اتهم جنوب السودان حكومة الشمال بالعمل على فرض حصار تجاري واقتصادي وعزلة كبيرة عليه بوقف عملية انسياب السلع الغذائية عبر الحدود والرحلات الجوية، في وقت يشكو فيه أصحاب شركات الطيران من أزمة واجهتهم بسبب قرار وقف نقل السلع التموينية إلى جوبا وسط توتر بين الدولة الجديدة والدولة الأم. إلى ذلك، أكد مسؤول اقتصادي سوداني تقدم مباحثات الخرطوموجوبا حول الديون الخارجية واقتراب التوصل لاتفاق بين الطرفين. وكشف مدير موانئ جنوب السودان جاكوب دانيال عن معالجات عاجلة أجرتها حكومة الجنوب لتقليل الصدمة الاقتصادية بسبب «الحصار الاقتصادي الشمالي، فيما قدمت جوبا تسهيلات كبيرة للتجار في الجنوب لاستيراد سلع من دول جوار أفريقية وفتح الحدود مع كينيا وأوغندا وإثيوبيا لتدفق حركة التجارة». وقال الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان: «المؤتمر الوطني يريد أن يسقط حكومة سلفا كير ويكون حكومة للجنوبيين على طريقة ما كان يحصل بين بيروت ودمشق في سبعينات القرن الماضي»، وأضاف: «هناك أيضا تجربة قطاع غزة وإسرائيل»، منوها ب«إغلاق الحدود بين الجنوب والشمال ووقف حركة البضائع والتجارة لحصار الجنوب». ويتبادل الجنوبيون والشماليون الاتهامات بإغلاق الحدود المشتركة لأسباب سياسية، وقال محافظ بنك السودان المركزي السابق صابر محمد الحسن إن مسألة الديون الخارجية تمثل إحدى القضايا الاقتصادية التي يتحتم على طرفي اتفاقية السلام الشامل مناقشتها وإنه دون تخفيف عبء هذه الديون، من الصعب تحقيق الكثير من الأهداف الاقتصادية بالنسبة للشمال والجنوب، وأشار في تصريحات صحافية إلى أن تخفيف عبء الديون يعتبر مطلبا أساسيا لدولة جديدة لا تريد أن ترزح تحت عبء الديون ولا بد من التعامل معها بصورة بناءة بين طرفي اتفاقية السلام الشامل، وأكد أن الطرفين أحرزا تقدما نسبيا في قضية الديون وأدركا أن تخفيف عبء الديون يعتبر قضية مهمة وأن التجارب السابقة والمماثلة لخصت الحل في جزأين؛ إما قسمة الديون بين الدولتين، أو أن تأخذ الدولة الأم على عاتقها كل الديون، وأن تركز الدولتان جهودهما لتخفيف عبء الديون دون النظر إلى قسمته حتى لا يجلب أعباء على الدولتين بغض النظر عن حجم هذه الديون. وقال صابر إن الطرفين اتفقا على المضي قدما لبحث هذا الأمر واتفقا على الخيار الصفري الذي يجعل الدولة الأم تأخذ على عاتقها عبء الديون بشرط أن يتبنى الشمال والجنوب نظرة موحدة ويقوما بشرح أهمية الإعفاء من الديون للدائنين. وأضاف: «لا بد أن تحل المشكلة ثنائيا مع إشراك طرف آخر وهو الدائنون، وهذا هو النطاق الذي يسهم فيه المجتمع الدولي، وهذه هي الاستراتيجية التي يتبناها الشريكان لتخفيف عبء الديون»، مشيرا إلى أن «هذا النهج وجد تفهما من المجتمع الدولي، واتفقوا على أن هذا طريق جيد لإنجاح المبادرة»، مضيفا أنه «علينا في المجال الفني بذل مزيد من الجهود وأن نتفق على الأرقام مع الدائنين»، وأكد أن «ديون السودان تعد كبيرة، خاصة في ما يتعلق بدفع المتأخرات، وهذا يتطلب منح السودان معاملة خاصة»، مشيرا إلى بعض التجارب في هذا المجال. الشرق الاوسط هل تنوي الخرطوم حصار الجنوب؟ عماد عبد الهادي-الخرطوم لم يتوقع أكثر المراقبين تشاؤما أن تتجاوز الخلافات بين الجنوب والشمال إطارها السياسي لتصل إلى الاقتصاد، الأمر الذي ظل بعيدا عن تلك الخلافات مهما كبرت. ويبدو أن فترة ما قبل الإعلان الرسمي لدولة جنوب السودان الوليدة، ستشهد ربما نوعا من التباعد مع الشمال، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى القطيعة بين الجارتين الجديدتين، إذا ما تواصلت حدة الخلافات بينهما بالشكل الحالي "كما يعتقد مراقبون". ففي وقت لزمت فيه الخرطوم الصمت حيال ما أعلنته جوبا عن إيقاف حكومة الشمال لكافة أنواع البضائع القادمة إلى الإقليم المنفصل وهو "ما يعد حربا اقتصادية"، استبعد محللون اقتصاديون وجود سوء نية شمالية بفرض حظر اقتصادي على دولة الجنوب قبل إعلانها الرسمي. فعضو الهيئة القيادية للحركة الشعبية نائب رئيس المجلس الوطني السابق أتيم قرنق قال إن منع المؤتمر الوطني وصول المواد الغذائية إلى الجنوب محاولة لإثارة الجنوبيين للتصرف بطريقة غير لائقة، وطرد الرعاة الشماليين لإيجاد حجة لتسليح القبائل العربية الموالية للخرطوم. حرب اقتصادية واعتبر -في تصريحات صحفية- أن ما أقدمت عليه حكومة الخرطوم يعد بمثابة "حرب اقتصادية"، مهددا في الوقت ذاته الخرطوم بقوله إن "على حكومة الإنقاذ ألا تنسى -عند منعها وصول البضائع والسلع- وجود ملايين من العرب الرحل في الجنوب يمارسون الرعي ويحصلون على مياه الشرب مجانا". غير أن تباينا بدا على وجهات نظر الخبراء والمحللين الاقتصاديين حول انقطاع تدفق السلع الضرورية من الشمال إلى الجنوب. فقد اعتبر المحلل الاقتصادي محمد الناير أن الخطوة التي قامت بها حكومة الجنوب بفتح الحدود على بعض الدول الأخرى تعد خرقا لاتفاقية السلام. لكنه قال للجزيرة نت إن عملية توفير السلع الضرورية تظل مسؤولية الحكومة المركزية بالخرطوم، حتى نهاية الفترة الانتقالية في التاسع من يوليو/تموز المقبل. وأشار إلى أن الأوضاع الأمنية في الجنوب لا تساعد على ذلك، إذ إن الإقليم يعيش تدهورا أمنيا منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل، مؤكدا أن الجنوب يتلقى نحو 150 نوعا من السلع الأساسية والضرورية من الشمال. وقال الناير إن هناك خيارين لا ثالث لهما لحل تلك الأزمة، "يكمن أولها في أن يستورد الجنوب بضائعه من العالم الخارجي كدولة منفصلة، أو أن يحصل الجنوب على السلع من دولة الشمال شريطة أن يتم التحاسب بالعملة الأجنبية". وقال إن السودان قبل الانفصال كان يستورد ما قيمته نحو تسعة مليارات دولار، "وبالتالي لا يمكن أن يتحمل الشمال الأعباء الجديدة بعد الانفصال باستيراد سلع لدولتين بالعملة الأجنبية ولا يعوض من حكومة الجنوب". غير أن الخبير الاقتصادي حسن ساتي اعتبر قرار منع تدفق السلع من الشمال إلى الجنوب بقطع خطوط الطيران والنقل البري والبحري أمرا سياسيا لا يخدم الدولتين معا. وأشار -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن الخرطوم دفعت الجنوب إلى أن يعزز علاقاته بالدول المجاورة "في حين أن الروابط بين الشمال والجنوب لا تزال تاريخية"، مذكرا بأن المواطنين الجنوبيين نزحوا شمالا بدلا من النزوح جنوبا لدول الجوار الأخرى. ولم يستبعد ساتي أن يكون منع تدفق السلع جنوبا "أمرا تكتيكا من الحكومة لتغطية فشلها في التدهور الاقتصادي وارتفاع الأسعار"، متوقعا تدهور الاقتصاد الشمالي والجنوبي بعد التاسع من يوليو/تموز بفقدان الشمال للنفط، وفقدان الجنوب لميزات الاستيراد عبر ميناء بور تسودان.