مراقبون يرون أن تحركات قطروتركيا ستؤدي إلى عودة التوتر بين مصر وإثيوبيا، خاصة أن التفاهمات حول سد النهضة لم تفض إلى نتائج. العرب أردوغان يبحث عن دور في أفريقيا بعد فشله في الشرق الأوسط القاهرة- مشاركة أنقرةوالدوحة في اجتماع لجنة الاتصال الخاصة بليبيا، على هامش القمة الأفريقية، ورفض مصر ودول أفريقية إقليمية أخرى لهذه المشاركة، كشفت معلومات كثيرة، تشي بأن أفريقيا، سوف تكون ساحة لمزيد من المشكلات، بعد أن تمكنت كل من أنقرةوالدوحة، من نسج شبكة واسعة من العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول كثيرة في القارة السمراء. تعرف أفريقيا بكونها قارة الثورات الطبيعية وأهم مصادر الطاقة في العالم، وبسبب هذه الثراوت كانت دائما محلّ أطماع القوى الخارجية، لكن التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط تكشف أن القوى الخارجية لا تستغل فقط ثروات أفريقيا، بل تستغلّ أيضا خصوصيتها الجغرافية. ويشير محلّلون، في هذا الشأن، إلى أن سياسة الانفتاح على أفريقيا، التي تبنّتها في السنوات الأخيرة، بعض الدول الإقليمية، وبالتحديد تركياوقطروإيران، لم تكن غاياتها نفط أفريقيا وذهبها، بل محاصرة مصر، بالأساس. ومردّ ذلك، وفق المراقبين، أن هاته الدول تعلم أهمية مصر بالنسبة إلى المنطقة الإقليمية ككلّ، فأمن المنطقة، كما أكّد أكثر من مسؤول خليجي وعربي، من أمن مصر. وللتأكيد على ذلك، يشير المحلّلون إلى الحرب التي تخوضها مصر ضدّ الإرهاب في سيناء، وما يجري في اليمن، وبالتحديد عند مضيق باب المندب، مثلما تعمل إيران على اتخاذ قواعد لها في دول أفريقية متاخمة لمصر، وبالتحديد دول حوض النيل، وهي ذات الدول التي تسعى الدوحةوأنقرة للسيطرة عليها من خلال الاستثمارات الضخمة والمساعدات الإنسانية، مستغلّتين خلاف هذه الدول حول اتفاقية تقسيم مياه النيل. ولئن، ظلّ دور إيران في أفريقيا خفيّا مقارنة بدورها في اليمن ولبنان وسوريا، فإن الشرارة التي اندلعت قبيل اجتماع لجنة الاتصال الخاصة بليبيا، على هامش القمة الأفريقية، كشفت عن أدوار جديدة لتركياوقطر في أفريقيا، في ظاهرها تعزيز أواصر العلاقات، لكن في باطنها تحمل سلسلة من الدلالات، التي تصبّ في استهداف مصر، ومحاولة تقليص آفاق التمدد المصري الأفريقي، الذي تراهن عليه القاهرة، لحماية نفسها من الأزمات المحيطة، والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في أفريقيا عموما، ودول حوض النيل خصوصا. مقاطعة اجتماع ليبيا دول حوض النيل تستحوذ على جزء معتبر من تحركات أنقرةوالدوحة اللتين قدمتا مساعدات فنية ومادية لدعم مشروع سد النهضة قاطع الوفد المصري، ومعه وفدا ليبيا وغينيا، بالإضافة إلى وفدي السعودية والإمارات، اجتماع مجموعة الاتصال الدولية الخاصة بليبيا، بمقر الاتحاد الأفريقي على مستوى وزراء الخارجية، على خلفية حضور أنقرةوالدوحة إلى الاجتماع، فيما كان لافتا عدم حضور برنارد ليون، المبعوث الأممي الخاص بليبيا. مقاطعة الدول المذكورة للجلسة، رغم أهميتها، أرجعها أيمن شبانة، الخبير في الشؤون الأفريقية، إلى أن التجاوز الذي حصل، لا يقلّ أهمية عن موضوع الجلسة، حيث أن قيام مفوّضية الاتحاد الأفريقي بتوجيه دعوة لكلّ من قطروتركيا لحضور الاجتماع، لا مبرّر له، خاصة أنه لم يتم التشاور مع الدول الأفريقية، بالإضافة إلى أن الدوحةوأنقرة ليستا ضمن أعضاء لجنة الاتصال الدولية. ووفق بروتوكولات ميثاق الاتحاد الأفريقي ليست من اختصاص المفوضية دعوة أي دولة دون الرجوع إلى الدول الأفريقية، صاحبة السيادة في تحديد مسار الدعوات للمشاركين في أي من فعاليات القمة الأفريقية، لكن لأن الدولتين لديهما علاقات قوية مع دول الاتحاد الأفريقي، تمكنتا من تمرير صيغة الحضور في البداية، التي رفضتها مصر وعدد من الدول. لذلك اضطرت تركياوقطر إلى مغادرة الاجتماع، ليتم استئنافه بعد ساعة، بمشاركة مصر والدول التي أعلنت الاعتراض والمقاطعة. أسس تطوير العلاقات في بداية عام 2015، أعلنت الخارجية التركية عن جدول الزيارات الخارجية للرئيس التركي أردوغان، وقد شمل نحو 12 دولة أفريقية، وبالفعل تمت زيارة إثيوبيا يوم 22 يناير الماضي، تلتها زيارة للصومال، أي قبيل زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لأثيوبيا لحضور القمة الأفريقية الثانية والثلاثين. في إطار السياسة الخارجية متعددة الأبعاد التي تتبعها تركيا، والخطة التي وضعتها عام 1998 للانفتاح على أفريقيا، كانت مستشارية التجارة الخارجية قد أعدت في بداية 2003 "استراتيجية تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية"، وأطلقت أنقرة على عام 2005 "عام أفريقيا". وفي هذا السياق، تنوعت العلاقات التركية مع القارة السمراء، وتطورت بفضل زيادة عدد الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الجديدة، وإنشاء آليات اقتصادية وسياسي. أيمن شبانة: التعاون التركي الأفريقي خرج عن أبعاده الاقتصادية في 12 أبريل 2005، نالت تركيا صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي الذي أعلن في شهر يناير 2008 تركيا شريكا استراتيجيا له. ولم تتوقف التحركات التركية على وجودها داخل القارة، بل حرصت على توسيع العلاقات والتعاون بصورة جماعية، حيث عقدت في إسطنبول قمة التعاون التركية الأفريقية الأولى في أغسطس 2008 بمشاركة 49 دولة أفريقية وممثلي 11 منظمة إقليمية ودولية من ضمنها الاتحاد الأفريقي، وقد تم في هذه القمة اعتماد وثيقة "إعلان إسطنبول للتعاون التركي الأفريقي: التعاون والتضامن من أجل مستقبل مشترك" ووثيقة "إطار التعاون للشراكة التركية الأفريقية". وأكد أيمن شبانة، أن أفريقيا أضحت سوقا واسعة وواعدة أمام الصناعات التركية، لذلك سعت أنقرة منذ منتصف عقد التسعينات، من القرن الماضي، إلى بناء جسر دولي للتجارة بينها وبين القارة الأفريقية، بهدف إيجاد منفذ جديد أمام المنتجات التركية. وقام عدد كبير من المسؤولين الأتراك بزيارة أديس أبابا في أوقات مختلفة، وعرضوا على حكومتها الخبرة التركية التي أنجزت سد أتاتورك، للاستفادة منها في بناء سد النهضة. وعرضت أنقرة المساهمة في تمويل السد، والمشاركة، بالتعاون مع قطر في تمويله، وتمويل صفقات عسكرية تشمل مضادات للصواريخ لحماية السد. هنا بدأت القاهرة تشعر بالقلق، لأن التعاون التركي أخذ يخرج عن أبعاده الاقتصادية، ويلتحف بأدوات سياسية، بعد أن قدّمت أنقرة خلاصة خبراتها في المماطلات مع كل من سوريا والعراق أثناء بناء سد أتاتورك، ونصحت أديس أبابا باتباع المنهج نفسه مع مصر. بدورها، سعت قطر إلى زيادة استثماراتها في إثيوبيا. وأوضح أيمن شبانة أن هناك مصادر إثيوبية مختلفة، أشارت إلى تدخل قطري تركي في أزمة سد النهضة، وأن الدوحة تدعم أديس أبابا، من خلال مشروع استثماري وزراعي ضخم تموله لزراعة مليون ومئتي ألف فدان في منطقة السد، ودفعت الجزء الأول من قيمة التعاقد الذي استفادت منه الحكومة الإثيوبية في بناء السد المزمع الانتهاء منه قبل نهاية 2017، والذي تحذّر دراسات متخصّصة من أنه سيشكّل خطرا على أمن مصر المائي. يخشى مراقبون في مصر، أن تؤدي تحركات قطروتركيا إلى عودة التوتر المعلن بين مصر وإثيوبيا، خاصة أن التفاهمات حول سد النهضة بين البلدين لم تفض إلى نتائج ملموسة، والخطورة أن تصورات أنقرةوالدوحة المتقاربة، لن تكفّ عن تشتيت انتباه مصر، وجرها إلى ساحة معارك، ربما تؤثّر على تركيزها في الملفات الاستراتيجية الأخرى.