إمام وحاخام وقس يحملون ثلاثة قوالب من الطوب الرملي ستكون لبنات أولى لتشييد مجمع الأديان السماوية برلين - الإقتتال والتناحر الطائفيّ اللذين تُحرّكهما في الغالب دوافع سياسيّة خفيّة، أصبحا فصلا يوميّا يقضّ مضاجع البشريّة بكوابيس تشهدها مناطق عديدة من العالم، غير أّنّ الدافع واحدٌ؛ تشريعٌ مغلوطٌ لما لا يُشرَّع (القتل من أجل الدين). صراعات تعدّدت أوجهها، لا يُمكن أن تُؤسّس لعالم يسوده السلام والمحبّة، هي بمثابة "رعب" مفزع يشتدُّ مع اشتداد فصولها. رعب دفع بالعديد من العقلاء لاستنباط حلول تراوحت بين القول والفعل، على أمل إعادة الأمل والحثّ على التسامح والتّعايش؛ "بيت الإله الواحد"، المنتظر إنشاؤه في ألمانيا، يتنزّل في هذا السياق، هو أملٌ آخر علّه يسوق العبرة لمن يعتبر. يبدو أنّ مشروع بناء يضم مسيحيّين ويهودا ومسلمين تحت سقف واحد للوهلة الأولى ضرب من الجنون، إلّا أنّ مؤمنين من برلين يسعون إلى جمع مبلغ 43,5 مليون يورو ضروري لإنجاز مكان للصلاة فريد من نوعه في العالم. فساحة بطرس (بتريبلاتس) في برلين، ليست في الوقت الحاضر سوى أرض خلاء رملية. لكن بحلول العام 2018، سينتصب فيها مبنى لن يكون كنيسة ولا كنيسا ولا مسجدا، بل سيجمع الثلاثة معا. وهذا "البيت للصلاة والتعليم" أو "بيت الإله الواحد" (بالانجليزية: House of One)-كما يُسمّيه أصحاب فكرة المشروع لعدم وجود اسم معروف لمكان لا نظير له في العالم- تعود فكرته في الأصل إلى الطائفة البروتستانتية في برلين في أواخر الألفية الثانية. وفي هذا السياق، قال رولاند شتولتي، أحد العضوين الممثلين للطائفة البروتستانتية في مجلس إدارة الجمعية، "في 2007 سمحت عمليات تنقيب أثرية تحت ساحة بطرس بالعثور على أساسات أربع كنائس". التعطش الكبير للتعايش السلمي بين الأديان هو الذي شجع أصحاب الفكرة على صياغة هذا المشروع وأضاف: "لمّا أعادت البلدية الأرض إلى الطائفة البروتستانتية، أردنا إحياء هذا المكان، ليس من خلال بناء كنيسة جديدة، بل بناء موقع يقول شيئا ما عن حياة الديانات اليوم في برلين"، على حدّ تعبيره. وفي ما يتعلّق بهذه المسألة، قال شتولتي، "بدا لنا أنّ اءهناك تعطشا كبيرا جدّا للتعايش السلمي بين الديانات، فنشأت فكرة تشييد موقع يُقصد للصلاة من قبل المسيحيين واليهود والمسلمين على حدّ سواء". من جهته، قال القس غريغور هوبيرغ، المسؤول عن الطائفة البروتستانية في بتريبلاتس والذي سيتقاسم مع الحاخام توفيا بن شورين والإمام التركي الأصل قادر سانجي الإطار الروحي للمكان، "أردنا منذ البداية أن يكون مشروعا مشتركا بين الأديان، وليس مكانا يبنيه المسيحيون ثم يأتي لينضم إليه اليهود والمسلمون فيما بعد". هوبيرغ أضاف قائلا: "بعد تفكير طويل لم نرغب في بناء مكان مشترك للصلاة لأن ذلك قد ينفر الناس أكثر من جذبهم. نريد بالتحديد التوجه إلى الأكثر محافظة لنظهر لهم أن الحوار بين الأديان ليس ممكنا فحسب بل أنه مهم أيضا". وفي ذات السياق قال الإمام سانجي: "عندما كنت أُتابع دراسة الفقه الإسلامي في فرانكفورت (غرب)، رأيت في مدينة دارمشتات المجاورة كنيسة كاثوليكية وأُخرى بروتستانتية تحت سقف واحد. فقلت للكاهن إنّه سيكون أمرا رائعا أن يكون هناك يوما ما مكان مُشتركٌ مع المسلمين، لكنّ الكاهن قال لي: لا بد من الصبر لأنّ الأمر تطلّب بالنسبة إلينا 600 عام". "بيت الإله الواحد" سيكون فرصة للحوار بين الأديان الثلاثة ومثالا يحتذى في جل أنحاء العالم التي تشهد صراعات المهندس فيلفريد كوين، الذي اختير مشروع تصميمه في 2011، أقرّ بدوره بأنّ مسائل عديدة تتعلق بالهندسة والفقه واللاهوت طرحت لابتكار هذا المكان. وشرح قائلا: "كانت إرادة الجمع بين الاختلاف و(الفكر) الشمولي تحدّيا. فالأمر يتعلّق بعدم مزج الديانات مع التشجيع على اعتراف مُتبادل". ويُشارُ إلى أنّه رغم وُجود أماكن أخرى في العالم تحتضن قاعات منفردة يؤدّي فيها المؤمنون بالأديان السماوية الثلاثة صلواتهم، مثل مطار فرانكفورت ومبنى الأممالمتحدة، إلاّ أنّ مجمع برلين سيكون مختلفا. حيث سيبنى مسجد، وكنيس وكنيسة كل منها قائم بذاته، وبالشكل المعماري المعتاد لكل منها.غير أنّ هذا المشروع، وخصوصا مشاركة المسلمين فيه، مازال يُجابَهُ بانتقادات حادّة ينشرها متشددون أصوليّون على شبكة الإنترنات. ويُذكرُ أنّ أصحاب هذا المشروع الّذي سيكلف بناؤه 43 مليون يورو، تقريبا، هم كلّ من؛ الجمعية اليهودية في برلين "زمالة أبراهام غايغر"، والمنتدى الإسلامي لحوار الحضارات، والكنيسة الإنجيلية "سان بتري، سان مارين". وينتظر أصحاب المشروع أن يحصلوا على مساعدات مختلفة من كلّ أصقاع العالم، حيث أنّهم عمدوا إلى إنشاء صفحة على الإنترنات بسبع لغات يمكن لأيّ شخص أن يدخلها ويتبرع بعشرة "يورو"، كمبلغ رمزيّ لقالب من الطوب، من بين تلك التي سيبنى بها مجمع الأديان السماوية، ليُشارك من ثمّة في بناء فكرة تطلعيّة للمستقبل. "بيت الإله الواحد"، سيكون فرصة للحوار بين الأديان الثلاثة، لكنّ الحاخام والإمام والقس متفقون أن هناك سؤالا ستبقى إجابته مفتوحة هو: من هو الإله الواحد؟ "هو الواحد الذي خلق التعدّدية لكي لا تكون الحياة مملة"، حسب تعبير الحاخام بن كورين. وفي المبنى الجديد، الذي ستنطلق أشغال بنائه في ربيع 2016، والّذي سيستعيد أساسات كنيسة القديس بطرس ذات الطراز الباروكي الجديد، التي دمرها النظام الشيوعي في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة في 1964، سيكون لكلّ ديانة مكانها للصلاة على الطابق نفسه، وهذه القاعات الثلاث ستفتح على قاعة مشتركة، حيث يتمكّن المصلُّون من الالتقاء وتبادل الأحاديث. هي مبادرة وخطوة فريدة من نوعها، علّها تفتح المجال واسعا أمام ثقافة مبنيّة على أسس التسامح والتحابب، وتكون مثالا يُحتذى في جلّ أصقاع العالم التي تشهد اقتتالا وتناحرا على أسس عرقيّة ومذهبيّة وطائفيّة.