إن الدعوة التي اطلقها الحزب الشيوعي لوقف الحرب وضرورة فرض السلام ، ليست منطلقة من باب الوعظ أو الهداية أو ما شاكل ذلك من مخاطبات العواطف ، إنما هي نابعة من الموقف المبدئي – السياسي التاريخي ، الداعي الى ترسيخ التعايش الاجتماعي السلمي بين مختلف مكونات الوطن الاجتماعية ، وهي إذن ليست قضية (ظرفية) ، وهذا ما عبرت عنه برامج وأدبيات الحزب في مختلف الحقب السياسية التاريخية ، وبالنحو الذي شكل أفق الممارسة السياسية للحزب الشيوعي إبان العهود المنصرمة ، وهذا ما ينسجم مع موقفه وخطه السياسي ، ولذلك فعندما نطلق عنان الدعوة بضرورة وقف الحرب وإشاعة السلام ومن خلال خطابنا المعبر عن عقلنا الجمعي ، نعتقد بأن الدعوة الى وقف الحرب ترتبط وثيقاً بموقفنا وخطنا السياسي فيما يجري على مستوى الدولة السودانية في إحنها وأزماتها ، بمعنى ان الحرب التي ندعو الى ايقافها لها اسبابها ومسبباتها ، ونعتقد ان السبب الرئيسي والأساسي لما يحدث من نذر لحروبات ومواجهات عسكرية مستمرة ومتكررة هو وجود السلطة القائمة حالياً ، ولذلك فإن التضاد لمفردة وجود هذه السلطة هو ما يشكل الحل السياسي واخراج البلد من ازماتها المختلفة ، كيف لا والتاريخ يثبت ويوضح بأنه وعندما جاءت هذه السلطة المشئومة وبعد اكذوبة القصر والسجن السخيفة ، ليأتي الإقرار من بعد بأن من قام بانقلاب 89 هو حزب الجبهة الاسلامية القومية ، وأن لا حوار ولا قبول لأحد ، ومن اراد غير ذلك فليفاوضهم عبر فوهة البندقية ، وها نحن الآن وبفعل البندقية وبعد تصوير الصراع الاجتماعي السياسي في تجلياته العسكرية بأنه معركة بين الكفر والايمان ، ليمضي عسف الممارسة السياسية أشد تفاقماً وأكثر ضراوة في عنجيهة وتعنت لم يسبق له مثيل في تاريخ تجارب الحكم الشمولي ، لتكون النتائج الطبيعية لذلك ومن بعد انقسام الوطن مزيداً من الشرذمة وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي ، ودوننا دارفور وابيي وجنوب كردفان والنيل الازرق ، ولذلك و في سبيل انجاز الحل السياسي للبلد ووقف الحرب والاقتتال واشاعة السلام ، نؤكد بأننا لن نحيد ولن نتراجع أبداً عن انتزاع حقوقنا المختلفة بدءًا من ضرورة اتاحة حرية الرأي والتعبير وبشكل تام وكامل ، ولذلك فإن ما يحدث ويتم من عسف لجهاز أمن السلطة فيما يخص منع توزيع صحيفة (الميدان) لسان حال حزبنا وبصورة متكررة ومبطونة بالاستهداف الواضح من قبل الخصوم السياسيين والاعداء الطبقيين ، بقصد اخفاء وحجب الخط السياسي للحزب الشيوعي الرامي الى فتح دفتر احزان البلد وكشف من هو سبب أساسي في كل ما يحدث من خلال التساؤلات العديدة لتفاصيل لما يجري على مستوى الواقع السياسي ، وذلك بالرجوع الى المشعل الحقيقي لنيران الحروب من خلال التأمل في من الذي أعاق احداث التحول الديمقراطي الحقيقي ؟ ومن الذي زور التجربة الانتخابية الماضية واخرجها في صورتها المشوهة التي لا تعبر عن تمثيل مختلف القوى الاجتماعية والسياسية وتوازنها ؟ ومن الذي ماطل في تسوية ومعاجلة مختلف القضايا العالقة والمتصلة بولايات التماس (أبيي ، جنوب كردفان ، النيل الازرق) عليه فإن السلطة الموجودة الآن تقف عقبة كآداء بنهجها الشمولي الأحادي الرافض للآخر وللحوار الذي يمكن ان يؤدي الى الحل السياسي الشامل ، اذا ما تم انفاذ ما يشكل جوهره من تكوين لحكومة انتقالية قومية وقيام انتخابات حرة ونزيهة وصياغة واعداد دستور مدني ديمقراطي دائم يراعي طبيعة وواقع التنوع والتعدد والذي يمثل صمام أمان الاستقرار والتعايش الاجتماعي ، عليه فإن دعوة الحزب الشيوعي الى وقف الحرب تحمل وتصطحب معها أمرين أساسيين هما اسباب ومسببات ما آل اليه الحال وإمكانية المعاجلة ، الشئ الذي يتمحور حول ضرورة إزالة وإسقاط السلطة القائمة لأنها سبباً أساسياًَ في نزوح وتشريد جماهير شعبنا جراء الحروب التي تفتعلها ، ولأنها كانت سبباً في تشريد الآلاف من أبناء هذا الوطن بدعوى الاحالة الى الصالح العام ، ولأنها سبباً أساسياً لاهلاك وافقار السواد الاعظم لجماهير شعبنا والذين اضحوا يموتون بسبب الجوع ونقص الغذاء ، وهي سبباً أساسياً للبطالة المقنعة ولمئات الآلاف من الشباب والخريجين الباحثين عن فرص للعمل وتأمين مستقبلهم ، وهي سبباً اساسياً عندما شردت وعذبت وقتلت كل من قال لا لحكم العسكر . اذن ان دعوة الحزب الشيوعي لوقف الحرب هي دعوة حق يراد منها احقاق الحق ولا تراجع عن احقاق الحق المرتبط بالموقف والخط السياسي المعبر عن ضرورة إزالة واسقاط هذه السلطة الغاشمة والغادرة ، ولذلك اعتقد بأن تحرر الوعي السياسي لمختلف المكونات السياسية والاجتماعية يشكل أساساَ للتحرر العملي والسياسي وللقضاء على كل أشكال الاستبداد الذي تعكسه السلطة الطفيلية الموجودة ،ولأن الحرية هي وطن الوحدات الاجتماعية الكبرى ومبرر وجودها ، وبالتالي فمن غير الممكن لهذه السلطة أن تقود الى الاستقرار والتعايش الاجتماعي وتحقيق الوحدة ، فالنضال الوحدوي من أجل رفض الحرب وتحقيق الاستقرار يعتبر معادياً من حيث الجوهر لبقاء النظام الراهن ، وهذا يشكل أداة اساسية من أدوات التحرر السياسي وحل المسائل القومية للشعب (الفقر ، الجهل ، المرض) . اذن لابد من تحقيق وانجاز توحيد القوى الاجتماعية الكبرى للمنتجين وتحقيق اندماجهما الثقافي والسياسي والاقتصادي الذاتي ، وعزل وتصفية الطبقات والفئات الطفيلية التي ليست إلا العقبة الاولى أمام توحيد وتحرر الشعب ، وبالتالي وضع الحد الفاصل (تماماً) الى نفي سلطة الشعب لأجل تحقيق مصالح فئوية تحت ستار طائفة الدولة .. الميدان نشر بتاريخ 23-09-2011