كنتُ قد وعدتُ القراء أن أبدأ اليوم تعقيبًا على مقالات كتبها الأستاذ فيصل بابكر عن العلمانية والدين وعلاقته بالدولة لكن مقالة قرأتها بصحيفة التيار رأيت وجوب التعقيب عليها ثم ارجع الى مقالات صحيفة السوداني.. «التيار» تبيع اكثر حين تشتبك مع الإنتباهة اذ شهرة الانتباهة وسعة توزيعها تجعل للتيار حضورًا والوالد الكريم الباشمهندس الطيب مصطفى حين يرد على «التيار» يجعل الناس يتابعونها وخير للمنبر والانتباهة ان يعرض الباشمهندس عن التيار وما يكتبه صاحبها من الخرف وسأتولى التعقيب على ما جاء فى صحيفة التيار بقلم رئيس تحريرها بعنوان «الطيب مصطفى واسحاق احمد فضل الله كانا مجرد أدوات (عدة الشغل) في الإستراتيجية الدولية» وسأجعل تعقيبي على أمرين اولهما حديث عثمان ميرغني عن الإستراتيجية الدولية وصلة دعوة منبر السلام العادل للانفصال بتلك الاستراتيجية الدولية، وثانيهما تغزل عثمان ميرغني في الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين المسمى زورًا دولة إسرائيل ووصفه لها بالديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وليكن الرد على طريقة الوخز بالإبر سريعًا لكنه شافٍ لأن المغالطات التي وردت بمقاله كثيرة ويحتاج تصحيحها الى سفر ضخم: 1/ لم اجد كاتبًا يحشد من الحجج والبراهين على صوابية موقف خصمه كما فعل عثمان ميرغنى فعثمان ميرغنى يقول «الإستراتيجية الدولية حول السودان لا تريد تفكيك الدولة الأكبر في إفريقيا. ولا تريد بعثرة الشعوب السودانية في عدة أوطان مستقلة؛ لأنّ كل ذلك يقلل من فرص السيطرة الفكرية على السودان»!! وهذا ما ظل يردده منبر السلام العادل ان الهدف الاستراتيجى للصهيونية العالمية هو وحدة السودان ولكن بفهم جديد وعلى اسس جديدة وان الذين يزعمون ان الانفصال هو الخطة A هم واهمون وكنا نكتب لنقول ان الصهاينة عملوا على ابتلاع كل السودان واعادة تكوينه فى اطار ما يُعرف بالسودان الجديد. 2/ عثمان ميرغنى يقول «الإستراتيجية الدولية ترى أنّ (فكّ.. وتركيب) السودان هو الطريق الأصلح لتنفيذ التحوير الجيني المطلوب في السودان. فكّ جنوب السودان إلى حين.. ثم تركيبه مرة أخرى في الدولة الأم بعد أن تتغير وتتشكل أسس جديدة. كان المطلوب وفق الإستراتيجية الدولية فك جنوب السودان من الدولة الأم.. ليس طلاقاً بائناً بينونة كبرى.. بل مجرد فك مؤقت يعود بعدها إلى الوطن الأم لكن بعد إكمال عمليات التغيير المطلوبة» يبقى السؤال لماذا هذا الرهق اذا نجحت الخطة A فاستطاع حلفاء الصهيونية من الحركة الشعبية عبر الحرب التى ظل يمولها الكيان الصهيوني طيلة عشرين عامًا او عبر التفكيك السلمي للدولة باتفاقيات السلام المجتزئة الظلومة اذا استطاعوا الوصول الى السيطرة على السودان كله عبر هاتين الآليتين فلماذا رهق فك الجنوب ثم تركيبه؟! ان فشلهم فى الخطة A بفعل التبصير والتنوير الذى قاده منبر السلام العادل والصمود الكبير البطولي الذي جسدته كتائب القوات المسلحة والدفاع الشعبي في ميادين القتال هو الذي ألجأ الصهاينة إلى الخطة B التي تحدث عنها عثمان ميرغني.. لقد ظل منبر السلام العادل يقول ان ايلولة ما يسمى بالمجتمع الدولى الى دعم الانفصال ذلك بعد الفشل الذريع فى تنفيذ وحدة على اسس جديدة والتى ظلت تعد لها الحركة الشعبية وحلفاؤها ولو نجحت الحركة الشعبية فى تحقيق الوحدة على اسس التحوير الجيني كما يسميها عثمان ميرغني وعلى اسس طمس الهوية الاسلامية للسودان كما يسميها منبر السلام العادل لأراحت اسيادها من رهق الفك والتركيب فلقد اثبت عثمان ميرغني ان الوحدة على اسس جديدة هي الإستراتيجية الدولية ومنبر السلام العادل بدعوته للانفصال افشل تلك الإستراتيجية ولم يخدمها وجعلهم يبحثون الآن عن خيارات أخرى على نحو ما ذكره عثمان ميرغني بجعل الجنوب منطقة جاذبة. 3/ إن الذي جعل الصهيونية ترى أن الطريق الأصلح هو الفك ثم اعادة التركيب هو العقبات الكؤود التى وضعها الغيارى من قادة منبر السلام العادل وجماهيره وغيرهم من مقاومي مشروع السودان الجديد والذين وقفوا فى وجه وحدة تقوم على تذويب الهُوية وهو ما يتهرب عثمان ميرغنى عن تسميته باسمه فيسميه التحوير الجينى هل هو تحوير جينى أم تبديل للهوية؟ لماذا هذا الهروب؟! لانه ان استخدم هذا المصطلح «طمس الهوية» أصبح منبر سلام عادل بامتياز!! 4/ يكاد عثمان ميرغنى ان ينطق بالحق وهو يقول ان الهدف الرئيس هو اعادة تركيب الدولة على أسس جديدة لكنه لم يفصح عن تلك الأسس هل هي أسس تقوم على طمس هوية البلاد الإسلامية وعندئذٍ يجب على عثمان ميرغنى أن يحدد لنا موقفه من تلك الأسس ام هي اسس الديمقراطية والدولة المدنية وعندئذٍ فلا إخال عثمان ميرغنى يخالف تلك الإستراتيجية، واذا كان عثمان ميرغني لا يخالف إستراتيدجية فك وتركيب السودان بغية الوصول إلى مجتمع ديمقراطي فلماذا ينكر على منبر السلام العادل دعوته للانفصال إن كان حقًا ذلكم الانفصال سيحقق بعد إعادة التركيب دولة مدنية ديمقراطية وهو ما يبغيه عثمان ميرغني؟!! 5/ تعالوا نحلم مع عثمان ميرغني حلمًا نسجه من خياله الواسع «وستحدث طفرة تنموية هائلة في دولة جنوب السودان تتخطى بسرعة نظيرتها في الدولة الأم السودان. ستصبح دولة جنوب السودان، «دبي» إفريقيا.. دولة مزدهرة اقتصادياً وجاذبة للاستثمار وسيجد السودانيون في الشمال أنفسهم مصطفين منذ الصباح الباكر أمام سفارة «دولة جنوب السودان» في الخرطوم للحصول على تأشيرة عمل في جنوب السودان.. ويبدأ «موسم الهجرة إلى الجنوب». ولن يستنكف شباب دولة السودان «الشمالي» أن يعملوا في هيئة النظافة في مدينة جوبا.. وعربات النفايات بل وفي نظافة المرافق الحكومية والشركات في جنوب السودان.. وربما حتى البيوت.. وتتبدل الصورة القديمة التي كان فيها أبناء جنوب السودان يعملون في مثل هذه المهن في الشمال.. ستصبح دولة «جنوب السودان» محور تنمية في إفريقيا؛ وقبل ذلك مركز نشاط سياسي إقليمي أقرب إلى نموذج «أديس أبابا». وستتحول عاصمة جنوب السودان الجديدة إلى قطب إعلامي دولي.. فتهاجر الفضائيات الإفريقية والسودانية إليه.. وتبث من أراضيه. كل هذه التغييرات ستجعل «جنوب السودان» في الخاطر السوداني مختلفاً وبعيداً تماماً عن الصورة التاريخية القديمة.. وستتودد الدولة الأم في الشمال إلى شقيقتها الصغرى في الجنوب لتكسب ودها.. ومن هنا تبدأ رحلة العودة إلى الأصل.. إلى الوطن.» وسؤالى لعثمان ميرغنى ارجو ان تحدد هل انت ديمقراطى تؤمن بالدولة المدنية والمساواة بين شعوب السودان وعدم التمييز بينها على اسس عرقية او دينية الى آخر هذه الاسطوانة المشروخة ام انت تتبنى دعوة منبر السلام العادل فى وجوب الحفاظ على هُوية السودان الإسلامية وان العلو الحضارى والقيمى امر دونه خرط القتاد وان العزة للمؤمنين ينبغى الا يقبلوا الدنية فى دينهم ولا يقبلوا بسلطان الكافرين عليهم، الى اي الدعوتين انت تنتسب؟ او بطريقة اخرى لماذا تحكي هذا الحلم الخيالى بطريقة منزعجة لماذا يزعجك ان يعمل ابناء الشمال خدمًا فى بيوت الجنوبيين هل هذا الانزعاج البادي في كلماتك يقوم على أسس عرقية عنصرية ام على اسس دينية ثقافية ولا اظنه على اسس ديمقراطية لأن الديمقرطية ومعتنقيها لا اظن ان ذلك يزعجهم هل تعلم ان هذا الكابوس الذى تقصه علينا كان يمكن أن يحدث الآن ..... الآن لو نجحت خطط الحركة الشعبية واسيادها فى الوصول للوحدة باكتساح الحركة الشعبية للانتخابات وسيطرتها على مقاليد الحكم فهل نشكر منبر السلام العادل على تأخيره وقوع هذا الكابوس سنة او ثلاثًا او اربعاً او عشرًا ام نذمه؟! هذا اذا قلنا انه بعد الانفصال واقع لا محالة!! 6/ هذه الدولة الحالمة المزدهرة الديمقراطية فلا اظن ان الحركة الشعبية التي تتميز بابشع عقلية غاب فى افريقيا يمكن ان تنجح فيما يريده اسيادها وحسبك عثمان ميرغنى ان تقرأ تقارير المنظمات الدولية والاقليمية عن حقوق الإنسان فى الجنوب وعن حادثة شرطة الحركة الشعبية التى «بطحت» الممثل الاممى لحقوق الإنسان بجوبا واوجعته ضربًا وحسبك ان تسأل اجتماع المكتب السياسى للحركة الشعبية الأخير وعن مليارات الدولارات التى ضاعت بين باقان ودينق الور والحلو وحسبك ان تسأل جموع العائدين من جحيم الحركة الشعبية من ابناء الشمال وحسبك ان تجلس الى العائدين من لظى حكومة الجنوب من ابناء الجنوب الذين فضلوا ان يبقوا فى السودان الشمالى اجانب على ان يبقوا مواطنين فى دولة الدينكا بالجنوب. 7/ نعم أوافق عثمان ميرغنى إن الصهوينة النازفة المخفقة التى فشلت فى تحقيق الوحدة على اسس جديدة كخيار استراتيجى هى تعمد الآن الى معالجة فشلها بجعل الجنوب دولة جاذبة وتقويته حتى يتمكن من اكتساح الشمال وهي تستهدف اعادة تركيب الجنوب فى الشمال مرة اخرى ليمضي مشروع تذويب وطمس الهوية وتلك رؤية تجعل الإصرار على الانفصال واجباً دينياً وفريضة حتمية وضرورة واقعية لان الوحدة....الوحدة هى الخط الاستراتيجى يا صاحب «التيار» !! لكن يخطئ عثمان ميرغنى وكثيرون حين يختزلون منبر السلام العادل فى الدعوة للانفصال.. ان الدعوة للانفصال هى الجهاد الاصغر أما الجهاد الاكبر فهو اقامة السودان الشمالى على اسس اسلامية واضحة لا تعرف الدغمسة ولا تحنى رأسها لدعاوى مراعاة التنوع الثقافي فتتدسدس بالإسلام خافتة صوتها ان اقامة السودان الشمالي على هدى الشريعة يعني اقامته على الطهر الذى لا يعرف الفساد وعلى العدالة التى لا تعرف المحسوبية وعلى الشورى التى لا تعرف التسلط وعلى تشجيع البحث العلمي والتطور التقني بحسبانه فريضة دينية وعلى التمازج والوحدة الشعورية على الولاء للدين التى لا تعرف العنصرية والقبلية وعلى قيام الدولة بواجبها كاملاً تجاه الفقراء واهل العوز بتوفير الخدمات فى حدها الضروري بصورة مجانية وعلى اتاحة الفرصة لغير المسلمين فى ممارسة شعائرهم وشؤونهم الخاصة بلا اكراه ولا تضييق وعلى الاهتمام بالتعليم وربطه بالإيمان وتسخيره لتهذيب النفوس وغرس القيم والأخلاق الفاضلة وعلى قيم الإعداد التى فرضها الله عز وجل اعدادًا للنفوس على الاستقامة واعدادًا للخطاب الدعوي على التودد للناس والمخاطبة بالحسنى واعدادًا للجامعات بأرقى المعدات واحدث الوسائل واعدادًا للقوات المسلحة بالعتاد الذى يجعل حرم بلدنا مصونًا ان اقامة السودان الشمالى هذا هو جهاد منبر السلام العادل الأكبر وعندئذٍ سنجعل من السودان الشمالي دولة جاذبة ليس للعيش فيها فقط ولكن لاعتناق الدين الذي صنع بها هذا الإبداع.. إن استراتيجية العلو الفكري سنقابله بعلو فكري آخر والله متم نوره ولو كره المرجفون. أكتفي بهذا القدر فى التعقيب على المسألة الأولى المتعلقة بالانفصال وصلته بالإستراتيجية الدولية ويوم الأربعاء اعقِّب على تغزل عثمان ميرغني في الكيان الصهيوني المسمّى بدولة إسرائيل.