انتخابات بريطانية يلفها الغموض بعد تصاعد الجدل حول الأمن في المملكة المتحدة واقتراب البلاد من خوض مفاوضات حاسمة على الخروج من الاتحاد الأوروبي، يأتي هذا في وقت لم تعد تبحث فيه رئيسة الوزراء تيريزا ماي عن أكثر من فوز يجنب حزبها ضربة قاضية. العرب لندن - يتوجه البريطانيون الخميس للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية المبكرة، التي دعت إليها رئيسة الوزراء البريطانية بشكل مفاجئ قبل سبعة أسابيع من الآن بهدف زيادة كتلتها البرلمانية قبل بدء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكسب المزيد من الوقت للتعامل مع أثر قرار الانفصال. وألقى هجومان شنهما متشددون في غضون أسبوعين بظلالهما على الحملات الانتخابية الصاخبة وغيرا من موازين القوى، وفقا لاستطلاعات الرأي. وبدأت الحملة بتقدم كبير للحزب المحافظ الذي تنتمي إليه ماي، لكن تقدمه على العماليين بقيادة جيريمي كوربن ظل يتقلص تدريجيا بينما باتت بعض الاستطلاعات تشير إلى أنه يمكن أن يخسر الأكثرية البرلمانية. لكن المراهنين مازالوا يتوقعون فوزا مريحا للمحافظين يسمح لهم بتوسيع أغلبيتهم التي تبلغ حاليا 17 مقعدا، إلى ما بين أربعين وسبعين مقعدا. وقال المحلل السياسي ايان بيغ إن "الحصول على فارق في عدد المقاعد بأقلّ من خمسين سيعتبر أداء سيئا جدا" لماي. وأضاف إن ماي "ستفوز على الأرجح، ولكن بأقل مما كانت تتوقع عندما دعت إلى هذه الانتخابات". وتأتي الانتخابات في وقت تواجه البلاد تحدي "بريكست" الهائل وبعد ثلاثة اعتداءات جهادية في أقل من ثلاثة أشهر. وعلقت الحملة الانتخابية مرتين، الأولى بعد الاعتداء في مانشستر الذي أسفر عن سقوط 22 قتيلا في 22 مايو، والثانية غداة الاعتداء الذي أسفر عن سقوط سبعة قتلى السبت في لندن. ماي حاولت إعادة ملف بريكست إلى صلب الحملة من دون جدوى إذ أن الاعتداءات أعادت مجددا قضايا أخرى أكثر إلحاحا وفي أوج الجدل حول فاعلية أجهزة الأمن والاستخبارات، كشفت الشرطة الثلاثاء هوية المنفذ الثالث للهجوم. وقالت إنه يدعي يوسف زغبة، موضحة أنه إيطالي من أصل مغربي يبلغ من العمر 22 عاما. ويرى المحللون أنه من الصعب جدا التكهن بانعكاسات هذه الاعتداءات على نتائج الاقتراع. ويعتبر المحافظون في بعض الأحيان أكثر مصداقية بشأن القضايا الأمنية، خصوصا في مواجهة زعيم عمالي يؤكد علنا مواقفه المؤيدة للسلام مثل كوربن. لكن وقوع هجمات متكررة نفذها أشخاص جميعهم تقريبا معروفون من السلطات، والانتقادات لخفض العديد من قوات الشرطة منذ 2010 لا يخدمان مصلحة المحافظين. وهاجم كوربن المحافظين على خلفية مسألة الأمن، منتقدا قرارا أخذته ماي عندما كانت وزيرة للداخلية بخفض عدد أفراد الشرطة. وردت ماي بالتعهد بشن حملة على التطرف الإسلامي. وتعهدت ماي في خطابها بتشديد الأحكام بالسجن وجعلها أطول وتقييد حرية حركة المشتبه بهم في قضايا الإرهاب. وتوجهت إلى مناصريها في رسالة أعادت نشرها على تويتر "في حال منعتنا قوانين حقوق الإنسان من تنفيذ هذه الأمور، فسوف نقوم بتغيير القوانين لنتمكن من ذلك". وانتقد كوربن أيضا رد ماي وقال "سوف نبقي القوانين دائما تحت المراجعة، لكن لا تصدقوا أن أحكام سجن أطول أو تقييد حرياتنا قد يردع من سيتحولون إلى إرهابيين وانتحاريين". وتعهد كوربن بتوظيف عدد أكبر من رجال الشرطة بعد خفض وصل إلى 20.000 شرطي بين عامي 2009 و2016، أي بنسبة 14 بالمئة بحسب معهد الدراسات المالية البريطاني. وكان اثنان من منفذي هجوم جسر لندن معروفين للسلطات قبل تنفيذ الهجوم. كما تعرضت ماي لهجوم من خصومها الذين قالوا إنها ستقوض حقوق المواطنين لتحقيق مكاسب سياسية. وبدا كوربن البالغ من العمر 68 عاما ومن قدامى حزب العمال، أنه خصم أقوي وأكثر حيوية مما كان يعتقده البعض، بما في ذلك في داخل معسكره. وقد خاض حملة تركزت خصوصا على الصحة والمساعدة الاجتماعية والتفاوت الطبقي الاجتماعي. وفي المناظرات التلفزيونية ظهر أقرب إلى الناس من رئيسة الوزراء والتي تهربت من كل المواجهات المباشرة واكتفت بتكرار تصريحات بشكل آلي. وارتكبت ماي عددا من الأخطاء، فقد اضطرت للتراجع عن أحد إجراءات برنامجها الذي يقضي بزيادة مساهمة كبار السن في برنامج العناية الصحية، وهو موضوع بالغ الحساسية. كما رفضت ماي أي مناظرة مباشرة مع خصمها العمالي الذي تحداها للقيام بذلك. واعترف المرشح المحافظ في يوركشير (شمال) على هامش زيارة أخيرة لماي إلى غيسبورو بأن تبدل موقفها في برامج الميزانيات الاجتماعية أثار بلبلة. وقال "هذا أدى إلى تغيير خطة" حملة المحافظين. وعبر مرشحون محافظون آخرون للصحف دون أن يكشفوا أسماءهم عن استيائهم من الأخطاء التي ارتكبتها ماي طوال الحملة. وحاولت ماي إعادة ملف بريكست إلى صلب الحملة مع تقدم العماليين، لكن من دون جدوى إذ أن الاعتداءات أعادت مجددا قضية الاقتطاعات في ميزانية الشرطة إلى الواجهة. وقال الخبير في استطلاعات الرأي جون كورتيس إن حزب العمال حصد أصواتا بين أنصار بريكست ومعارضيه على حد السواء، موضحا أن عملية المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي "لن تكون بالضرورة القضية الوحيدة التي يفكر فيها الناخبون عندما يصوتون في الثامن من يونيو". ويأمل المحافظون في انتزاع أكبر عدد ممكن من الأصوات من حزب الاستقلال المعادي لأوروبا، ثالث قوة سياسية في البلاد في 2015، لكنه يواجه صعوبات منذ رحيل زعيمه نايجل فاراج الذي يتمتع بحضور قوي. وفي الشمال، يأمل القوميون الأسكتلنديون في الحزب الوطني الأسكتلندي في الإبقاء على حظوظهم لمواصلة الدعوة إلى استفتاء حول الاستقلال.