ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تشهر مصر سلاحها دفاعا عن مياه النيل
نشر في السودان اليوم يوم 29 - 12 - 2016

إثيوبيا تسعى إلى تحقيق تنمية اقتصادية ومواجهة التزايد السكاني، وهذا حقها، شرط ألا تتعارض هذه الطموحات التنموية مع الصالح العام للدول الشريكة معها في مياه النيل.
العرب [نُشر في 2016/12/29، العدد: 10498، ص(6)]
مياه مضطربة
وصلت التصدعات في ملف سد النهضة إلى مرحلة حاسمة، القرار الذي سيؤخذ فيها سيسطر مستقبل إثيوبيا ومصر، وبقية دول حوض النيل؛ خاصة وأن ما اتخذ من سياسات وما تم إمضاؤه من اتفاقيات لم يكن سوى مسكنات لم تعمل إلا على تراكم المشكلة مع مرور السنين. القضية بالأساس سياسية واستراتيجية ومسألة أمن قومي. إثيوبيا تسعى إلى تحقيق تنمية اقتصادية ومواجهة التزايد السكاني، وهذا حقها، شرط ألا تتعارض هذه الطموحات التنموية مع الصالح العام للدول الشريكة معها في مياه النيل.
لكن، بخلاف صوت مصر، لم يعل صوت آخر من بين بقية أصوات الدول المتشاركة في النيل، رفضا لسد النهضة، أولا لأن مصر والسودان (دولتي المصب) هما الدولتان المتضررتان، وثانيا لأن الكل يبحث عن فرصة للاستفادة ويترصد الفرصة ليبني سدوده.
ولأن مصر بخلاف دول حوض النيل الأخرى، تعتبر نهر النيل المصدر الرئيسي والأول لحصولها على المياه العذبة، وفيما تلوح في الأفق المحلي والإقليمي والدولي أزمة مياه مقبلة، يزداد خطر هذه السدود وتهديدها للأمن القومي المصري. وأمام التصورات السياسية التي لم تؤدّ إلى حل للأزمة لكن أدخلتها في دروب ودهاليز جديدة، وأطلقت أيدي إثيوبيا لتواصل بناء السد، باتت تطرح بقوة أسئلة حول إمكانية اللجوء للحل العسكري كضرورة لحماية الأمن المائي لمصر.
تفاصيل أخرى:
الظروف مواتية لضرب سد النهضة
ترحيل المشكلة إلى أجيال لاحقة ليس حلا، وخطر السد يستدعي التخلي عن التحفظ المصري التقليدي.
العرب أحمد أبو دوح [نُشر في 2016/12/29، العدد: 10498، ص(7)]
الحرب لم تعد صامتة
لندن - لماذا لا تقدم مصر على توجيه ضربة عسكرية لسد النهضة؟ هذا سؤال محير تماما.
هناك تسليم يكاد يكون مطلقا في مصر بأن استهداف السد "مستحيل". لكن أحدهم لم يقل أبدا لماذا؟
نعم صار من المسلمات أن سد النهضة يمثل حاجة قصوى بالنسبة إلى إثيوبيا من أجل توليد الكهرباء. الموقع الجغرافي لهذا البلد الكبير بالقرب من منابع النيل جعله فعلا مغبون الحق. يدرك الصغير قبل الكبير اليوم أن إثيوبيا في حاجة إلى تنمية متسارعة تستوعب عدد السكان الذي اقترب من 100 مليون نسمة.
ظل البلد لعقود طويلة محروما من الاستفادة من المنفذ المائي الوحيد الذي في متناول يده وهو نهر النيل. هذا حق في إثيوبيا لا يمكن لأحد أن يتجاهله.
لكن، منذ متى تؤخذ الحقوق بليّ الذراع؟ ليس مطلوبا من مصر التنازل عن متر مكعب واحد من حصتها التاريخية في مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب كل عام) من أجل مشاركة الآخرين في خططهم التنموية. إذا كان سد النهضة مصدرا للطاقة في إثيوبيا، فهو مصدر لاستمرار الحياة كلها في مصر.
منذ توقيع اتفاقية تقسيم مياه النيل عام 1959 (المكملة لاتفاقية 1929) لم يكن رؤساء مصر المتعاقبون مستعدين لتهديد إثيوبيا أو استعدائها دون أن تكون النية حاضرة فعلا لتنفيذ تهديداتهم وتحمّل كلفتها.
خطاب جمال عبدالناصر الموجه عام 1953 إلى الإمبراطور هايله سيلاسي كان حاسما. وقتها كانت إثيوبيا قد بدأت بالفعل في بناء سد "تيس أباي".
جاء في الخطاب "نظرا لحقوق مصر التاريخية ومواد الاتفاقيات بشأن النيل العظيم نطالبكم بوقف جميع الأعمال فورا على مجرى النهر الذي يجري في دماء المصريين ويعتبر تهديده هجوما على حياتهم، مما سيستدعي تحركا مصريا غير مسبوق".
كانت مصر وقتها منشغلة بمعركة التحرير وجلاء بريطانيا عن الأراضي المصرية. طوال الوقت لم تدّخر إثيوبيا أي جهد لاستغلال فرص الضعف والتراجع المصريين من أجل المضي قدما في بناء السد. أدرك عبدالناصر ذلك مبكرا، ومن بعده أنور السادات الذي كان عليه مواجهة إثيوبيا، بينما كان غارقا في مفاوضاته الحاسمة مع إسرائيل.
في عام 1979، وجه السادات خطابا لرئيس إثيوبيا مانجستو هيلاماريام. وحذّر من بناء أي سد على مجرى النيل قائلا "إن الأمن القومي المصري ليس لعبة في يد إثيوبيا"، وتبع ذلك تهديد بشن حرب عليها إذا ما استمرت في بناء السد.
في العام 2008 فعل حسني مبارك الشيء نفسه. وهدّد رئيس الوزراء الإثيوبي ميلس زيناوي بتوجيه ضربة جوية للسد.
لم تكن الظروف الدولية في صعودها وهبوطها مؤشرا متغيرا على مدى تقدم أو تراجع التأثير الوجودي للسد على مصر. إذا كانت مصر لا تلجأ إلى تلال السلاح المتراكمة في خنادقها من أجل الدفاع عن أمنها المائي الذي يشكل تاريخيا شريان حياتها، فمتى تستعملها؟
لم تعد القوة في القدرات السياسية والعسكرية والاقتصادية للدولة التي تدافع عن حقوقها المشروعة. هذا مفهوم كان يصلح للتقييم الاستراتيجي والعسكري أيام الحرب الباردة. اليوم تقاس القوة بفداحة الثمن الذي ستدفعه الدول لو لم تلجأ إلى القوة.
لم يعد قياس الردع الاستراتيجي قائما على ما تمتلكه الدول من أسلحة طالما أنها لن تبرح مخازنها. العالم لا يحترم المبالغين في الخجل والمزايدين على التمسك بالقانون الدولي.
مصر تشبه اليوم الأستاذ الجامعي الذي يسير وسط غابة تعج بالوحوش. لن يستطيع هذا الأكاديمي المحترم والعاقل التعايش مع هذه البيئة لو لم يعمل وفقا لقوانينها.
طبيعي أن تحافظ مصر على التزامها بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية. بناء سد النهضة في حد ذاته مخالفة لهذه الاتفاقيات.
لم تعد القوة في القدرات السياسية والعسكرية والاقتصادية للدولة التي تدافع عن حقوقها المشروعة. اليوم تقاس القوة بفداحة الثمن الذي ستدفعه الدول لو لم تلجأ إلى القوة
اللعب بالثلاث ورقات
مفهوم أن مصر عاشت لحظات ضعف غير مسبوقة منذ قيام ثورة يناير 2011 استغلتها إثيوبيا باقتدار للهرولة نحو بناء السد.
نحن أمام دولة تلعب بالثلاث ورقات. منذ اللحظة الأولى التي احتدم فيها الخلاف اتخذت العلاقات بين الجانبين شكل الممطالة ثم مفاوضات ثم تحكيم ثم دبلوماسية ثم لقاءات.. إلى ما لا نهاية. لماذا تتوقع مصر الآن أن تحصل على شيء؟ وقت الثورة كادت مصر أن تكون دولة مقعدة على كرسي متحرك، خصوصا بعد الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين. كانت مصر تحت حصار دولي محكم. اليوم الحال مختلفة تماما.
البلد أمام انفراجة هائلة أخيرا. العلاقات المصرية مع الغرب آخذة في التحسن. ومواقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب تبدو في تماه مع مواقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، حتى من قبل أن يتولى مهامه رسميا.
كثيرون يتخذون من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر ذريعة للتردد عند أي ذكر لاستهداف سد النهضة عسكريا. صحيح أن التحديات الاقتصادية التي يواجهها النظام المصري أثرت كثيرا على شعبيته.
لكن توحيد المصريين خلف الحكومة الحالية في مواجهة عدو خارجي، هو الطريق الأقصر لاستعادة جزء كبير من هذه الشعبية مرة أخرى.
كل مصري الآن صار مدركا لحجم الفشل الذي وقعت فيه الحكومة خلال المفاوضات. إذا كانت السياسة الخارجية للنظام الحالي قد وصلت أخيرا إلى مرحلة النضج، فإن ملف سد النهضة سيظل نقطة سوداء في وجدان المصريين عن هذه الحقبة.
في ذهن كل مصري، جميع الملفات الأخرى من ليبيا إلى سوريا إلى اليمن إلى الخليج في كفة، وقضية سد النهضة في كفة أخرى.
إذا كان رد فعل السيسي السريع قد نجح في توحيد المصريين خلفه العام الماضي مباشرة بعيد ذبح 21 مصريا على يد تنظيم داعش في ليبيا، فإن إنهاء وجود سد النهضة سيكون له وقع السحر على شعبية الرجل الذي يفصله عن الانتخابات المقبلة أقل من عام ونصف العام.
هل مصر جاهزة لدفع كلفة تحلية المياه أو استخراج المياه الجوفية من باطن الأرض لأجيال قادمة فقط لأنها لا تريد المغامرة من أجل انتزاع حقها المشروع؟
العمل العسكري ضد سد النهضة قادم لا محالة. إن لم يكن اليوم فسيكون حتما خلال عقود قادمة.. ضربة خاطفة نخشى من تبعاتها اليوم أفضل كثيرا من حرب شاملة يذهب ضحيتها الآلاف في المستقبل
مغامرة ضرورية
نظرية الخوف من العالم والإيمان بأنه يعكف ليل نهار على رسم المؤامرات ضد مصر ستتسبب مع الوقت في ضمور أذرع هذا البلد الذي كان يهيمن كليا على الشرق الأوسط ذات يوم. لا يحتاج الأمر إلى شن حرب شاملة. الحكاية كلها لن تتعدى ضربة جوية مركزة على مواقع السد تعيده سنوات طويلة إلى الوراء. هذا الحل مازال ممكنا قبل أن تبدأ مرحلة تخزين المياه خلف السد.
رد فعل العالم سيكون أدنى كثيرا مما يتوقع المتشائمون. الولايات المتحدة تمر بمرحلة انتقالية يهيمن عليها خمول وتناقضات مفهومة. أعتى السياسيين الأميركيين تطرفا لا يريد أن يبدأ عهدة رئاسته بعدائه لأكبر دولة عربية تدافع عن حقوقها التاريخية.
رغم الأدوار التي تؤديها إثيوبيا في ضبط منطقة القرن الأفريقي ومحاربة الإرهاب في الصومال والتوسط في نزاعات جنوب السودان، لا تزال مصر أكبر وأهم كثيرا بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
الخمول في أميركا يصاحبه هلع في أوروبا. الاتحاد الأوروبي لم يفق بعد من صدمة خروج بريطانيا، وفيضان اللاجئين الكاسح وعمليات إرهابية لا تتوقف. همّ أوروبا الأول صار إقناع الولايات المتحدة وروسيا بغلق الجحيم السوري الذي تدفع هي كلفته كاملة. عزز هذا كله من نفوذ روسيا في منطقة الشرق الأوسط.
العلاقات المصرية الروسية تبدو في أعمق لحظاتها منذ حرب أكتوبر 1973. مواقف مصر تجاه سوريا لا تتعارض كثيرا مع استراتيجية روسيا هناك. العلاقات العسكرية والاقتصادية تشهد تناميا، ومشاريع الطاقة المشتركة، خصوصا في حقول الغاز المصرية في المتوسط، مصالح لا يمكن تجاهلها في البلدين.
حتى بعض الدول العربية التي تفرق بينها وبين مصر اختلافات الآن ستكون في مقدمة الدول الداعمة لها. العلاقات المصرية العربية تاريخيا أكثر تشابكا مما يبدو ظاهرا اليوم، ونقاط الاتفاق أعمق كثيرا من لحظات الخلاف العابرة. لا تحتاج مصر إلى مساندة عسكرية من أي طرف. الأمر كله يتمحور حول المساندة السياسية على المسرح العالمي.
العمل العسكري ضد سد النهضة قادم لا محالة. إن لم يكن اليوم فسيكون حتما خلال عقود قادمة. إذا أفلتت إثيوبيا بفعلتها ونجحت في إكمال بناء هذا السد، فستكون قد أسست لسابقة جديدة، وسيكون على مصر خلال العشرة أعوام القادمة أن تتعامل مع عشرة سدود.
ترحيل المشكلة إلى أجيال لاحقة ليس حلا. ضربة خاطفة نخشى من تبعاتها اليوم أفضل كثيرا من حرب شاملة يذهب ضحيتها الآلاف في المستقبل.
كاتب مصري مقيم في لندن
أحمد أبو دوح
القاهرة تستبعد ضرب سد النهضة
امتلاك فرقاطات وغواصات وسفن حربية وطائرات متقدمة ومختلفة، ليس المقصود به الدفاع عن حدود مصر الشمالية والشرقية فقط، لكن أهميته تكمن في الحماية الاستراتيجية للحدود الجنوبية أيضا.
العرب محمد أبو الفضل [نُشر في 2016/12/29، العدد: 10498، ص(6)]
من مشروع تنموي إلى مشروع سياسي
القاهرة - التصعيد الذي وصلت إليه العلاقات بين مصر وإثيوبيا مؤخرا، جعل البعض يعيد طرح السؤال عن مدى إمكانية لجوء القاهرة إلى الحل العسكري للتخلص من الهواجس التي يمثلها سد النهضة، وتداعياته المائية السلبية على مصر، وأهمها تأثيره على حصتها التاريخية البالغة 55.5 مليار متر مكعب.
السؤال "المشروع" له ما يبرره عند أصحابه، خاصة أن عددا من المسؤولين في أديس أبابا درجوا في الآونة الأخيرة على توجيه اتهام للقاهرة يتعلق بقيامها بإيواء ودعم عناصر من المعارضة الإثيوبية، الأمر الذي ظهرت تجلياته في الخطاب الرسمي، عقب الاحتجاجات التي شهدتها مناطق الأورومو قبل نحو شهرين، ثم أخذت مساحة الاتهام تتزايد، وهو ما ينذر بأن الأزمة يمكن أن تنفلت من عقالها السياسي، وتأخذ مسارا عسكريا.
الواضح أن الخطاب المصري، لا يزال يُغلب الاتجاه الأول، ويكتفي بنفي كل الاتهامات التي وجهت للقاهرة على فترات مختلفة، ويصمم على الاستمرار في النهج الدبلوماسي، باعتباره الركيزة التي تعمل من خلالها السياسة المصرية منذ فترات طويلة، وتتجنب التلويح بالخيارات العسكرية، إلا في حدود الردع غير المباشر، كأن تمتلك مصر أنواعا مختلفة من الأسلحة المتقدمة، ويأتي التلويح بها مباشرة كرد فعل لإشارات مضادة في الاتجاه العسكري، للتأكيد على القدرة وعدم الرغبة.
الردع الاستراتيجي
الحل العسكري، على إطلاقه، لا يندرج ضمن الأدوات المصرية الرئيسية للتعامل مع الخصومات، والدفاع عن الأمن القومي وتفضيل الاعتماد على السبل السياسية، وعندما تنفتح القاهرة على معارضي دول أخرى تستبعد استخدامهم كأدوات مباشرة ضد دولهم.
وتقيم في القاهرة أنواع متباينة من المعارضة تنتمي إلى دول مثل سوريا والعراق والسودان واليمن وليبيا، بالإضافة إلى إثيوبيا، لم يثبت أن أيا من هؤلاء تحولوا إلى أسلحة مادية في خلافات القاهرة الخارجية.
أي احتكام عسكري في هذه اللحظة، يعطي بعض الدوائر فرصة مناسبة للنيل من مصر، التي ساهمت ثورتها في 30 يونيو 2013 في إفشال مشروعات دولية كبرى، لإعادة تقسيم المنطقة وفقا لرؤى جديدة
وفي الحالة الإثيوبية، أكدت الخبرة في المرتين اللتين تم التلويح فيهما بالخيار العسكري، بسبب المياه، أن الخسائر باهظة سياسيا. ومع مضي سنوات طويلة على إحداهما، لا تزال أديس أبابا، وربما الشعب الإثيوبي بأكمله، لم ينس هذا التلويح، الذي تحول إلى عقدة تاريخية أصبحت عقبة معنوية تقف حائلا أمام تطوير العلاقات وعدم وصولها إلى الدرجة الطبيعية.
كانت المرة الأولى عام 1979، عندما لوح الرئيس المصري الراحل أنور السادات بضرب إثيوبيا "إذا حدث وقامت بعمل أي شيء يعوق وصول حق مصر في المياه بالكامل، فلا سبيل إلا استخدام القوة"، وهو ما ترك احتقانات وخلّف مرارات، تحاول جهات عديدة العزف عليها، لزيادة الهوة بين البلدين.
وجاءت المرة الثانية، في يونيو 2013، عندما عقد الرئيس الإخواني محمد مرسي اجتماعا مع عدد من القيادات السياسية في القصر الجمهوري، وأذيع على الهواء، وتخللته تهديدات بضرب إثيوبيا، ردا على شروعها في بناء سد النهضة. وقتها شعرت أديس أبابا بأن هناك نوايا مصرية للتحرش بها عسكريا. وساعدت المفردات التي استخدمها البعض لترويع إثيوبيا في تكريس عقدة عدم استبعاد المواجهة المسلحة.
استثمرت أديس أبابا هذه الأحداث في تحويل السد من مشروع تنموي إلى مشروع سياسي له علاقة بالكرامة الوطنية. وكلما زاد العناد مع القاهرة كسبت الحكومة الإثيوبية أرضا جديدة لدى المواطنين، الذين ترسخ في وجدانهم عداء ظاهر للقاهرة. وهو ما كان يتكشف، من حين لآخر، في بعض المناسبات الرياضية، التي يتجاوز فيها الجمهور الإثيوبي حدود التشجيع إلى حد رفع أعلام دول معادية – منافسة لمصر في المدرجات.
في تقديري، استبعاد التفكير في الخيار العسكري، ليس ناجما عن عجز في القدرة التسليحية؛ فحسب الإحصائيات الدولية، ليست هناك مقارنة بين قدرات الجيش المصري ونظيره الإثيوبي. والتفوق يميل لصالح الأول باقتدار، كما أن العامين الماضيين شهدا تكثيفا مصريا في امتلاك المعدات العسكرية، التي تستطيع التحرك لمواجهة أي مساس مباشر بالأمن القومي المصري في أماكن بعيدة.
لعل امتلاك فرقاطات وغواصات وسفن حربية وطائرات متقدمة ومختلفة، ليس المقصود به الدفاع عن حدود مصر الشمالية والشرقية فقط، لكن أهميته تكمن في الحماية الاستراتيجية للحدود الجنوبية أيضا، خاصة أن هناك طائرات تستطيع الطيران حتى إثيوبيا والعودة دون تزود بالوقود، وهناك صواريخ يصل مداها إلى البقعة نفسها أو أبعد.
خيار مؤجل
إذا كانت لا توجد مشكلات في الأدوات العسكرية، بل ثمة وفرة، تتجاوز حاجة مصر الطبيعية، فلماذا تستبعد القاهرة ضرب سد النهضة وإنهاء الأسطورة التي أضحت تؤرق قطاعا كبيرا من المصريين؟
للإجابة عن هذا التساؤل هناك ثلاثة جوانب مختلفة من الضروري الالتفات إليها، حتى تستقيم الصورة، ويصعب استبعاد زواياها من المشهد العام، قبل التطرق إلى الكوابح التي تحول دون استخدام مصر للحسم العسكري حاليا.
الأول، أن وفرة الأسلحة والجاهزية العالية جزء منها له علاقة بما يسمى ب"الردع الاستراتيجي"، أي مقاومة الاعتداءات قبل وقوعها أصلا، وتقليل الخسائر المتوقعة في حال المواجهة المباشرة، وهي عملية معقدة وتأخذ أشكالا مختلفة.
الثاني، أن استخدام القوة يحدث عندما يكون هناك اعتداء سافر أو وشيك يمس الثوابت المصرية، وبينها المياه التي تمثل شريان الحياة. لكن هذا لن يحدث، طالما أن هناك قنوات سياسية مفتوحة.
وفي حالة سد النهضة، لا تزال الخطوط بها حرارة ولم تنقطع بعد. ويوجد هامش جيد لإمكانية التفاهم، يمكن تعظيمه عبر الأدوات الدبلوماسية، واستثمار العلاقات مع جهات التمويل، فضلا عن أن قوانين الأنهار، تحفظ لمصر حقوقها عند اللجوء إلى المحاكم الدولية.
الثالث، زيادة وتيرة التسلح المصري تؤكد عدم استبعاد خوض حروب اضطرارية في المستقبل، فالاستعدادات الحالية تتجاوز حدود اللحظة الراهنة، وربما تكون من بينها إثيوبيا، إذا تم سد كل القنوات الدبلوماسية، وواصلت أديس أبابا استفزازاتها، وتعمدت الإضرار بالمصالح المصرية بالتنسيق مع جهات إقليمية ودولية.
الحديث عن الكوابح، له أيضا ثلاثة أضلاع، يصعب تجاهلها لدى صاحب القرار في مصر، لأن تأثيراتها الكبيرة، كفيلة بأن تجعل من الخيار العسكري للتعامل مع أزمة سد النهضة بعيد المنال، على الأقل في الوقت الحالي.
الأول، محلي، فالنظام المصري يعاني حزمة من الأزمات الاقتصادية ومجموعة من المشكلات الأمنية، تفرض عليه إيجاد حلول ومخارج لها، تخفف المعاناة عن المواطنين، والانخراط في حروب أو حتى في مشاحنات خارجية، يمثل مرحلة من الرفاهية، لا تستطيع مصر تحمل تكاليفها الباهظة، وسط مواجهة محتدمة مع فلول إرهابية، يحتاج خفوت صوت رصاصها المزيد من الوقت.
الثاني، إقليمي، حيث تواجه الدولة المصرية تحديات من قبل جهات كثيرة، حاولت جرها إلى مستنقع مواجهات مباشرة، في كل من سوريا واليمن وليبيا، وجميعها باءت بالفشل، لذلك تمثل المواجهة العسكرية مع إثيوبيا بمثابة انتحار مكتمل الأركان، لأنها تعطي الفرصة للمتربصين بها إلى نيل مرادهم، عبر التورط في مستنقع يبعد الآلاف من الأميال عن أراضيها، لا أحد يعلم توقيت الخروج منه. ناهيك عن سلسلة التحالفات السرية التي عقدتها أديس أبابا مع دول مختلفة، وتوفر لها ركيزة لمساعدة عسكرية كبيرة، يمكن أن تمنحها أذرع طويلة، قد تطال بها بقاعا مختلفة في مصر، بينها السد العالي العملاق في الجنوب، والذي يمثل أحد أهم الشرايين الحيوية لمصر.
الثالث، دولي، وله علاقة بالجهات التي تُحرّض إثيوبيا على التمرد، والمضي قدما في مشروع سد النهضة، وأي احتكام عسكري في هذه اللحظة، يعطي هذه الدوائر فرصة مناسبة للنيل من مصر، التي ساهمت ثورتها في 30 يونيو 2013 في إفشال مشروعات دولية كبرى، لإعادة تقسيم المنطقة، وفقا لرؤى جديدة، إذ يندرج أي تجاوز من قبلها على إثيوبيا، تحت باب الاعتداء وخرق القانون الدولي، الذي تتحكم في تحديد مقاييسه بعض القوى الكبرى، الأمر الذي يعرض مصر لعقوبات من الممكن أن وتقوض أركانها الاستراتيجية.
كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.