يحبس السودانيون أنفاسهم مع اقتراب موعد العصيان المدني الذي سيكون اختبارا حقيقيا للمعارضة والنظام على حد سواء، ويبدي الأخير قلقا من مآلات هذا اليوم بالنظر إلى الزخم الذي اتخذه الحدث سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في إعلان العديد من الهيئات والمنظمات والمبدعين والكتاب والفنانين تبنيهم للعصيان على خلاف المرات السابقة. العرب [نُشر في 2016/12/18، العدد: 10489، ص(2)] إن غدا لناظره قريب الخرطوم - تعكس تصريحات المسؤولين السودانيين المتواترة حالة من القلق والخوف، مع بدء العد التنازلي للعصيان المدني الذي دعت إليه مجموعة من النشطاء، وأبدت قوى المعارضة بمختلف أطيافها وتوجهاتها دعمها الكامل له. وظهر الرئيس السوداني عمر حسن البشير في أكثر من مرة خلال الأسبوع الماضي محذرا من مغبة الانسياق خلف دعاة العصيان، شانا هجوما على المعارضة التي اتهمها بمحاولة زعزعة استقرار البلاد وتقويض نظام حكمه. من جانبه هدد مساعد الرئيس السوداني نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم إبراهيم محمود، كل من يستجيب لهذا الحراك الاحتجاجي، بالاعتقال. وقال محمود، مؤخرا، إن الحكومة "لن تسمح بأن تصبح البلاد كالبلدان التي أحالتها الفوضى الخلاقة إلى خراب". ودعا المواطنين لعدم الالتفات للتحريض للفوضى التي دمرت العديد من الدول "، حسب قوله. وقد اضطر الصادق المهدي رئيس حزب الأمة المعارض إلى تأجيل عودته من مصر إلى البلاد حرصا منه على حد تعبيره على عدم إدخال البلبلة في يوم العصيان. وقال رئيس حزب الأمة في رسالة وجهها للسودانيين "كنت قد أزمعت العودة للوطن في يوم 19 ديسمبر؛ ولكنني بعد الشورى المسنونة أرجأت العودة ليوم تحرير الخرطوم، في 26 يناير 1885 وفي هذا التأجيل فرصة لتتخذ العودة طابعاً قومياً، ولكي لا تختلط العودة مع عزيمة العصيان المدني الوطنية". ويرى مراقبون أن مخاوف النظام مشروعة، في ظل التأييد المسجل سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر البيانات المتواترة لهذا العصيان المقرر غدا الاثنين. وعلى خلاف المرات السابقة لوحظ التفاف عدد كبير من الكتاب والصحافيين والمثقفين والأدباء والفنانين حول دعاة العصيان، من خلال البيانات المتلاحقة. ويتزامن اليوم المعلن للعصيان مع ذكرى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في العام 1955، ويأتي بعد أسابيع قليلة من عصيان لمدة ثلاثة أيام شهد استجابة لافتة للمواطنين، رغم محاولات النظام التقليل من أهميتها. ويبدو أن القوى المتحالفة مع النظام تستشعر بدورها حجم التهديد القادم من هذا العصيان، ليعلن بعضها انحيازه للمعارضين للرئيس عمر البشير، ويتخذ آخرون التصريحات الإعلامية منفذا للنأي بأنفسهم عن تجاوزات وأخطاء النظام. وأعلن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل (مشارك في الحكومة) في بيان له قراره بالانخراط في موجة العصيان، داعيا جماهيره الواسعة للالتفاف حوله، والعمل على إنجاحه عبر المشاركة فيه بفعالية. أما حزب المؤتمر الشعبي فآثرت قياداته أن تطل عبر مؤتمر صحافي لتسجل موقفا يحسب لها لدى المعارضة دون أن تنغمس أكثر وتترك حبل الود قائما بينها وبين النظام. وفي تصريحات مثيرة اتهم المؤتمر الشعبي حزب المؤتمر الوطني الحاكم بعدم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس عمر البشير منذ يناير 2014، مشيرا إلى أن الحوار لم يشمل كافة القوى المعارضة بالداخل والخارج. وتم في العاشر من أكتوبر الماضي، التوقيع على وثيقة ناتجة عن الحوار الوطني، رفضتها قوى المعارضة والحركات المسلحة في البلاد، حيث اعتبرتها محاولة التفافية من البشير على المطالب الأساسية لها وهي تنحّيه عن السلطة. القوى المتحالفة مع نظام البشير تستشعر بدورها حجم التهديد القادم، ليعلن بعضها انحيازه للمعارضين للرئيس عمر البشير، ويتخذ آخرون التصريحات الإعلامية منفذا للنأي بأنفسهم عن تجاوزات النظام وأخطاءه وقال الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي بولاية الخرطوم الطاهر حمدون، إن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لم ينفّذ مخرجات الحوار الوطني، كما أن الحوار لم يشمل كافة القوى المعارضة في الداخل والخارج. وأضاف حمدون في مؤتمر صحافي بالعاصمة الخرطوم، "إذا قلنا لكم إن الحوار جمع كل أهل السودان نكون كذبنا عليكم". جدير بالذكر أن المؤتمر الشعبي كان من أكثر المتحمسين لهذا الحوار، حتى أنه في وقت من الأوقات شن هجوما على المعارضة متهما إياها بالتخاذل وأن مشكلتها الوحيدة هي إسقاط النظام دون أن يكون لها رؤية واضحة لما بعد ذلك. وتعكس تصريحات المؤتمر الشعبي الأخيرة تغيرا لافتا مأتاه شعور بإمكانية أن يحدث عصيان الاثنين تأثيرا كبيرا، وقد يكون المحطة الأولى في طريق إنهاء حكم البشير. ويخشى الكثيرون من أن يقابل النظام السوداني هذا التحدي بالمزيد من العنف، على غرار ما حصل في العام 2013، حينما أخمد انتفاضة على حكمه بالهراوات والأسلحة النارية. وحثت وزارة الخارجية الأميركية، السبت، الحكومة السودانية على ضبط النفس إزاء دعوات السودانيين للعصيان، مطالبة إياها باتخاذ الخطوات اللازمة لتمكين المواطنين من ممارسة حقهم في حرية التعبير. وأعرب بيان للمتحدث باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، عن قلق واشنطن من تهديدات الحكومة السودانية رداً على دعوات المجتمع المدني السوداني لعصيان مدني. وأضاف البيان "إذا حدثت هذه الاحتجاجات فإننا نحث حكومة الخرطوم على الرد على المتظاهرين بضبط النفس، ونطالب السلطات السودانية باتخاذ جميع الخطوات اللازمة للسماح للمواطنين بممارسة حقهم في حرية التعبير. وفي الوقت ذاته نطالب أولئك الذين يمارسون حقوقهم الأساسية القيام بذلك بطريقة سلمية". وأبدت الخارجية الأميركية مخاوف حيال اعتقال الأجهزة الأمنية السودانية لعدد من قادة المعارضة السياسية والنشطاء الحقوقيين بدون توجيه تهم ضدهم. وأضاف بيانها "نحث مرة أخرى السلطات السودانية بوقف مصادرة الصحف وفرض الرقابة على التعبير أو الرأي السياسي".