي تربطه بمحاميه، ذلك أن المحامي حينما يكون وكيلاً لأحد الأطراف يكون قد كوّن مسبقاً عقيدته ورأيه في النزاع، كما أنه يكون ققد قدم النصح القانوني ورسم خط الدفاع لموكله، بما يجعله غير صالح للحكم بين الطرفين المتنازعين.
كثيرين الذين هاجموا موقف سبدرات في موضوع التحكيم، ومن بين كل هؤلاء إختار سبدرات أن يرد على غريمه الطيب مصطفى الذي كان قد كتب مقالاً عنه بصحيفته بعنوان "محامي الشيطان" وهو عنوان يُغني عن شرح محتوى المقال، وقد توعد سبدرات في مقاله الأول بعنوان "الطيب مصطفى ظاهرة كونية" بأنه سوف لن يترك للطيب جنباً لينام عليه، ومن فرط ثقة سبدرات بنفسه، نصح غريمه في خاتمة المقال بقوله : "توضأ واعتدل، فالمعركة قائمة الآن.. فأحسن الوقوف والإعتدال، ربما تكون صلاة مودع"، ثم أخذ يستعرض ما ستحتويه حلقات المقال، على النحو الذي تُروّج به برامج التلفزيون، فقال: " سأكشف من الذي جاء من دولة الإمارات محتجاً على تعييني وزيراً للتربية والتعليم، وعن قصة الطيب مع الفضائية والقمر إنترسات،وعن الطيب وكيف حلف بالطلاق على السيد الرئيس، وقصة حصوله على أعلى مرتب في جمهورية السودان، وكم يتقاضى في المهمات الرسمية ولقاءات عربسات؟ ثم، لماذا يكره الطيب سبدرات؟
مشكلة سبدرات أنه إنقطع عنه وحي البلاغة عند هذا المقال، بمثلما إنقطع عنه وحي الشعر بقصيدة "رجعنالك"، فجاءت الحلقتين الثانية والثالثة فارغة في الشكل والمضمون، ومن بين كل الأسئلة التي أطلقها وفتحت شهية الفرّيجة الذين يجلسون على المساطب يتابعون هذه المباراة، لم يتطرق بشيئ عليه القيمة سوى للسؤال الأخير، وهو لماذا يكرهه الطيب مصطفى؟
يقول سبدرات في تفسير ذلك :"يبدو أن الرجل قد سمع بي من بعض أقربائه الذين ربما يكون واحد منهم قد زاملني في الجامعة ونقل له أنني كنت أحد قادة الجبهة الديمقراطية في الجامعة، ففهم أنني يساري.. جبهة ديمقراطية.. شيوعي وبات مقتنع بأنني إذا كنت شيوعياً في الجامعة لابد من أن يلقى ربه شيوعياً".
من جهة ليس هناك ما يعيب سبدرات في تركه للحزب الذي كان ينتمي إليه، بل على العكس، يُحمد له أنه صاحب العبارة التي قال فيها "أنني لا أبصق على تاريخي"، وهو صادق فيما يقول، فهو دائماً ما يذكر رفاق الأمس بالخير، كما أن حق المرء أن يتحول بفكره، في نفسه، كما يشاء، ولكن ليس من المقبول أن يبشّر غيره وفق التحولات التي تعتريه، فليس من المقبول أن يكون الشخص الواحد قيادياً يبشّر بالفكر الناصري مثلاً، ثم يُراجع نفسه ثم يتحول قائداً يبشّر غيره بأفكار اللجان الشعبية.
وليست هذه مشكلة سبدرات وحده الذي يريد أن يكون مبشّراً حال حياته بأكثر من فكر، فقد تحول من قائد شيوعي، إلى قائد في الإتحاد إشتراكي ثم قائداً في نظام الإنقاذ، ولسبدرات موقف من الإنقاذ شهدت عليه بنفسي، فقد إلتقيت به صدفة أمام مبنى المحكمة الجزئية بعد يوم من صدور قرار رئيس مجلس قيادة الإنقاذ بإحالة قضاة للصالح العام كنت واحداً من بينهم بعد (41) يوم على قيام الإنقاذ، وذكر لي أن الذين قاموا بالإنقلاب سوف يقودوا البلد إلى كارثة، وأن تعدي النظام على إستقلال القضاء بفصل القضاة بتلك الطريقة يؤكد أنهم يريدون أن يعودوا بالوطن للقرون الوسطى.
نحن بدورنا نُشجّع مثل هذه العروض التي يقدمها أركان هذا النظام ضد بعضهم البعض، فقد ظللنا نتفرج على مباراة رتيبة بلا أقوان، وهاهي تِحلو بعد أن جاء وقت الضربات الترجيحية، فكلهم على بعضهم ظواهر كونية.
سيف الدولة حمدناالله
[email protected]
لا أعرف شخصاً يُحسن الترافع ضد نفسه مثل المحامي عبدالباسط سبدرات، حتى أن المرء يُشفق على موكليه ويحتار كيف أنه حصل على براءة وزير الأوقاف برغم وضوح البينة ضده، وقد فعلها سبدرات في نفسه مرتين في بحر عشرة أيام، الأولى كانت في الرسالة المفتوحة التي أراد أن يهجو بها وزير العدل بسبب قيام الأخير بعرض موضوع تحكيم قضية الأقطان على البرلمان، فسدد سبدرات الكرة في مرماه بدلاً عن مرمى وزير العدل، برغم أن الهدف في مرمى الأخير يمكن تحقيقه بسهولة وبركلة ضعيفة ومن منتصف الميدان.
فليس هناك عدل في الأساس حتى تُنشأ له وزارة، ولو أن هذا النظام يستحي على عرضه لقام بتسريح وكلاء النيابة وتأجير قصر العدل كشقق مفروشة، فليس هناك وجه تطالب به النيابة بأن تُنزل المحكمة العقاب على متهم وأكبر كبير فيها – وكيل الديوان - لص ومُحتال ومزوّر، وهو ليس وحده من وكلاء النائب العام الذي عمل مديراً للأراضي، فسوف تكشف الأيام أن هناك بلاوي متلتلة لا تزال في الخفاء يرتجف أصحابها اليوم بسقوط هذا الصيد الثمين، فهناك مستشار إرتبط إسمه بنيابة أمن الدولة إستطاع أن يجمع ثروة طائلة عن طريق الجريمة والإبتزاز، كما أن هناك وكيل نيابة ضُبط بالثابتة وهو يقوم بدور سمسار ومتعهد غذاءات لديوان النائب العام وهو لا يزال يمارس مهمته في توجيه الإتهام ضد الآخرين بالمحاكم، ومثل هذه الأفعال أخذت كثير من الأبرياء والشرفاء بين مستشاري النائب في الرجلين واساءت إليهم أيّما إساءة.
ثم أن وزير العدل نفسه "دوسة" لو أن له قلب يحدثه لإستقال من منصبه منذ أكثر من أربع سنوات، بمثلما يطالب الشعب اليوم بإستقالة والي الخرطوم بإعتباره مسئولاً عن جريمة أرتكبت بإسمه وفي مكتبه، فالحال من بعضه، فقد إرتكب طاقم الحراسة الخاص بوزير العدل جريمة أكبر بإسمه وبسيارته الأميرية.
حدث ذلك قبل أسابيع من إنفصال دولة الجنوب، وكانت حكومة الإنقاذ قد إستبقت الإنفصال بتغيير العملة، ثم قامت بقفل الحدود ومنعت إستجلاب العملة من الجنوب لتغييرها بالعملة الجديدة في الشمال، وقصدت من ذلك أن تصبح ورقة العملة الشمالية غير مبرئة للذمة ولا تساوي ورقة كراسة في يد الجنوبيين، فأخذ التجار والأهالي يسابقون الزمن في التخلص من العملة القديمة بأقل كثير من قيمتها الحقيقية.
في تلك الظروف (سبتمبر 2011)، تم ضبط عربة وزير العدل "دوسة" التي كان يقودها أحد أفراد جهاز الأمن والمخابرات وبصحبته مدير العلاقات العامة لمسجل الأحزاب وهي - العربة - محمّلة بكميات كبيرة من أوراق العملة القديمة التي جرى تهريبها من جنوب السودان، وقد أصدرت وزارة العدل بياناً أقرت فيه بهذه الواقعة (جريدة الصحافة عدد 4 أغسطس 2011)، وقد جاء في البيان أن مدير العلاقات العامة المتهم قد إستغل صلته بوزير العدل الذي كان يعمل معه في وظيفته السابقة عندما كان رئيساً لمجلس شؤون الأحزاب السياسية، وأن اللذان قاما بتهريب العملة (لاحظ أنه ليس هناك صلة تجمع بينهما) قد استغلا العربة المخصصة لوزير العدل.
هذا البيان ليس كافياً لقفل هذه القضية التي لم يسمع أحد – حتى اليوم – عن محاكمة من ورد ذكرهم في البيان، وبطبيعة الحال، لم يتقدم وزير العدل بإستقالة.
بالعودة لخطاب سبدرات الذي قام بتوجيهه لوزير العدل، وهو خطاب خرج منه سبدرات كما دخل، فهو لم يتناول النقطة الأساسية التي نشر من أجلها المقال، وهي ما أخذه عليه وزير العدل من عدم جواز مشاركته في التحكيم لكونه قد عمل وكيلاً قانونياً لأحد أطراف النزاع (شركة ميتكوت)، وهي حقيقة لم ينكرها سبدرات، ولكنه، عوضاً عن ذلك تحدى وزير العدل أن يأتيه بنص في القانون يمنعه من العمل كمحّم !!.
ومن يطرح مثل هذا السؤال وله صيت سبدرات بالمحاماه يجعل المرء يشك في عقله، فما قال به وزير العدل في سبدرات صحيح ونص وخمسة، ذلك أن أول قاعدة تحكم إختيار المحكمين هي عدم وجود تعارض في المصلحة بينهم وبين أطراف النزاع، وهذه قاعدة بدهية ولا تحتاج لنص، وبحسب قواعد التحكيم الدولية يقوم المحكم بالتوقيع على إقرار يؤكد فيه عدم وجود صلة تربطه بأطراف الدعوى، وليس هناك مصلحة يمكن أن تربط متقاضٍ مثل التي تربطه بمحاميه، ذلك أن المحامي حينما يكون وكيلاً لأحد الأطراف يكون قد كوّن مسبقاً عقيدته ورأيه في النزاع، كما أنه يكون ققد قدم النصح القانوني ورسم خط الدفاع لموكله، بما يجعله غير صالح للحكم بين الطرفين المتنازعين.
كثيرين الذين هاجموا موقف سبدرات في موضوع التحكيم، ومن بين كل هؤلاء إختار سبدرات أن يرد على غريمه الطيب مصطفى الذي كان قد كتب مقالاً عنه بصحيفته بعنوان "محامي الشيطان" وهو عنوان يُغني عن شرح محتوى المقال، وقد توعد سبدرات في مقاله الأول بعنوان "الطيب مصطفى ظاهرة كونية" بأنه سوف لن يترك للطيب جنباً لينام عليه، ومن فرط ثقة سبدرات بنفسه، نصح غريمه في خاتمة المقال بقوله : "توضأ واعتدل، فالمعركة قائمة الآن.. فأحسن الوقوف والإعتدال، ربما تكون صلاة مودع"، ثم أخذ يستعرض ما ستحتويه حلقات المقال، على النحو الذي تُروّج به برامج التلفزيون، فقال: " سأكشف من الذي جاء من دولة الإمارات محتجاً على تعييني وزيراً للتربية والتعليم، وعن قصة الطيب مع الفضائية والقمر إنترسات،وعن الطيب وكيف حلف بالطلاق على السيد الرئيس، وقصة حصوله على أعلى مرتب في جمهورية السودان، وكم يتقاضى في المهمات الرسمية ولقاءات عربسات؟ ثم، لماذا يكره الطيب سبدرات؟
مشكلة سبدرات أنه إنقطع عنه وحي البلاغة عند هذا المقال، بمثلما إنقطع عنه وحي الشعر بقصيدة "رجعنالك"، فجاءت الحلقتين الثانية والثالثة فارغة في الشكل والمضمون، ومن بين كل الأسئلة التي أطلقها وفتحت شهية الفرّيجة الذين يجلسون على المساطب يتابعون هذه المباراة، لم يتطرق بشيئ عليه القيمة سوى للسؤال الأخير، وهو لماذا يكرهه الطيب مصطفى؟
يقول سبدرات في تفسير ذلك :"يبدو أن الرجل قد سمع بي من بعض أقربائه الذين ربما يكون واحد منهم قد زاملني في الجامعة ونقل له أنني كنت أحد قادة الجبهة الديمقراطية في الجامعة، ففهم أنني يساري.. جبهة ديمقراطية.. شيوعي وبات مقتنع بأنني إذا كنت شيوعياً في الجامعة لابد من أن يلقى ربه شيوعياً".
من جهة ليس هناك ما يعيب سبدرات في تركه للحزب الذي كان ينتمي إليه، بل على العكس، يُحمد له أنه صاحب العبارة التي قال فيها "أنني لا أبصق على تاريخي"، وهو صادق فيما يقول، فهو دائماً ما يذكر رفاق الأمس بالخير، كما أن حق المرء أن يتحول بفكره، في نفسه، كما يشاء، ولكن ليس من المقبول أن يبشّر غيره وفق التحولات التي تعتريه، فليس من المقبول أن يكون الشخص الواحد قيادياً يبشّر بالفكر الناصري مثلاً، ثم يُراجع نفسه ثم يتحول قائداً يبشّر غيره بأفكار اللجان الشعبية.
وليست هذه مشكلة سبدرات وحده الذي يريد أن يكون مبشّراً حال حياته بأكثر من فكر، فقد تحول من قائد شيوعي، إلى قائد في الإتحاد إشتراكي ثم قائداً في نظام الإنقاذ، ولسبدرات موقف من الإنقاذ شهدت عليه بنفسي، فقد إلتقيت به صدفة أمام مبنى المحكمة الجزئية بعد يوم من صدور قرار رئيس مجلس قيادة الإنقاذ بإحالة قضاة للصالح العام كنت واحداً من بينهم بعد (41) يوم على قيام الإنقاذ، وذكر لي أن الذين قاموا بالإنقلاب سوف يقودوا البلد إلى كارثة، وأن تعدي النظام على إستقلال القضاء بفصل القضاة بتلك الطريقة يؤكد أنهم يريدون أن يعودوا بالوطن للقرون الوسطى.
نحن بدورنا نُشجّع مثل هذه العروض التي يقدمها أركان هذا النظام ضد بعضهم البعض، فقد ظللنا نتفرج على مباراة رتيبة بلا أقوان، وهاهي تِحلو بعد أن جاء وقت الضربات الترجيحية، فكلهم على بعضهم ظواهر كونية.
سيف الدولة حمدناالله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.