بقلم هيلاري موسبرغ وجون برندرغاست دعت الحكومة المدنية السودانية وقطاع عريض من المجتمع المدني السوداني الحكومة الأمريكية مؤخراً إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ويرى كثيرون أن مثل هذه الخطوة هي الحل لإنقاذ الاقتصاد السوداني من الانهيار، حيث تسعى الحكومة الانتقالية التي تشكلت عقب الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير خلال العام الماضي إلى الدفع بالبلاد نحو مسار الديمقراطية. إلا أن العملية المطلوبة لرفع اسم السودان من قوائم الإرهاب يساء فهمها على نطاق واسع، كما أن التوقعات الخاصة بالنتائج مبالغ فيها، والأهم من ذلك أن الإصلاحات الحقيقية اللازمة للانتعاش الاقتصادي يجري التقليل من أهميتها بشكل كبير. هناك طرق لتحقيق الأهداف التي حددتها القوى المؤيدة للديمقراطية في السودان لبلدهم، إلا أنها ستتطلب خطوات منهجية متعددة من جانب كل من السودان والولاياتالمتحدة. إحدى الخرافات هي أن إدراج بلدٍ ما في قائمة الإرهاب الأمريكية يكون سبباً في حظر الاستثمار الأجنبي أو تجريمه في تلك الدولة. وهذا هو الاعتقاد السائد في السودان بل وتم تداول هذه الفكرة في مقالات نشرت مؤخراً. وفي واقع الأمر، تفرض قائمة الإرهاب قيوداً محددة على المساعدات الخارجية التي تقدمها الحكومة الأمريكية للسودان، وتحظر صادرات الدفاع ومبيعات الأسلحة، وتتحكم في تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج إلى السودان. كما تحظر القائمة أيضاً تصدير بعض السلع الزراعية والأجهزة الطبية إلى السودان، إلا أن هذه المحظورات تم الرجوع عنها كلية تقريباً من جانب وزارة الخزانة الأمريكية. وفي الواقع، تمت إزالة القيود الأوسع نطاقاً على البنوك والاستثمار؛ عندما رفعت الولاياتالمتحدة عقوباتها الشاملة ضد السودان خلال عام 2017. الخرافة الثانية تكمن في أن قائمة الإرهاب تمثل العائق الوحيد أمام تخفيف عبء الديون في السودان. وفي الواقع، فإن القائمة تمنع الولاياتالمتحدة من التصويت لصالح حزم تخفيف عبء الديون الصادرة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والقروض والتمويلات الأخرى متعددة الأطراف، إلا أنها لا تمنع أي بلد أو مجموعة من البلدان الأخرى من تخفيف عبء الديون أو تقديم المساعدات. حتى في حال إذا ما تم رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، فإن سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشأن المتأخرات سوف تمنع إقراض السودان. هناك أيضاً العديد من الخرافات والارتباك الشديد الذي يحيط بالعملية المطلوبة لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وتتمثل العقبة الرئيسية المباشرة أمام هذا الأمر في الحاجة إلى تسوية تفاوضية مع عائلات ضحايا الهجمات الإرهابية التي تتم بدعم مادي مزعوم من الحكومة السودانية السابقة. وقد أشار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في ديسمبر إلى أن حكومته تقبل المسؤولية عما اقترفته الحكومة السابقة وأنها تعمل على إبرام اتفاقات مع عائلات ضحايا تفجيرات السفارة الأمريكية عام 1998 في كل من كينيا وتنزانيا فضلاً عن تفجير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول خلال عام 2000 . وعندما يتم التوصل إلى تلك الاتفاقات، وطالما استمر السودان في تعاونه في مكافحة الإرهاب مع الولاياتالمتحدة، فيمكن حينئذٍ أن تبدأ عملية رفع اسمه من القائمة. هذه هي النقطة التي تصبح عندها القضية أكثر تعقيداً. تقضي عملية رفع الأسماء من القوائم بأن تقوم الحكومة الأمريكية بإجراء تقييم متعمق على مدى عدة أشهر لمعرفة ما إذا كان السودان يواصل دعمه للإرهاب وما إذا كانيمتثل للمعايير الأخرى التي اتفق عليها الطرفان. وعقب الانتهاء من هذا التقييم والعزم على رفع اسم السودان من القائمة، يكون أمام الكونغرس مهلة تبلغ 45 يوماً لمنع اتخاذ هذه الخطوة. ومن المحتمل أن تستغرق العملية برمتها عدة أشهر. الخبر السار هو أن العلاقات الاقتصادية الأمريكية مع السودان تظهر بالفعل علامات على ذوبان حالة الجمود، كما هو موضح في الاتفاقية الموقعة في ديسمبر 2019 والتي تمنح بنك النيل الذي يتخذ من الخرطوم مقراً له حق الوصول إلى الأنظمة المصرفية عبر الهواتف المحمولة من خلال شركة أوراكل الأمريكية للبرمجيات. وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الدبلوماسية مع الولاياتالمتحدة حالة من التحسن، حيث اتفقت الدولتان خلال الشهر الماضي على تبادل السفراء وذلك للمرة الأولى منذ 23 عاماً، إلا أن وجود حظر سفر محتمل بمنع السودانيين من دخول الولاياتالمتحدة ربما يؤدي إلى توتر العلاقات وإعاقة التعاون الهام في مكافحة الإرهاب. الحاجة الماسة للإصلاحات. تحيط الخرافات أيضاً بالتأثير المحتمل لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. عندما تم رفع العقوبات الأمريكية الشاملة على السودان خلال عام 2017، كان الكثير من السودانيين يتوهمون وجود تحسن اقتصادي فوري. إلا أن ذلك لم يحدث لعدة أسباب؛ أهمها الحكومة الكليبتوقراطية التي شكلها البشير وفشل الحكومة والبنوك السودانية في معالجة الفساد وغسل الأموال. ومن غير المؤكد أن يؤدي رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب إلى تحسن اقتصادي فوري أيضاً. ومن أجل زيادة الاستثمار الأجنبي، يحتاج السودان إلى تنفيذ إصلاحات جديدة حاسمة، لا سيما في القطاع المصرفي، وهي تعتبر شروطاً أساسية للاستثمار الأجنبي السليم وإنفاق المساعدات. خلال مطلع 2019، كشف تحليل أجراه فريق ذا سنتري حول نظام مكافحة غسل الأموال في السودان أن جهود الحكومة لمكافحة التمويل غير المشروع لم تكن كافية على الإطلاق، وأن الأمر لم يتغير كثيراً منذ ذلك الحين. وتعود ملكية أغلب الأسهم في العديد من البنوك السودانية للشركات التي تسيطر عليها قوات الأمن أو غيرها من الكيانات الحكومية والتي لا يزال يديرها أعضاء سابقون في الدائرة الداخلية المقربة للبشير وكبار أعضاء الجيش والأجهزة الأمنية مما ينتج عنه تضارباً في المصالح ويتيح الفرصة داخل القطاع المصرفي للمجرمين والفاسدين. وعلى الرغم من وجود دلالات واعدة على مدى الشهر الماضي تشير إلى أن بنك السودان المركزي يعمل على معالجة أوجه القصور، إلا أن الرقابة المصرفية لا تزال هشة، كما أن البنك المركزي - على الرغم من إصداره توجيهات جديدة بشأن الرقابة المصرفية- لا يتمتع بالسلطة الكافية لقمع البنوك الفاسدة. تؤدي هذه الظروف إلى وجود مخاطر حقيقية تحيط بالمستثمرين الأجانب والبنوك الدولية وستظل تمثل عقبة أمام الاستثمار حتى بعد رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. كما يتسم مناخ الاستثمار في السودان بكونه محفوفاً بالمخاطر، بالنظر إلى الفساد المنهجي، بالإضافة إلى حالة الحذر التي تفرضها البنوك الدولية حول التعامل مع العملاء في السودان. وفي واقع الأمر، هناك حالة من الغموض تخيم على النظام الاقتصادي بأكمله في السودان، مما يجعل من الصعب أو حتى من المستحيل بالنسبة للبنوك إجراء العناية الواجبة للعملاء على العملاء والشركات في السودان وفهم المخاطر المتعلقة بهم. ومن الضروري أن تكون هناك شفافية أكثر في القطاع المصرفي لزيادة الاستثمار الأجنبي، وستحتاج البنوك السودانية إلى المشاركة المباشرة مع البنوك الدولية الكبرى لإثبات أن النظم الموجودة لديها ملائمة للبنوك العالمية لتوفير خدمات المراسلة والإقراض والخدمات الحيوية الأخرى. الطريق نحو المضي قدماً على الرغم من هذه التحديات، إلا أن السودان يمتلك طريقاً للمضي قدماً يمكنه من خلاله معالجة القضايا العالقة بالإضافة إلى الحصول على المزيد من الدعم من جانب الولاياتالمتحدة والدول الأخرى. أولاً، يجب أن يتوصل كل من السودان والولاياتالمتحدة إلى اتفاق سريع وعادل بشأن التعويضات التي ستدفع إلى العائلات الأمريكية المتأثرة بدعم السودان للإرهاب. ثانياً، يتعين على الحكومة الأمريكية تسريع عملية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وعلى الرغم من أن الأمر سيستغرق شهوراً حتى يكتمل، إلا أنه ليس هناك سبب يمنع الولاياتالمتحدة من بدء عملية رفع اسم السودان من القائمة على الفور مع استمرار مفاوضات التعويض. ثالثاً، يتعين على حكومة السودان إنفاذ قوانين مكافحة غسل الأموال الحالية ووضع إطار من الشفافية لإصلاحات الرقابة المصرفية. وتتسم هذه الإصلاحات بكونها ضرورية للغاية لتشجيع الاستثمار الأجنبي، فبدونها، لن تستطيع البلاد أن تحرز تقدماً كبيراً في طريق التحسن الاقتصادي. ويجب أن يبدأ المسؤولون الحكوميون والمصرفيون السودانيون المشاركة في اجتماعات المؤسسات الهامة في قطاع الالتزام المصرفي والعمل معهم، مثل مجموعة والمنتدى العالمي لمكافحة الفساد وجمعية الأخصائيين المعتمدين في مكافحة غسل الأموال الذي سيعقد في سيول خلال يونيو 2020. رابعاً، يجب أن يتخذ السودان إجراءً محدداً لمعالجة المخاوف في قطاع الذهب، وهو مساهم رئيسي في إجمالي الناتج المحلي للسودان، إلا أنه ينطوي على عمليات غسل الأموال والتدفقات المالية غير المشروعة وانتهاكات حقوق الإنسان. خامساً، يتعين على الولاياتالمتحدة والحكومات المعنية الأخرى والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي فرض عقوبات مستهدفة على المفسدين الذين يتسببون في إعاقة الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية. كما يجب التركيز بشكل خاص على قطاع الأمن، حيث يسعى كبار المسؤولين للحفاظ على الدولة الفاسدة التي احتضنها نظام البشير. إن مثل هؤلاء المفسدين يمنعون المنافسة الاقتصادية، ويستخدمون البنوك الخاصة لغسل المكاسب غير المشروعة، ونهب الموارد الطبيعية للبلاد. أخيراً، يتعين على الولاياتالمتحدة إصدار توجيهات للبنوك لمكافحة غسل الأموال، على غرار تلك التي أصدرتها في جنوب السودان خلال عام 2017، ونيكاراغوا خلال عام 2018، محذرة البنوك من زيادة مخاطر عائدات الفساد التي تجتاز النظام المالي الأمريكي. يمكن أن تحدد تلك التوجيهات أنماط عمليات غسل الأموال والفساد التي يجب على البنوك أن تبحث عنها وإطلاع البنوك على أحدث مستجدات الوضع في السودان، وتسليط الضوء على مجالات التقدم والمخاطر، وتعزيز الإبلاغ العام فيما يتعلق بالعناية الواجبة التي تقوم بها الشركات الأمريكية التي تستثمر في السودان. وفي حال رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بالتوازي مع وجود إصلاح حقيقي وتواصل واضح ودعم تنظيمي من جانب الحكومة الأمريكية، فإن فرص الانتعاش الاقتصادي سوف تتحسن بشكل كبير. ومع وجود رأس مال بشري استثنائي وقاعدة للموارد الطبيعية في السودان، يمكن أن تسفر السياسات الاقتصادية السليمة وجهود مكافحة الفساد عن حقبة من السلام والازدهار لا مثيل لهما في بلد أرهقته الحروب. جون برندرغاست هو المؤسس المشارك لفريق ذا سنتري، هيلاري موسبرغ هي مستشارة مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في فريق ذا سنتري.