تأملات [email protected] . كثيراً ما رفعت حاجب الدهشة كلما استمعت لرجل دين يخطب في جمع من المسلمين المغلوب على أمرهم. . جل هؤلاء الرجال صاروا أميل إلى أولي الأمر ويتحدثون نفس لغتهم ويسعون لتحقيق أهدافهم، ولم يعد أمر دينهم يهمهم كما يزعمون. . يعاني أهل السودان من الحروب والقتل والاضطهاد وسيطرة فئة دون غيرها على الموارد و نقص في الكهرباء وندرة في المياه النظيفة الصالحة لاستخدام البشر وفقر مدقع وقلة في المدارس والمؤسسات الصحية وغلاء أسعار غير مسبوق ورغماً عن ذلك يتجاهل الأئمة أو الشيوخ انعدام هذه العناصر الأساسية لحياة البشر ليخرجون علينا بأحاديث أقل ما يمكن أن توصف به أنها سخيفة. . ما يحزن حقيقة أن تصدر هكذا تصريحات من رجال الدين الذين يتوقع منهم أن يكونوا أكثر الناس شجاعة وألا يخافوا في قول الحق لومة لائم. . لكنهم ( رجال الدين ) باتوا للأسف الشديد مجرد أبواق للأنظمة الحاكمة. . عجبت قبل أيام أثناء مطالعتي لحديث فارغ المحتوى والمضمون لأحد أئمتنا الذين يفترض أن نلحق بلقبهم دائماً صفة ( أجلاء) لكن بعضهم للأسف الشديد لا يستحقون هذه الصفة. . قال الإمام المعني أن أحد الغلاء في الأسعار هو ما تتغنى به الفنانة ندى القلعة ومثيلاتها. . ونظراً لعدم وجود أي علاقة بين غلاء الأسعار وما تتغنى به مطربة أو مجموعة فنانات فإن الرجل راح يلف ويدور حول اللا فكرة التي عبر عنها محاولاً إيجاد أي رابط، لكن هيهات. . فسر حضرته حديثه الأول بما هو أعجب منه، حيث قال " المظهر العام أصبح من سلبيات الفنانات السودانيات وهو ما قاد لكل هذا الغلاء والعيش الضنك الذي يشهده الشعب السوداني." . وأضاف قائلاً " كما أن هناك عدداً من الفنانات أصبحن لا يراعين الذوق العام ويظهرن بشكل غير لائق وغير مناسب مع الفتاة السودانية التي يضرب بها المثل في العالم." . وطالب إمام مسجد الحارة ( 40) بأمبدة بأن يتغير حال الفنانات السودانيات من حيث المظهر والشكل وتغيير لون البشرة. . وبصراحة لم أجد عبارة أدق من ( كلام الطير في الباقير ) لأصف بها حديث هذا الإمام. . فالرجل عينه للفيل، لكنه أصر على الطعن في ظله. . الغلاء يا عزيزي الإمام سببه سياسات حكومتنا الخرقاء وفشل اقتصادييها وصناع القرار فيها. . الغلاء نجم عن فقدان ثلث عائدات النفط إن كنت لا تعلم. . أما إن كنت تعلم ولا تريد أن تتكلم فهذه مصيبة والله. . يا لغرابة كل شيء فيك يا بلدي.. فقد انقلبت الأمور وبدلاً من أن نسمع النصيحة من رجال الدين صرنا نقدمها لهم! . أما إن كان لديك يا سيادة الإمام رأي في مسألة المظهر العام وملابس الفنانات وهو أمر مختلف جداً ولا علاقة له بغلاء الأسعار لا من قريب ولا من بعيد فمن واجبك أن تمتلك الشجاعة الكافية لتوجه هذه النصيحة للقائمين عن الأمر، إن كان هناك شريحة بهذا الوصف! . ولا أظنك قد نسيت يا عزيزي الإمام أن هذه الحكومة كانت قد بدأت في أيامها الأولى بكلام ممجوج وإجراءات عنيفة حول المظهر العام وكرهت بنات حواء السودانيات في اللبس، لكن بعد أن تمكنوا لم يعد ذلك يشكل جزءاً من اهتمامهم. . شغلهم بعد ذلك جمع الأموال وامتلاك العقارات وفتح الحسابات بالعملات المحلية والأجنبية والبحث عن مباهج الحياة داخل وخارج الحدود، فهل تملك القدرة على تذكيرهم ، لأن الذكرى تنفع المؤمن يا عزيزي رجل الدين! . نلاقيها منك يا إمام مسجد الحارة (40) ولا من وزير ماليتنا الهمام الذي ما أنفك يتحدث بلغة سوقية وقلة لباقة يحسده عليها أطفال الرياض. . قبل أيام قال سعادته أن الحديث عن انهيار الاقتصاد السوداني مجرد كلام فارغ. . والله ما في أفرغ منك يا سعادة الوزير. . أنت تتحدث عن اقتصاد بلد، وإن لم يعجبك حديث الآخرين عن انهياره فليس أمامك سوى أن تقدم لنا أرقاماً تؤكد كذب روايتهم وصدق روايتك. . تقول " ليس هناك انهيار اقتصادي وكل ما في الأمر أنها زيادة أسعار موسمية!" أضحكتنا والله فهذه جديدة لنج. . منذ أيام دراستنا الابتدائية سمعنا وعرفنا ولمسنا أن تغييرات تطرأ في أسعار الطماطم والبطيخ وبقية أنواع الخضار والفواكه حسب الموسم. . فالسلع الواردة أعلاه ترتفع وتنخفض موسمياً، أما بخلاف ذلك فلم نسمع بشيء اسمه زيادات موسمية إلا في زمان المهازل هذا يا وزير مالية جمهورية السودان. . حدثتنا بلغة الأرقام إن كنت تؤمن فعلاً بأنه لا يوجد انهيار اقتصادي وبلاش استفزاز وقلة ذوق، لأن ذلك يؤكد ما تود أن تنفيه. . ولا تنسى أنك طلبت بنفسك من نظرائك العرب أن يمنحوا السودان نحو مليار ونصف دولار لتغطية العجز الناجم عن فقدان بترول الجنوب سنوياً. . وتذكر أيضاً أن رفيقك على كرتي وزير الخارجية خاطب العالم أجمع طالباً منه ألا يتخلى عن السودان في هذا الظرف الدقيق الذي يعاني فيه اقتصاده من كارثة وشيكة. . وزير ماليتنا وبعض أئمة مساجدنا وجهان لعملة واحدة، وسيسألون عما تنطق به ألسنتهم وسيحاسبون حساباً عسيراً يوم لا ظل إلا ظله، لكن ماذا عن حسابهم في دنياهم!