القوة المشتركة تكشف عن مشاركة مرتزقة من عدة دول في هجوم الفاشر    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تهَافُت اليائسين.. تنازُلات بلا مُقابِل..
نشر في سودان تربيون يوم 14 - 09 - 2018


قراءة نقدية لوثيقة (عناصر خارطة الطريق)
الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال 10 سبتمبر 2018
مُقدمة:
نشرت المجموعة المقالة من الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال التي يتزعمها مالك عقار وياسر عرمان وثيقة تحت عنوان : (نحو تحوُّل سياسي مستدام في السودان : عناصر خارطة الطريق). جلست لجنة من الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال لدراسة الوثيقة وتقييمها، وتحديد موقف الحركة الشعبية منها، وخلُصت إلى الآتي:
الوثيقة أشبه ب(البحث الأكاديمي) أكثر من كونها (مشروع سياسي) بديل للمشروع السياسي القائم في السودان منذ خروج المستعمر إلي يومنا هذا. وقد إجتهدت المجموعة التي إعتبروها (مجموعة الخبراء الإستشارية) التي إستعانوا بها لكتابة الوثيقة - وهم من المقرَّبين للمجموعة المقالة – وحشدت العديد من المعلومات الأكاديمية والوصفات الجاهزة لمعالجة الأزمات التي تمر بها البلدان النامية وخاصة في مجال الإقتصاد السياسي، وهي وصفات يتم تقديمها لدول العالم الثالث التي تُعاني من أزمات إقتصادية مُتجذِّرة بواسطة بعض المؤسسات الدولية مثل : (البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.... وغيرها)، وقد أثبتت هذه الوصفات فشلها في العديد من الدول التي كانت حقلاً لمثل هذه التجارب، والسودان أحد هذه الدول التي طُبِّقت فيه سياسات مثل سياسة (التحرير الإقتصادي) وغيرها من السياسات التي لا تُناسب الواقع ولا تُحدِث أي تغيير جوهري في البنية الإقتصادية. وقد ساهمت هذه السياسات - خاصة سياسة التحرير الإقتصادي أو ما يُسمَّى ب(الخصخصة) - في إفقار غالبية الشعب السوداني، وإختفت (الطبقة الوسطى) في المجتمع، وأصبح أقل من 5 % من الشعب يُسيطر على ما يقارب ال95 % من ثروات البلاد، وبقية ال95 % من الشعب السوداني يتقاسمون حوالي 5 % فقط من ما تبقَّى من ثروات.
وقد إتَّسمت الوثيقة بالتَّسطيح وعدم مُلامسة القضايا الجوهرية، وفي أحسن الأحوال التحدُّث عنها بتجنُّب الخوض في جذور الأزمة وعُمقها، وهي في رأينا مُحاولة لإستخدام المنهج العلمي في الكتابة للترويج للأجندة السياسية التي باتت مكشوفة للجميع، ومُحاولة للترويج للهبوط الناعم (Soft-landing) وتهيئة الشعب السوداني لهذا (الهبوط)، ومُحاولة لإرضاء نُخب المركز الإسلاموعروبي وحشد تأييدهم والإدِّعاء بإن هذه الرؤَى هي رؤى مُتفقٌ حولها، وهي رؤَى جميع الأحزاب السياسية والشعب السوداني، وبالتالي في تقديرنا هي مُحاولة لطرح وثيقة أشبه ب(الوثيقة الوطنية) التي كانت ثمرة غير ناضجة ل(الحوار الوطني) وإحدى مُخرجاتهِ. وهذه الوثيقة فى الواقع تعمل على إبقاء النظام القائم في السودان مع إضفاء بعض (المساحيق التجميلية) عليه لتحسين صورتهِ، كما تُحافظ على البنية المختلة للدولة كأمر واقع. فعملية التغيير في السودان تحتاج لتشريح دقيق وعميق للأزمة من جذورها قبل الخوض في تقديم الوصفات والحلول. فهذه المجموعة التي خرجت عن المشهد السياسي الحقيقي وإختارت لنفسها المشاركة في مسرحيات هزيلة وموجَّهة يلعبون فيها دور (الكومبرس - Combers) - تحاول أن تؤكِّد إنها لا زالت موجودة في قلب الأحداث، وإنهم قادرون على تقديم الأفضل، وهذه الوثيقة طُرِحت كما يبدو لتكون بديلاً لمنفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال الذي صدر في المؤتمر العام الإستثنائي في أكتوبر 2017 -بهدف التشويش على مشروع السودان الجديد وقطع الطريق أمام ثورة الهامش، وحماية مؤسسة (الجلاَّبة) - بعد أن فشلوا في كتابة منفستو يحظَّى بشرعية الجماهير وأعضاء الحركة الشعبية. وقد تضمَّنت الوثيقة رسائل داخلية لأعضاء الحركة الشعبية للتَّأكيد بإنهم لا زالوا يتمسَّكون بمشروع السودان الجديد والذي تحدَّثوا عنه دون تفصيل، في مُهادنة وتقرُّب واضح لقوى المركز الإسلاموعروبي وتواطوء آيديولوجي مع (ثوابتهِ)، إذ تجنَّبوا التطرُّق لقضايا موضوعة في (خانة المسكوت عنه) مثل الخلفيات التاريخية التي شكَّلت التركيبة المشوَّهة للبنية الإجتماعية، والإقتصادية، والسياسية والتي أسَّست بدورها لقيام مركز مُسيطِر وأطراف مُهمَّشة، مُعتقدين إنهم بذلك يسعون لتوحيد السودانيين، وبالتالي يكونوا قد وضعوا أنفسهم في صف النُخب (المُدمِنة للفشل). وقد عبَّر الدكتور/ فرانسيس دينق عن هذا المسلك بقوله : (ليس ما يُفرِّق بين الناس هو الذى يُقال .. بل ما لا يُقال). وتضمَّنت الوثيقة أيضاً رسائل أخرى خارجية للأحزاب السياسية والرأى العام بإنهم يطرحون وثيقة أفضل من (منفستو 2017). وقد رأينا ضرورة تمليك الرأى العام بفحوَى ومضمون الوثيقة وما ترمي إليه.
تحليل مضمون الوثيقة:
مرَرنا على الوثيقة وإخترنا بعض الفقرات والبنود وحلَّلنا مضمونها على النحو التالي:
1. في البند (3) - تُروِّج الوثيقة لخيار الحكم الذاتي مُقابل حق تقرير المصير، وقد تم التعبير عن ذلك في هذا البند على النحو التالي : (يتوقع أن ينص الدستور على حكومة لا مركزية وحكم ذاتي إقليمي وآليات تضمن التمثيل العادل للأقاليم والرقابة على القرارات التنفيذية التي تؤثِّر عليها).
وفي هذا تخفيض واضح لسقف المطالب وخيارات التسوية، وتبنّي لموقف الحكومة.
2. في البند (6) إستندت الوثيقة على إفتراضين : (إن التغيير قادم لا محُالة، وإن هنالك إتفاق بين الأحزاب التي تُعارض النظام حالياً حول المبادئ، والقيم التي سيتم التعبير عنها في هذه الوثيقة).
هنالك تجاهُل لآراء ومواقف قوى سياسية فاعلة ومهمة في السودان.
3. في صفحة 12 البند (18) وضعت الوثيقة شروطاً لعملية بناء الأمة، وحدَّدت ثلاثة أنواع من مؤسسات (البنية الفوقية) لإحداث تغيرات فيها : (أ/ مؤسسة الدولة ب/ سيادة حكم القانون ج/ آليات المساءلة الديمقراطية).
وكما يبدو - فقد إستلفت الوثيقة إحدى مُرتكزات منهج التحليل الماركسي (البناء الفوقي – البناء التحتي) ولكنها تحاشت الحديث عن ضرورة إحداث تغييرات جذرية في البناء التحتي الذي يقوم على (نمط وعلاقات الإنتاج – تقسيم العمل - علاقات السلطة – النظام العبودي - ......إلخ)... والبناء الفوقي ما هو إلاَّ إنعكاس للبناء التحتي ويُعبِّر عنه، ويعمل على الحفاظ عليه والحفاظ على التراتبية الإجتماعية - الإقتصادية - السياسية القائمة فيه – وفي رأينا إحداث التغيير يحتاج لتفكيك البناء التحتي (البنية الإقتصادية – الإجتماعية) وإعادة هيكلتها لصالح المُهمَّشين، وتحقيق المساواة والعدالة الإجتماعية، وإعادة توزيع الثروة والسلطة بين السودانيين.
4. صفحة 16 – البند (29) – تحدَّثت الوثيقة عن قضية فصل الدين عن الدولة وذكرت : (إنه من الضروري التفكير في تبني خيار فصل الدين عن الدولة وتضمين الحق في حرية الإعتقاد والضمير في الدستور. ولحساسية هذه القضية ربما يكون من الأفضل أن تبدأ هذه الخطوة بإجراءات تستهدف التعليم وتسعى إلى إلغاء وإزالة تأثير سنوات من أدلجة المناهج الذي إنتهجها النظام الحالي. كما يمكن أيضاً ان تستفيد حكومة الفترة الإنتقالية من مقدار الثقة التي يمكن أن تنالها من حيث كفاءتها وقدرتها على الإنجاز وذلك قبل الدفع بهذه القضية المهمة للنقاش).
وهذا تأجيل لمعركة العلمانية وفصل الدين عن الدولة، وفي الغالب إجراءات (موت بطيئ) للقضية، إذ لا توجد أى ضمانات أو آليات لفصل الدين عن الدولة فيما بعد الفترة الإنتقالية.
5. البند (32) الذي تناولت فيه الوثيقة أزمة الهوية – وبرغم المحاولات المستمرة للنخب الإسلاموعروبية للقضاء على الكيانات الأخرى وإبادة هويتها على مر التاريخ، وفي مُختلف الأنظمة والحكومات – إلاَّ إن الوثيقة أرجعت أسباب (بروز وجهة النظر التي ترى إن هناك صراعاً يدور بين الهوية المُهيمنة والهويات الأخرى) – إلى ما أسمته (سياسات الهندسة الإجتماعية ..!!).
وفي هذا نكران واضح للحقائق - وهو خطاب مُهادِن للنخب الإسلاموعروبية.
6. البند (33) – ألقت الوثيقة مهمة ومسئولية بناء الإنتماء المشترك والمواطنة المتساوية (على كاهل القيادة السياسية المختارة ديمقراطياً).
وهذا إستسلام واضح يُعبِّر عن نية المشاركة في الإنتخابات القادمة 2020.
7. البند (36) – ذكرت الوثيقة إن أديس أبابا 1972، ونيفاشا 2005، منحت الجنوب الحكم الذاتي – وإنه منذ ذاك الحين تم تطبيق النظام الفيدرالي في السودان، ويعتبرونه فقط في حاجة إلي إصلاح ..!! (هناك إجماع عام حالياً على وجوب إصلاح النظام الفدرالي من أجل ضمان أن تكون كلفته معقولة ولضمان تحقيق الفوائد المبتغاة من قسمة السلطة والثروة).
وهذه كلها تنازلات وتخفيض لسقف المطالب، ومحاولة للإبقاء على ما هو قائم حالياً.
8. البند (40) - لضمان توفُّر الثقة - تحدَّثت الوثيقة عن إصلاحات في قوانين الإنتخابات ..!! : (ومن أجل ضمان توفر الثقة المتبادلة والرغبة فى التعاون بين الأطراف المعنية – إجراء إصلاحات في قوانين الإنتخابات والقوانين التي تنظم الأحزاب السياسية).
تجاوزت الوثيقة تجارب الإنتخابات السابقة في عهد هذا النظام وكيفية إستخدام جهاز الدولة للسيطرة عليها وتزويرها - وكأنَّ المشكلة في قانون الإنتخابات !! – والحركة الشعبية لديها تجربة في إنتخابات 2010 أدَّت لإنسحاب مُرشَّحُها للرئاسة (ياسر عرمان – نفسه) - لأسباب لا يعرفها إلاَّ المرشَّح وحده.
فإنتخابات السودان تحتاج إلي توازن قوى (بشتَّى أنواعها)، وتحتاج أيضاً لمؤسسات نزيهة قائمة على أُسس سليمة، وإحصاء سكاني نزيه، وتوزيع عادل للدوائر الجغرافية. وتجربة الإنتخابات التكميلية لولاية جنوب كردفان في العام 2011 ليست بعيدة عن الذاكرة.
9. في البند نفسه (40) – طالبت الوثيقة (الأحزاب القومية ..!!) – ودون الخوض في تفاصيل وتساؤلات من هي الأحزاب القومية ؟ .. وما هي المعايير التي تجعلها قومية ؟ وغير ذلك - فقد طالبت الوثيقة هذه الاحزاب ب(تبنِّي قضايا المناطق المهمشة) ..!!.
كيف تطالب نفس الأحزاب التي ساهمت في تدمير الهامش بتبنِّي ما لا تؤمن به ؟ وكيف تضمن إلتزامها بذلك متى ما وصلت إلى السلطة ؟.
10. برغم تحدُّث الوثيقة عن النظام (الفيدرالي) – إلاَّ إن الترتيبات المالية المذكورة فى الوثيقة هي ترتيبات لنظام حكم (مركزي). وهذا مؤشر على إن الوثيقة تهدف إلى الإبقاء على النظام القائم حالياً. وقد ذكرت الوثيقة فى البند (41) - إن (الهياكل الفيدرالية القائمة حالياً قد تكون أكثر الخيارات جدوى).
11. البند (45) - تحدثَّت فيه الوثيقة عن قضايا الأرض دون أن تذكر كيفية معالجة هذه القضايا، برغم إن قضايا الأرض تلعب دوراً محورياً في الصراع السوداني، ومن أجلها حمل الكثيرون السلاح، فقد جاء الحديث عن الأرض عابراً وسطحياً.
12. البند (57) - تحدَّث عن دمج وتسريح المجموعات التي تُقاتل النظام : (من المهم جداً تطوير خطة لعمليات نزع السلاح والتسريح للمجموعات المسلحة التي تعارض الحكومة المركزية حالياً، مع الأخذ في الإعتبار التجارب الإقليمية والدولية ذات الصلة) ..!!.
وهذه مساعدة ودعم لموقف الحكومة في الترتيبات الأمنية .. (دمج وتسريح قوات حركات الكفاح المسلَّح)، وقد وضعت الوثيقة هذا الأمر في قمة الأولويات..!!.
13. تم تخصيص الصفحات من 23 – وحتى 30، البنود من (59 – 77) – للقضايا الإقتصادية تحت عنوان (إعادة هيكلة وإدارة الإقتصاد) – وإحتوت هذه الصفحات على كمية كبيرة من المعلومات العلمية الفضفاضة عن (الإقتصاد الجزئي – الإقتصاد الكلي – الدول النامية – السياسات الدولية والإقليمية – البنك الدولي - صندوق النقد الدولي .... إلخ) وتضمَّنت الصفحات العديد من الوصفات الجاهزة لمعالجة الأزمات الإقتصادية في البلاد.
لم تذكر الوثيقة الجذور التاريخية العميقة التي جعلت بعض الناس يمتلكون سبل ووسائل الإنتاج مما أدَّى إلى تراكم الثروة في أيديهم – وما الذي جعل الآخرين لا يمتلكون هذه الوسائل ؟ وكيف تم إقصائهم وإبعادهم ؟ – وما هي الموانع التي وضِعت لتحول دون وصولهم إليها ؟.
لم تتحدَّث الوثيقة عن إقتصاد الريع العشائري ودوره في تكوين رؤوس الأموال وتراكمها لدى مجموعات مُحدَّدة.
كذلك لم تتطرَّق الوثيقة إلي السياسات التي يجب إتباعها، والآليات التي يجب إستخدامها لتدمير (البناء التحتي) الذي يشتمل على (نمط وعلاقات الإنتاج – تقسيم العمل – علاقات السلطة – مظاهر النظام العبودي - ...إلخ) لصالح المهمَّشين، ومن ثم إنهاء التراتُبية الإجتماعية - الإقتصادية المتُجذِّرة.
14. الملحق (ج) – (خطة العمل المقترحة) : تضمَّنت الخطة جداول بفترات زمنية، ويُلاحظ الآتي:
أ- لم تتحدَّث الوثيقة عن مستقبل قوات (مجموعات الكفاح المُسلَّح) – بل تركت الأمر للحكومة...!!
ب- لا توجد خطة أو آلية واضحة لتنفيذ العدالة الإنتقالية – تحدَّثت الوثيقة حديثاً فضفاضاً عن (توظيف الإعلام والعلاقات الدولية لضمان خضوع قادة النظام للمحاسبة).
ج- الملحق برُمتهِ لا توجد أي ضمانات لتنفيذه.
15. الملحق (د) – التحدِّيات : في هذا الملحق، يُلاحظ الآتي:
لم يُذكَر ضمن التحدِّيات (التركيبة الإجتماعية – الإقتصادية – السياسية المشوَّهة) وكيفية تفكيكها وإعادة بنائها.
16. الملحق (ه) – تدخُّلات مُقترحة:
في الفقرة (ه-6) - إقترحت الوثيقة إقامة (إتحاد كونفيدرالي) مع دولة جنوب السودان دون التطرُّق للأسباب التي أدَّت إلي إنفصال الجنوب.
إيضاحات مُهمة:
في شأن الهوية- البند (30) : (العروبة) كإثنية لا توازي (الأفريقانية) كجغرافية، فهى هوية تجمع قوميات وشعوب كثيرة ومتنوِّعة - بما في ذلك العرب أنفسهم- ولذا، العروبة مثلها ومثل بقية الأعراق والإثنيات، وبالتالي (السودانوية - Sudanism) التي تتبناها الحركة الشعبية ليست بديلاً للأفريقانية والتي يمكن أن تقابلها (أسيوية – أوربية – أمريكية - ... إلخ). وفي حديث الدكتور/ جون قرنق عن هذه المسألة تحدَّث عن (الأفريقانية المضادة للعروبة - Africanism that opposed to Arabism)، وبذلك كان يقصد العصبية الإثنية والعنصرية في السودان تجاه البعض ورد الفعل لذلك، وإن ذلك لا يمُكن أن يوحِّد السودانيين.
مُلاحظات عامة:
1- لم تتحدَّث الوثيقة عن سياسات اللغة في البلاد، ولم تضع أي إستراتيجية واضحة لمعالجة سياسات تهميش اللغات الأخرى ومحاربتها من قبل الأنظمة التي حكمت البلاد منذ خروج المستعمر.
2- مسألة التعريب لم تبدأ في عهد الإنقاذ كما تحاول الوثيقة أن تُصوِّر ذلك، فقد بدأت هذه السياسات منذ خروج المستعمر، وفي مختلف العهود والأنظمة التي تعاقبت على السلطة في السودان (سوا كانت عسكرية أو ما تُسمَّى بالديمقراطية) وذلك في إطار توجٌّهات نُخب المركز الإقصائية لفرض الهوية الأُحادية على البلاد (العربية - الإسلامية). وهذا يؤكِّد عدم جدِّية هذه الوثيقة في مُعالجة جذور الأزمة، كما يُمكن أن يُقرأ في ذلك أيضاً - محُاولة الوثيقة إرضاء الأحزاب التي شاركت من قبل في حكم السودان.
3- لم تتحدَّث الوثيقة عن الخلفية التاريخية لتشكُّل المركز في السودان، وآليات الصراع بين المركز والهامش.
4- لم تتطرَّق الوثيقة إطلاقاً ل(مؤسسة الرق والإسترقاق) كواحدة من أكثر الممارسات التي لعبت دوراً كبيراً في تشكُّل التركيبة الإجتماعية – الإقتصادية المشوَّهة للمجتمع السوداني.
5- لم تذكر الورقة أي شئ بخصوص (التربية الوطنية) وأهميتها في تشكيل وعى مشترك يسهم في بناء أمة موحَّدة على أسس جديدة.
6- مشروع السودان الجديد تم الحديث عنه بصورة عابرة وفضفاضة بدون تفاصيل، وتم تجنُّب الحديث بوضوح في قضايا مثل : (العلمانية – حركة عموم أفريقيا Pan-africanism – الوحدة الطوعية – حق تقرير المصير - مشروعية العقد الإجتماعي – نقل المدينة إلى الريف ....) وغيرها من مبادئ الحركة الشعبية لتحرير السودان.
7- لم يورد أى حديث عن مؤسسة (الجلابة) ودورها في تجارة الرقيق، أو الإشارة إلى تأسيس الدولة الحديثة في السودان كبداية للتَّهميش.
8- تم تجنُب الحديث عن الجذور التاريخية للمشكلة السودانية، وتم التركيز على فترة الإنقاذ وكأنَّ مشاكل السودان بدأت في العام 1989.
9- لم يورد أى حديث عن (مفهوم الديمقراطية، وشروطها، وتجارب ممارستها في السودان).كأرضية ومنصة إنطلاق للأمام.
10- لم تتحدَّث الوثيقة عن نظام الحكم الأنسب لإدارة البلاد.
11- الحديث عن الهوية في الوثيقة كان بصورة سطحية ولم يُلامس الأزمة بأبعادها العميقة، وكيفية بدايتها أو العوامل التي أدَّت إليها.
12. تحاشت الوثيقة التحدُّث بوضوح عن المحكمة الجنائية، وضرورة مثول (مجرمي النظام) أمام لعدالة الدولية.
أخيراً:
لم تذكر الوثيقة أي وسائل أو آليات لتحقيق هذه الرؤى- بل تركوا الأمر ل(الزمن .. والأيام) كما ذكروا في مقدمة الوثيقة : (لا تسع هذه الوثيقة إلى تقديم وصفة لكيفية تغيير النظام) – وهذا يعني أن ما ورد في الوثيقة - عبارة عن (أماني وتطلُّعات). فهذه الوثيقة في خلاصة الأمر تهدُف إلي تهيئة الرأى العام للقادم .. الذي ربما يكون مُصالحة مع النظام، والمشاركة في انتخابات 2020.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.