شرّعت إطاحة الشعب السوداني بحكومته السابقة الأبواب أمام فرص جديدة لتحقيق الديمقراطية والسلام والتنمية الاقتصادية في البلاد. ولكن ما زالت المرحلة الانتقالية في السودان هشة ولا بد لها من الحصول على الدعم الدولي لكي تتكلّل بالنجاح. في شهر آب/أغسطس الماضي، وقّع قادة الحركة الاحتجاجية والجيش السوداني اتفاقاً يؤسس لمرحلة إنتقالية من ثلاث سنوات يرأس مجلس السيادة البلاد خلالها، مع تشارك السلطة بين الشخصيات العسكرية والمدنية. وقد تم اختيار رئيس الوزراء المدني عبدالله حمدوك لقيادة حكومة تكنوقراطية. لطالما كان مركز كارتر منخرطاً في السودان وجنوب السودان على مدى العقود الماضية حيث قدّم المركز المساعدة للبلدين للتخلص من داء الدودة الغينية مع الاستمرار في دعمه للديمقراطية ومحاولة تلافي الحروب وإنهائها عندما تستعر. وقام مؤخراً فريق من مركز كارتر بزيارة الخرطوم حيث التقى بأبرز قادة الحكومة والمجتمع المدني لمناقشة الخطوات التي يخطوها السودان نحو السلام والديمقراطية، وللتشديد على الشراكة المستمرة بين مركز كارتر والسودان. ومما لا شك فيه أن المرحلة الانتقالية الجارية حالياً لا يمكنها تكرار أخطاء الماضي. لا بد لسكان المناطق الهامشية في السودان على غرار دارفور والنيل الأزرق وشرق السودان والتي لطالما تعرّضت للإقصاء والإهمال – لا بد لها من المشاركة بشكل فعال في صياغة الدستور الجديد للبلاد وبناء المؤسسات الديمقراطية. وقد عبّر رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء وغيرهما من القادة عن التزامهما بالحوكمة الشاملة للجميع وقد اتخذوا خطوات إيجابية منها دعم حريات المجموعات الدينية ولقاء الأقليات المسيحية. الحروب الداخلية في السودان لم تصل إلى نهايتها بعد. يتعين على أصدقاء السودان في المجتمع الدولي التشديد على ضرورة معالجة جذور الأسباب التي تقف وراء استشراء النزاعات ومنها مثلاً التاريخ الطويل من التوزيع الجائر للموارد بين الخرطوم وباقي المناطق، بدلاً من السعي خلف صفقات تقاسم السلطة مع قادة المتمرّدين. لا بد للنساء والشباب والجمعيات والسلطات المدنية والدينية وغيرها من المشاركة بشكل فعال في المفاوضات بين الفصائل المسلحة. أما إقتصاد السودان فيواجه ضائقة كبيرة مع وصول التضخم إلى مستويات غير مسبوقة في الأشهر الأربعة والعشرين الماضية. هناك طوابير طويلة للحصول على الوقود وشح في الغذاء والنقد على المستوى الوطني، إلا أن السودان غير مؤهل للحصول على الدعم الدولي نظراً لكونه لا يزال على قائمة الولاياتالمتحدة للدول الراعية للإرهاب. غير أن هذا التصنيف ليس في محله. فالسودان يدعم الجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب وفي العام 2017 تم رفع بعض العقوبات عنه إلا أن وجوده على تلك القائمة يمنع السودان من تلقي المساعدات الطارئة من البنك الدولي أو من صندوق النقد الدولي، أو حتى من الحصول على إعفاء من بعض الديون. وهذا بدوره يمنع مواطني السودان من استخدام النظام المصرفي الدولي أو الاستفادة من الاستثمارات الخارجية. وبالمثل، لا يمكن للدول أن تقدم المساعدات الى السودان بدون تعريض نفسها للعقوبات الأميركية. ونتيجةً لذلك، لا تتوفر الأدوية الضرورية في الصيدليات ويستحيل استيراد المعدات الطبية الحيوية. ينبغي على إدارة الرئيس ترامب العمل مع الكونغرس لشطب السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب على الفور وإعطاء فرصة للديمقراطية، ففي غياب مثل هذه الخطوة ستبقى حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك هشة. نعم، لقد أدّت التظاهرات السلمية المنادية بالديمقراطية إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير ولكن استمرار الحرمان الاقتصادي قد يؤدي إلى المزيد من الاحتقان الذي لا تُحمد عقباه. على السيد حمدوك أن يثبت أن الحكومة المدنية قادرة على تحسين الظروف المعيشية للشعب السوداني. أي زعزعة لاستقرار السودان سيكون لها تأثيرات سلبية تطال القرن الإفريقي برمته وتؤدي إلى تفاقم التوترات في منطقة البحر الأحمر التي تتخبّط بالفعل من جراء حرب اليمن. إن انعدام الاستقرار في اليمن يقدّم لأولئك الذي يعارضون المرحلة الانتقالية أسباباً كافية لتقويض كافة الخطوات المشجعة التي اتخذها السودان على الطريق نحو السلام والديمقراطية. على مدى عقود، كان السودان محط إهتمام دولي بسبب الحروب والمعاناة. أما اليوم وبفضل الجهود الباسلة والسلمية للشعب السوداني أصبح أمام السودان طريقاً واعداً أكثر من ذي قبل. وبالنظر إلى المخاطر المرافقة لهشاشة المرحلة الانتقالية، ليس الوقت مناسباً حالياً ليكتفي المجتمع الدولي بالترقب والانتظار. علينا التحرّك فوراً لمساعدة السودان على دخول مرحلة جديدة. ملاحظة من المحرر: جيمي كارتر هو الرئيس السابق للولايات المتحدة ومؤسس مركز كارتر وهو منظمة لا تبغي الربح تعمل على تعزيز السلام والصحة حول العالم.