عندما سطا نظام الإنقاذ على كرسي السلطة في السودان في العام 1989 م ، كانت من أولى أولوياته التي بدا بها إفراغ كافة أجهزة الدولة من العناصر الوطنية القديمة وإحلال عناصره مكانهم ، فكانت سياسة الإحلال( للصالح العام ) في الخدمة المدنية ، وخلق مليشيا الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية كأجهزة أمنية موازية أو بديلة للجيش والشرطة القومية . وقد بدأ سطوع نجم احمد محمد هارون من هناك كقائد للشرطة الشعبية ، هذا الجهاز الذي أنيط به مهام كبت الشعب وإخضاعه بالقوة وهو أمر لا يحتاج لإعادة سرد حيث عايش الشعب السوداني تلك المرحلة العصيبة بنفسه واصطلى بناره ولا يزال . ثم امتد مهام الشرطة الشعبية إلي المشاركة في الأعمال القتالية بجانب مليشيا الدفاع الشعبي في الجنوب والشرق ودارفور لاحقاً ليذاع لها سوء الصيت في ارتكاب أبشع جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بحرق القرى ونهب ممتلكات المواطنين العزل . ولعل من أخطر الملفات التي تلاحق احمد هارون بشكل شخصي ملف التصفيات الجسدية التي طالت بعض عناصر النظام المشكوك في ولائهم أو الذين استنفذوا دورهم ، ومن بين تلك الملفات حادثة الطائرة المشكوك فيها التي قضى على أثرها العقيد إبراهيم شمس الدين وزير الدولة بالدفاع وركبه من قادة الألوية العسكرية في الدولة ، وما تناقلتها أجهزة إعلام الدولة الرسمية في حينها عن تلك الحادثة ، حيث أذيع اسم احمد هارون قائد الشرطة الشعبية في حينها كأحد الناجين من تلك الحادثة مما ادخل الحيرة في عقول الناس عن الطريقة التي تمكن بها احمد هارون من النجاة وهو شخص مدني فيما عجز كل تلك الرتب العسكرية الرفيعة بخبراتهم الطويلة عن النجاة ؟! ، ثم ما تلا ذلك من تسريبات تفيد بان الحادثة برمتها لم تكن سوى عملية تصفية جماعية مدبرة دارت فصولها في منطقة المرخيات تم الترتيب لها عبر دعوة عشاء تم على أثرها تصفية المستهدفين تباعاً عند دخولهم بشكل فردي حتى آخرهم ، وبعدها اكتملت بقية فصول المسرحية بتحميل رفاتهم في طائرة عسكرية قادها طيارين مهرة من الجنسية العراقية وإسقاطها في منطقة عداريل وإخراجها للجمهور بتلك الصورة التي شاهدها الجميع . هذه إحدى القضايا الخطيرة المطمورة التي تلاحق احمد هارون كأحد الضالعين فيها . أما القضية الكبرى فتتعلق بملف جرائم دارفور ودور أحمد هارون المشهود في الإشراف على عملية الإبادة الجماعية هناك مما جعل رفيق دربه السيد عثمان يوسف كبر والي شمال دارفور الحالي يزجي له أجزل آيات الشكر والامتنان والعرفان بالجميل لوقوفه القوي معهم في ساعة الشدة " كما روى " حتى كاد يجهش بالبكاء . حدث هذا أثناء الحملة الانتخابية الأخيرة لأحمد هارون في ولاية جنوب كردفان ونقلته أجهزة إعلام الدولة الرسمية . ولعل خبرات احمد هارون الطويلة في هذا المجال هو المغزى وراء إعفائه عن الوزارة ودفعه باكراً لولاية جنوب كردفان لتحمل أعباء هذا الملف الخطير بما لا يدع مجالاً للشك بأن الأمر لم يكن محض صدفة وإنما هو ترتيب مسبق مدروس ، وبالتالي يجب ألا يستغرب الجميع عما حدثت ولا تزال تجري من عمليات تطهير على أساس عرقي في ولاية جنوب كردفان تحت إشراف المحترف أحمد هارون ، ولا يعوزنا في هذا الاستدلال بتصريحاته الأخيرة عن عزمه تطهير جنوب كردفان من عناصر الحركة الشعبية مع الأخذ في الحسبان كمية أصوات الناخبين التي تحصلت عليها الحركة الشعبية في تلك الولاية والتي تفوق في مجملها عدد الأصوات التي حاز عليها المؤتمر الوطني نفسه ، فعن أي تطهير يتحدث أحمد هارون ؟؟ إن المطلوب من ( اتحاد قوى المقاومة للتغيير ) في المرحلة المقبلة تكاتف جهودها لتخليص البلاد من أمثال احمد هارون وقادته من مجرمي الحرب في الخرطوم الذين يأتمر بأمرهم ، هؤلاء الذين لم يكتفوا بضحاياهم من عموم الشعب فحسب بل امتد بهم الجرم لمحاولة إبادة حتى المعوذين من المشردين في العاصمة بالسميات ؟ هذا الجرم الشنيع الذي لم يسبقهم فيها احد من العالمين ! إذ المعروف عن الشعب السوداني أنهم يطلقون على هؤلاء المعوذين ( أهل الله ) ولا يتعرضون عليهم بالسوء بل يمدون لهم يد العون . إن قطار التغيير قد انطلق من جنوب كردفان ومن قبل في دارفور والشرق والعاصمة وكل السودان وقد أزفت لحظة الحسم وإذا كانت ثمة من جهود للتهدئة فيجب ألا تذهب تجاه القائد المناضل عبد العزيز الحلو بل نحو قادة المؤتمر الوطني لإقناعهم بالتنحي والتسليم ، وإلا فالمقاومة المتحدة قادرة بعون الله وتكاتف أبنائها وتعاضد جموع الشعب السوداني معها وصمودهم من اقتلاع هذا النظام المتهالك عن جذوره والقبض على مجرمي الحرب وتقديمهم للمحاكم العادلة . وإنها لثورة حتى النصر ، حتى النصر بإذن الله . ( ويرونه بعيداً ونراه قريباً ) . [email protected]