تراسيم.. سياسة الضرب بالجزمة!! عبد الباقي الظافر في المحاضرة التي ألقاها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أمس الأول بالخرطوم.. خرجت حنجرة ضخمة من بين الصفوف تهتف "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد بدأ يعود".. الرئيس الذي همّ بمغادرة المنصة قفل راجعاً كمن استدرك شيئاً، وصحح الهتاف، واضعاً كلمة صهيون عوضاً عن كلمة اليهود.. الرئيس نجاد الذي حاول التعامل مع اليهودية باحترام هو العدو الأول لإسرائيل.. دعا لإزالتها من على وجه البسيطة.. وأنكر المحرقة النازية.. ويرى هجمات نيويورك مجرد مسرحية.. رغم هذه الرؤية المتشددة إلا أنه فضل التعامل السياسي لا الديني مع الطائفة اليهودية. في لقاء جماهيري شهير فلتت من بين الرئيس البشير عبارة مسيئة لشعوب وقبائل.. البشير كان يخاطب حشداً جماهيرياً في الفاشر ورمى جام غضبه على المحكمة الجنائية، مؤكداً أن المحكمة والدول التي تقف من ورائها تحت حذائه.. تصريحات الرئيس العاطفية الغاضبة التي نقلتها الأسافير وجدت انتقاداً واسعاً وعدت (زلة لسان). في محيطنا الإقليمي اشتهر عقيد ليبيا المخلوع بالخطاب الركيك.. القذافي كان يصف معارضيه بالكلاب الضالة.. ويطلق كلمة من حرفين في حق كثير من الدول التي تخالفه الرأي.. ولكنه كتب في المخيلة العالمية باعتباره مجرد رئيس (تحفة).. تستمع له لتضحك عليه. المهندس الطيب مصطفى ارتدى لأمة الحرب وزار الدمازين في الأسبوع الماضي.. صاحب منبر السلام بعد أن طالب بتطهير البلاد من الخونة والمارقين والذين يحملون أجندة غربية.. أقسم الخال الطيب مصطفى أمام الجموع أن أمريكا الآن تحت حذائه. في كثير من المساجد يخرج خطاب يحمل ذات مضامين الكراهية وعدم الاحترام للآخر.. إخوتنا من الأقباط والنصارى يستمعون على الهواء عبارات جارحة لا تحترم حقهم في المواطنة.. أما الدول الغربية فتلحقها اللعنات في كل جمعة.. علماؤنا الأجلاء يشتمون حتى تلك السيدة المنقبة التي تنوي منافسة ساركوزي في الانتخابات الرئاسية في فرنسا. واحدة من مشكلات تعاملنا مع الآخر أننا لا نضع أنفسنا في ذات الموقف.. لا أحد يقبل الإساءة للسودان.. وسنغضب جميعنا إن مس أحدهم معتقداتنا بسوء.. الخرطوم كادت أن تنفجر ومعلمة بريطانية أسمت دمية باسم نبينا الأكرم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم. وفي ذات الوقت لا نثمن مجهودات الآخرين في التعامل مع ثقافتنا وهويتنا باحترام.. الرئيس الأمريكي باراك أوباما خسر سياسياً عندما أيّد حق المسلمين في تشيد مسجد قبالة حطام برجي التجارة في منهاتن.. البيت الأبيض يحرص كلّ رمضان لدعوة مجموعة من المسلمين لتناول طعام الإفطار.. على ذات التقليد الذي ينمّ عن احترام كبير بدأت وزارة الخارجية تفطر يوماً مع المسلمين. ديننا الإسلامي يستوعب الآخر ويحترمه.. وثيقة المدينة كانت أول وثيقة دستورية في الإسلام تحترم التعدّد.. والرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم اتخذ من اليهود زوجة ومن النصارى زوجة.. ثقافتنا السودانية كانت تحتفي بالتعدد قبل أن يسودها التشدّد. بصراحة.. كثيراً ما يهزمنا لساننا ويصورنا للعالم بأننا مجرد أمة مغلقة تخشى منافسة الآخر. التيار نشر بتاريخ 28-09-2011