قال رئيس حكومة إقليم كاتالونيا، كارلس بوجيمون، إن الإقليم أصبح من حقه الآن الحصول على "دولة مستقلة"، بعد استفتاء حظرته الحكومة، وشابته أعمال عنف، واعتبر أن الاستفتاء كان بمثابة فرصة لإعلان الاستقلال من جانب واحد. على مدى التاريخ حافظت كاتالونيا على هوية فريدة مهما كانت خاضعة للتاج الأسباني منذ القرن الخامس عشر لكن النزع المتصاعد نحو إحياء الشعور القومي الخاص نما في القرن التاسع عشر وتجدد ذلك الشعور وتصاعد أن يصبح حملة من أجل الاستقلال السياسي وحتى الانفصال. لم تتعرض كاتالونيا تحت ظل التاج الأسباني للتجارب القاسية التي اختبرتها مناطق، مثل إقليم دارفور، تقع في قلب الجزء الأشد إظلاماً من العالم، كان سقوط برشلونة في يد "الجنرال فرانكو" عام 1939 هو الحادث الأعنف الذي يمكن أن يغذي روح الأنفصال إذ ألغى الحكم الذاتي، وتعرضت القومية الكاتالونية لأول مرة، تحت الحكم المتشدد للجنرال، للقمع، وأضحى استخدام اللغة الكاتالونية مقيداً. تذرعُ الكاتالونيون بأن الشرعية الدولية تقف إلى جانبهم بإقرارها مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها يستدعي على الفور الحالة الدارفورية في السودان ذلك أن الشرعية الدولية اعطت هذا الحق لشعب يعاني نير الظلم وجرائم الحرب وتتهدده الإبادة الجماعية على يد نظام مستبد ودموي وفوق ذلك فإن دارفور ظلت سلطنة مستقلة لم تلتحق بالسودان إلى نحو العام 1916 وهو تاريخ قريب مقارنة بالتحاق كاتالونيا بأسبانيا. لقد عمّق الجنرال الإنقاذي المتنسِّب للحركة الإسلامية في السودان من جراح دارفور إذ عملت سلطته على استقطاب القبائل العربية وسلحتها ثم استثارت نزوعها البدوي الأعمى للقتل والقتال، وأغرتها باغتصاب أراضي الدارفوريين وحواكيرهم، فليس ثمّة مقارنة بين قمع الكاتالونيين على يد الجنرال فرانكو ونكبات الدارفوريين المتتالية على يد الجنرال البشير ولما تزل متصاعدة على نحو ما حاق بنازحي معسكر كلما خلال محاولته الاخيرة لزيارة تلك الانحاء، لقد شهد العالم أجمع على مأساة دارفور ووثقتها الدوائر القانونية الدولية إذ أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية، بتصاعد أعمال العنف في دارفور، أمراً بالقبض على رئيس نظام الإنقاذ لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وعدّت المحكمة "البشير" مسؤولاً جنائياً، باعتباره مرتكباً غير مباشر أو شريكاً غير مباشر، عن تعمد توجيه هجمات ضد جزء كبير من السكان المدنيين في دارفور، وعن القتل والإبادة والاغتصاب والتعذيب والنقل القسري لأعداد كبيرة من المدنيين ونهب ممتلكاتهم وهذه جميعها حيثيات تعضد الحق الذي اثبتته الشرعية الدولية للشعوب التي تتهددها الإبادة وتقمعها الانظمة المستبدة الجائرة. سوى أن البشير لم يكن بدعاً بين الإسلاميين الذين حملوه إلى السلطة فقد عرف أبناء دارفور داخل الحركة الإسلامية أشكالاً من التمييز بالرغم من أن هذه الحركة كان وجودها الأميز والأقوى وسط قبائل دارفور غير العربية لكن مجذوب الخليفة حاكم الخرطوم (1997) لم يتوان أو يتورّع عن تزوير الانتخابات داخل المؤتمر العام للمؤتمر الوطني الحاكم ليسقط "الشفيع أحمد محمد" أحد أبناء دارفور سوى أن الإنقاذ عينت حاكماً عسكرياً لدارفور من ذات قومية الخليفة فعمّقت الشعور بالضيم وسط عضوية الحركة الحاكمة من أبناء دارفور على نحو ما جسّدت حركة داؤود يحي بولاد الذي كان يعتقد أنه ستكون له مكانة خاصة في الحركة الإسلامية ما يمكنه من خدمة أهله فوجد الطريق مسدوداً داخل قنوات الحركة. إن عجز النخبة السودانية ومن خلفها عامة الشعب وأحزابه وتنظيماته السياسية وحالة الخوار والتيه التي انبسطت على كامل الساحة وامدت الإنقاذيين بمدد وفير من القوة والسطوة تمثل دافعاً لأن تذهب هذه المناطق التي تطاولت مأساتها وسحقتها الآلة الحربية الحكومية ببداوتها وعنصريتها نحو الانفصال وتقرير المصير حين عز النصير وتضعضعت العزائم، عزائم الشباب والشيوخ على السواء في أن يجدوا للوطن، متحداً، خلاصاً، وأن تستلهم نزع الكاتالونيين فأي الفريقين أحق بذلك الروح إن كنتم تعلمون؟